في ذكرى 25 يناير.. ثورة عفوية فشلت في تحقيق مطالبها تمر ست سنوات على ثورة 25 يناير المصرية الثانية في سجل ثورات ما سمي بالربيع العربي عقب الثورة الأولى التونسية التي أطاحت بنظام زين العابدين بن علي، غير أن المصريين ما زالوا في اختلاف حولها فمنهم من يؤيدها ويعتبرها علامة فارقة في تاريخ مصر لإطاحتها بنظام استمر في موقعه 30عاما، ومنهم من يراها مؤامرة أعادت مصر إلى الوراء وحاولت إسقاط جيشها وتسليم البلاد لخطط جماعات الإخوان المسلمين التي عبثت بالأمن المصري وفشلت في فترة حكمها، وتعرضت البلاد ضمن الثورة المضادة حاليا إلى مخاطر إرهابية في ردة فعل انتقامية، وفي خضم كل مآلات الثورة لم تتحقق المطالب الحقيقية التي سعى إليها شباب مصر في ثورتهم كما لا تبدو أنها ستتحقق في الأفق القريب. العرب [نُشرفي2017/01/11، العدد: 10509، ص(6)] مطالب في انتظار الاستجابة القاهرة - يطرح سؤال النجاح والفشل في المشهد المصري مع اقتراب حلول الذكرى السادسة لثورة الـ 25 من يناير، فالشعب المصري الذي خرج مطالبا بالعيش والحرية والكرامة الإنسانية، لم يلمس لمطالبه تحقيقا حتى الآن، بل ازدادت الأوضاع سوءا في رأي الأغلبية على الرغم من تولي أكثر من إدارة شؤون البلاد. وكان المجلس العسكري تولى قيادة المرحلة الانتقالية الأولى، ثم تسلم الإخوان المسلمون الحكم بقيادة محمد مرسي، وعقب سقوطهم تولى المستشار عدلي منصور الحكم كمرحلة انتقالية مؤقتة، وأخيرا تولى عبدالفتاح السيسي الرئاسة المصرية، فضلا عن 7 حكومات بدءا من الفريق أحمد شفيق وانتهاء بالمهندس شريف إسماعيل.. فكيف يقيم المثقفون والكتاب ثورة 25 يناير وما جرى بعدها؟ وما الذي سيحمله المستقبل للمشهد المصري؟ “نجاح الثورات وفشلها لا يمكن أن يقاسا بالمدى الزمني القصير الذي يعقبها، وإنما تحتاج إلى مساحة زمنية أرحب، وتقاس تأثيراتها بما تتركه من بصمات في الضمير الجماعي العام”، هكذا يصف الباحث والإعلامي مجدي شندي رئيس تحرير جريدة “المشهد” رؤيته للثورة المصرية. ويقيّم الباحث المصري مسار الثورة على مدى السنوات الست المنقضية باعتقاده أنها نجحت على مستوى تغيير النسق الفكري والثقافي للمصريين وإن كانت قد تعرضت لانتكاسة على مستوى التمكن من مفاصل السلطة على الأقل إلى حدود هذه اللحظة. ويفسر مجدي الانتكاسة بأن الذين شكلوا قوى الثورة لم يكن يجمع شتاتهم إلا الإطاحة بنظام حسني مبارك، كما أنها بسبب عفويتها لم تضع برنامجا واضح المعالم حيث ركزت فقط على هدف أسـاسي والمتـمثل في سقوط النظام. وأضاف “كل نظام من الأنظمة التي أعقبت الثورة له مثالبه ومزاياه، فالمجلس العسكري حاول إدارة الفترة الانتقالية بحكمة ودهاء وقبل التعددية السياسية، لكنه بمكر شديد مكن تيارا محافظا ودينيا ومهد له الطريق حتى يصعد عبر صناديق الانتخابات عبر صفقته مع جماعة الإخوان التي حاول بها ضرب القوى الثورية الأخرى.. وكان له ما أراد”. ففي فترة حكم الإخوان كان المجلس العسكري وأجهزة الدولة القديمة موجودين في الخلفية، فاستغلا ارتفاع سقف الطموحات ومناخ الحريات وتبعية النخب الإعلامية لها في خلق موجة ثورية ثانية أذكاها حكم الإخوان بسذاجة سياسية ورغبة في إقصاء المخالفين. سيناريوهات الثورة المضادة يرى الشاعر سمير درويش أن “الثورة المضادة” بدأت في اللحظة نفسها التي بدأت فيها “ثورة 25 يناير”. ولفت إلى أنه في الوقت الذي كان فيه الناشطون يتدبرون أمورهم ويحاولون جمع أكبر عدد ممكن من الغاضبين، كي يتجمعوا في خمس مناطق بالقاهرة صباح يوم الأحد 25 يناير، كان النظام يضع خططه لإحباط هذا التحرك. أحبطت الثورة بالكامل، ليس لأنها لم تحقق النتائج التي قامت من أجلها فقط، وإنما أيضا لأنها جاءت بنتائج عكسية تمامًا وأعتبر أن القوى المحلية والدولية المهتمة بالشأن المصري، التي ترتبط مع مصر بمصالح اقتصادية، تضع هي الأخرى سيناريوهات بديلة للتعامل مع الأمر بكل احتمالاته، خصوصًا الولايات المتحدة الأميركية ودول أوروبا المتحالفة معها، وإسرائيل باعتبار أن الحدث يمكن أن يطالها. ويعتقد درويش أن كل تلك القوى سمحت بانتصار شكلي محدود للشباب، تمثل في تخلي حسني مبارك عن الحكم، وأظهر هذا النجاح مدى الابتهاج بالثورة المصرية التي كانت نموذجا يحتذى به في الرقي، وبالشعب المصري الذي أبهر العالم. وفي المقابل وبينما انشغل الشباب الذين شاركوا في الثورة بالانتشاء بهذا النجاح، كانت سيناريوهات يتم درسها وتنفيذها على الأرض، كي يعود النظام نفسه إلى الحكم، بصورة تبدو لامعة من الخارج، لكنها أكثر بشاعة من باطنها، حيث استفحل الفساد الذي تحميـه قوة عسكـرية بشكـل غير مسبوق. لهذا أحبطت الثورة بالكامل، ليس لأنها لم تحقق النتائج التي قامت من أجلها فقط، وإنما أيضا لأنها جاءت بنتائج عكسية تمامًا، فرموز الشباب تم إيداعهم السجون لمدد طويلة إثر محاكمات صورية سريعة، وبعضهم تم اعتقاله، والبعض اختفى قسريًّا، إضافة إلى الذين قتلوا والذين أصيبوا ليعيشوا بعاهات مستديمة، والنظام أصبح أكثر قمعًا ودكتاتورية باسم الحفاظ على الدولة وحمايتها ومحاربة الإرهاب. ويرى حاتم الجوهري أن ما حدث في 25 يناير كان ثورة حقيقية عبرت عن طموحات حقيقية، حيث قضت الثورة على الإرث التاريخي لدولة فرضت النمط الواحد. وأوضح الجوهري أن الأنظمة التي تعاقبت على البلاد منذ 25 يناير تنتمي فى معظمها للبنية السياسية القديمة؛ غير أن المجتمع المصري فى حاجة إلى المزيد من الوقت، كي يختبر معظم البدائل السياسية القديمة أمام الناس، وكي تكتسب النخب الجديدة مهارات العمل السياسي والقدرة على الحسم. ولفت إلى أن الإخوان والنخب العسكرية ومعظم التيارات القديمة يحكمهم سياق تاريخي ضاغط، ويحملون معارك ونزاعات قديمة، ولا يملكون القدرة على الخروج من سياقهم ولا البنية النفسية لذلك. لذا فالتغيير الحقيقي في مصر سيكون عبر مراحل زمنية، وفي نهاية المطاف الذي سيخرج بمصر من السياق التاريخي القديم، لا بد أن يكون نخبة جديدة لا تنتمي إلى المسار السياسي القديم. حاتم الجوهري: البنية السياسية القديمة ستزيد من الاستقطاب وخلق التناقضات وأكد الجوهري أن المستقبل سيحمل معه خلافات، فالبنية السياسية القديمة ستزيد من الاستقطاب وخلق التناقضات داخل المجتمع، لتجعل من تكلفة العبور إلى المستقبل باهظة، لكن الكثيرين لا يدركون أن فكرة “النمط السائد” تاريخيا عبر “فلسفة التكيف”، ستعمل ضدهم حينها، فالبنية الطبقية التي يستثمرون فيها بتناقضاتها، في لحظة معينة ستختار المستقبل لا الصدام! وستتنحى طواعية دون أن تتنازل عن مكتسباتها بين يوم وليلة. لذا فالمستقبل في مصر مصيره نحو التغيير حتما، لكنه سيأتي عبر مراحل، ولن يكون -في الغالب- عبر ضربة قاضية. ما بين النجاح والفشل تناول الروائي صبحي موسى طرح سؤال النجاح والفشل في مسار الثورة المصرية بتقديم إجابات تبدو حاسمة، فأول ما يتبادر إلى الذهن هو القول بأن الثورة لم تنجح، فلا المطالب المنادية بالحرية والكرامة الإنسانية تحقق منها شيء، بل على النقيض “فقد الناس ما كانوا يمتلكونه في زمن مبارك وهو الاستقرار والأمن والدعم، ودخلوا في دوامة من ارتفاع أسعار كل شيء، هكذا يمكننا بجرة قلم القول بأن 25 يناير فشل”. ويعتقد أنه من يؤيدون هذا الإقرار هم من أصحاب المطالب الفئوية، وليس الثوار أنفسهم، فمخاض الثورة اختلط فيه الثوري مع أصحاب المطالب التي لا ترفض النظام ولا تطالب بتغييره لكنها تمارس ضغطها عليه للحصول على المنافع المطلوبة. وفيما يخص الثوار أنفسهم فقد كانوا يطالبون بدولة مختلفة كلياً، دولة قوية تقوم على أساس المواطنة، بعضهم أيضا كان يحلم بدولة دينية، وهؤلاء أعطتهم الثورة ما حلموا به لعقود طويلة، لكنهم لم يكونوا مؤهلين لإدارة دولة بحجم مصر. ورصد الروائي ما يحدث في الواقع الراهن في مصر حيث يرى أن جانبا منه ينتظم مع الثورة، خاصة وأنها ثورة شعبية، فتاريخ الثورات الشعبية سواء في فرنسا أو روسيا أو غيرهما شهد الكثير من الأخطاء، وضل الطريق كثيرا، ووصلت خسائره إلى حد الحروب الأهلية. وأشار إلى أن تبعات الثورات المضادة أدت إلى قيام دكتاتوريات أعنف من الأنظمة التي ثار عليها الناس، لكن ذلك كله لم يحل دون وصول النهر إلى المصب وتحقيق الأهداف المرجوة من الثورات ونجاح الشعوب في مرادها، حيث يستشهد الباحث بتحولات الشعوب التي ثارت في التاريخ وتحولها إلى امبراطوريات كبرى في العالم. ويؤكد الروائي أنه لتحقيق النجاح المطلوب لا بد من اقتصاد قوي، وقوانين قابلة للتفعيل، ولا بد من يقين بتوازن القوى بين المواطن وبين الحكومة. ويقول “أخطر ما نعيشه الآن هو تآكل مساحة المجتمع المدني من جانب، وموت الأحزاب السياسية من جانب آخر، لتبقى أدوات التواصل الاجتماعي هي الحزب الأكبر والأهم والأبرز في تاريخ الثورة المصرية حتى الآن، فهذه المواقع هي التي حيدت العسكر في إدارتهم للبلاد في المرحلة الأولى، وهي التي أسقطت الإخوان، وهي التي مازالت تمارس ضغطها على السلطة الحالية من أجل الحفاظ على مدنية الدولة. :: اقرأ أيضاً داعش في فلسطين.. مقاومة أم إرهاب! دبلوماسية أكثر حزما في مقاربة الأمين العام الجديد للأمم المتحدة أردوغان يحمي جمهوريته بجيش خاص من الشباب الحكومة الإيرانية تحقن الفقراء بإبر العقم وتدفع للميسورين لمعالجته
مشاركة :