ماذا لو ظل مهدي عاكف مرشداً للإخوان؟

  • 1/11/2017
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

عرفت مرشد جماعة الإخوان المسلمين السابق مهدي عاكف من أفعاله قبل أن ألقاه، وبحكم اختلاطي بالفتيات في الجامعات المصرية شعرت بالنقلة النوعية التي حدثت لبنات الإخوان في الجامعات خلال الأعوام (2005 - 2010)، وكيف خرجن من قوقعة الأسر والنشاط السري إلى المشاركة في التحالفات والائتلافات السياسية داخل الجامعة وخارجها. على مستوى آخر، انتقل عاكف وقد تجاوز الثمانين من عمره حينها بالجماعة من مرحلة الهواة إلى مرحلة الاحتراف السياسي، فقاد العديد من المظاهرات بنفسه أمام نقابة الصحفيين بوسط القاهرة. ربما ساعده المناخ السياسي العام وحالة الغليان التي كان يشهدها الشارع المصري، لكنه استغل الوضع أفضل استغلال، فخرج من ثنائية التحالفات مع الوفد وحزب العمل إلى تحالفات مع قوى يسارية وعلمانية، وشارك حركة كفاية، فكان شريكاً في كافة التحركات السياسية من 2005 وحتى الانتخابات البرلمانية 2010. كان على رأس القيادات التي تجيد التعامل مع الإعلام (وكان عددهم لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة)، إلا أن تصريحاته كانت دائماً ما تورط الجماعة لما كانت تحدثه من هزة لكيان الجماعة وتدفعها بقوة للخروج من القمم، ومنها تصريحه عن لائحة الجماعة، وكانت في حينها سراً حربياً، والتصريح الأصعب على الجماعة كان عن برنامج الحزب عندما سأله أحد الصحفيين عن اعتزام الجماعة التقدم لتأسيس حزب سياسي، فأجاب بأن النظام لا يسمح بتأسيس الأحزاب المعارضة، لكن الجماعة تعمل على إعداد برنامج للحزب الآن. هذا التصريح الذي دفع مكتب الإرشاد (أعلى هيئة بالجماعة) لعقد العشرات من الاجتماعات والتشاور مع عدد من الأكاديميين لتقديم تصور البرنامج في الوقت ذاته تعج الجماعة بالداخل حول مشروعية الحزب ووضعيته وموقع الجماعة، وهل هذا فصل للدين عن السياسة أم فصل الدعوي عن السياسي؟ في عهده حصد الإخوان ثلث مقاعد البرلمان لأول مرة في تاريخ الجماعة. في عهده تأجج الصراع بين جناحَي الجماعة إلا أنه كان قادراً على احتواء الطرفين. وفي عهده وصل الشباب لمناصب قيادية وكانت لجنة الطلبة من أنشط أجنحة الجماعة. ففي عهده انقلبت الجماعة رأساً على عقب وباتت أكثر براغماتية ومرونة، وكنت أعتقد لو استمر عاكف لتغيرت مواقف الجماعة وأفكارها بنسبة 100%. لو ظل عاكف على رأس الإخوان حتى الآن ما عاشت الجماعة ما تعانيه اليوم، فالرجل من أكثر من تعلموا درس 54، وكان يرفض أي تفاهمات سرية مع النظام. عاكف الذي وقف يهتف لغزة على سلم النقابة رغم أعوامه الثمانين، ووقف يهتف ضد مبارك أثناء المحاكمة العسكرية للإخوان، لم يجلس في برج عاجي وينظر لقواعده من فوق، بل كان يداً بيد معهم وقدماً بقدم. كان الرجل سريع الانفعال ربما لتجاربه القاسية أو لكبر سنه، لكن سماحة قلبه كانت تغلب دائماً على انفعالاته. أتذكر عندما حدث خلاف في مكتب الإرشاد حول قرار اتخذ من داخل السجن (وكان هناك عشرات القيادات تحاكم أمام المحكمة العسكرية في القضية المعروفة إعلامياً بميليشيا الأزهر)، ومرر على المكاتب التنفيذية دون استشارته وتكرر الأمر بشكل ما فقدم استقالته اعتراضاً على ذلك، فذهبت إلى بيته وكنت حاملاً في الشهر الثامن؛ لأحصل على تصريح حول الأمر، فأكرم ضيافتي وحكى لي عما حدث، وطلب عدم النشر، فاحترمت رغبته حينها، ونزلت وركبت التاكسي من التجمع الخامس في الطريق إلى فيصل، وخلال الطريق وجدته يتصل عليَّ ويسمح لي بنشر بعض ما حكى لي، وقال لي ضاحكاً: "علشان الولد اللي جاي". عاكف كان يطرق أبواب أسر المحكوم عليهم في المحاكمات العسكرية عام 2007، ويشعرها بأن أباهم موجود، واليوم لا يطرق أبواب أسر المعتقلين أحد. عاكف قرر باختياره أن يكون مرشداً سابقاً ويجري اختيار المرشد الجديد على عينه، وكان من أوائل مَن دعم الثورة ورفض الأغلبية في البرلمان، وقال لي ذات مرة: (علشان ما نبقاش بندعي الديمقراطية ولا ننفذها ولعل مبارك يتعظ)، كما رفض بشكل قاطع تقديم الجماعة مرشحاً بالانتخابات الرئاسية. عاكف دخل سجون العسكر وهو في عز شبابه، وكتب الله له النجاة من الإعدام، فقضى 20 عاماً خرج بعدها وقد قارب الخمسين، ولم يتزوج، إلا أن الله أكرمه بالزوجة والأسرة الصغيرة التي كان يعتبرها شغله الشاغل، وأكبر نعم الله عليه، إلا أن العسكر حكموا عليه بثلاث سنوات أخرى عام 1992 بالقضية المعروفة إعلامياً بـ"سلسبيل". العسكر يحاربون هذا الرجل؛ لأن لديه قدرة على إصلاح الجماعة بما يساهم في بقائها قوية وعنصراً مؤثراً في الحياة السياسية المصرية، وبدونه تعيش ما تعيشه الجماعة اليوم، وهو أكثر بكثير مما كان يتوقعه ويتمنَّاه النظام. عاكف يرقد هذه الأيام بين الحياة والموت داخل سجون العسكر مرة أخرى، ويرفض النظام أن يسمح له برؤية أسرته، أو أن يفرج عن هذا الرجل التسعيني. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :