القاهرة ـ عن دار الحضارة العربية للنشر والدراسات بالقاهرة، صدر كتاب جديد للدكتور مصطفي عبدالغني بعنوان "ثورة مصر تحولات المرحلة الانتقالية"، يوثق فيه ما جري في أعقاب ثورة يناير وما تلاها من أحداث كبرى في كامل المنطقة العربية، والتي أعطت نتائج عكسية مباشرة علي الاقتصاد والأمن القومي العربي بصفة عامة والمصري على وجه الخصوص. يقع الكتاب في 312 صفحة من القطع المتوسط، قسمه الدكتور مصطفي إلي ستة فصول مع ملحق وثائقي روعي فيه بعناية عرض الوثائق الخاصة بتلك الفترة والفترة السابقة لها مباشرة، وخلاصة العهود الجمهورية الثلاثة. يشرح الكتاب بالتفصيل ما رآه المؤلف من اختطاف للثورة في 25 يناير وتطويعها لحساب التيار الإخواني ثم الانقضاض على مكتسباتها بسرعة وشدة، وتحويلها إلى عملية تغيير للحكم وللنخب السياسية مع إعطاء وعود إلى الطبقات الفقيرة دون مكاسب فعلية، لتظهر في النهاية نخب يمينية متطرفة تتلفح بعباءة الإسلام السياسي دون تغييرات حقيقية علي أرض الواقع المصري، وبدون منع تآكل الطبقة الوسطى في المجتمع الدعم الكافي للنهوض من جديد، وإصلاح الأحوال الاقتصادية. وتحدث المؤلف في الندوة التي أقامها مؤخرا ملتقي السرد العربي بالقاهرة، عن سير المفاوضات والانتخابات كما شاهدها كشاهد عيان نظرا لاتصاله بالكثير من القيادات الأخوانية والسلفية والسياسيين وحتى قادة الإعلام والرأي والوزراء. ويظهر الكتاب مهارة المؤلف الصحفية وقدرته النقدية المثيرة للإعجاب في قراءة وتحليل المشاهد التي ظلت طوال أعوام 2011 و2012 تروح وتأتي في محاولات مستميتة لخلخلة البناء الاجتماعي والثقافي المصري، وتغيير بنيته الاقتصادية بل وحتى استحداث آليات جديدة لتصبح ثوابت فيما بعد لو قدر لهذه الجماعات ألا تصل إلى السلطة، ولذلك لا حظ الجدل حول المبادئ فوق الدستورية، وكذا الجدل حول ديباجة دستور 2012، وآليات عزل الوزراء ورئيس الجمهورية وخلافه مع البرلمان إلى غير ذلك من المسائل والقضايا غير الموجودة في دساتير الدول الديمقراطية، هذا وما صاحبه من إضرار بمكانة مصر في محيطها القومي والإقليمي والذي استمر بعد ذلك بإصرار حين تولي الإخوان والمرشد السلطة فعليا في عام 2013. ويناقش الكتاب أيضا محاولات إحراق ذاكرة مصر الوثائقية من خلال سرقة وحرق وتهريب وثائق مصر بشتي السبل والوسائل، ويعرض بانوراما لأحداث معينة مثل محاولات تأجير الآثار، وصنع مناطق مرتبطة بالقناة، وكذا الجدل حول وثيقة الدكتور علي السلمي، بل ومحاولة جر الدولة إلى تسليم السلطة إلى مجلس رئاسي مدني حتى تصل الأمور إلي مرحلة من الغليان ثم الانفجار. وأخيرا تولى الإخوان السلطة في وقت قياسي محاولين تهميش كل القوى السياسية الأخرى والوصول لمرحلة النخبة الأوتوقراطية الحاكمة، وأصبح الحديث الشائع عن مرحلة إخوانية تمتد إلي 500 عام مدعومة بتنظيم دولي وكارتلات ودول نفطية؟! يخلص الدكتور مصطفي عبدالغني إلى أن هذه المرحلة هي مرحلة انتقالية بامتياز، لا يمكن الحكم عليها إلا من خلال ذلك، وأن أي تغيير إلى الأفضل أو وصولنا إلى تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها 25 يناير وما حدث في 30 يونيو مرهون باجتياز هذه المرحلة الانتقالية بكفاءة وسرعة ووضع مرتكزات أخرى للدولة المدنية المصرية الحديثة. ليس هناك سبب أو قدرة على الإسراع بذلك دون تغيير على أرض الواقع فعلا ومعالجة لما حدث في يناير لا يمكننا الوصول إلى دولة مدنية أفضل.
مشاركة :