أحداث أوكرانيا والشرق الأوسط تفضح عجز السياسة الأميركية

  • 4/4/2014
  • 00:00
  • 31
  • 0
  • 0
news-picture

النسخة: الورقية - دولي لعلّه كان محتّماً، لحظة انطلاق الرئيس باراك أوباما في سياسته الجديدة، التي تقضي بإيقاف التدخلات العسكرية المكلفة، أن تخضع هذه السياسة لأوّل امتحان مهمّ لها مع المستجدّات في كلّ من القرم وأوكرانيا والشرق الأوسط، بما يشمل المخاوف حيال صنع قنبلة نوويّة إيرانيّة. ولا يعود السبب إلى كون قلّة قليلة من الناخبين في الولايات المتحدة تحبّذ استعمال القوّة، بل إلى قدر كبير من النقاش الحاد، وإن جاء متكرراً، حيال الردّ المحتمل على روسيا، بدءاً بفرض عقوبات عليها ومروراً بتنظيم نوع من الإدانة الدولية الواسعة النطاق. وبالنسبة إلى مسألة الامتناع عن التدخّل، أظهر استطلاع مؤخراً أنّ أقلّ من ربع الشعب الأميركي أبدى استعداده للتصويت لمرشّح رئاسي ينادي بضرورة زيادة الدور الأميركي في حلّ الخلافات حول العالم. وقد دعم ذلك عدد لا يُحصى من المقالات والافتتاحيات التي تفسّر سبب تراجع فعالية القوة العسكرية في تحقيق الأهداف السياسية في عالمنا اليوم، ولا شكّ في أنّ هذه الحجة تنطبق على الروسيين والأميركيين على حدّ سواء، على ضوء التكاليف الباهظة التي تكبّدها الطرفان في أفغانستان. ومن ناحية، يُشار إلى أنّ المتمرّدين في عصرنا قد يُلحقون أضراراً فادحة بالطرف المحتل، عبر زرع القنابل على جوانب الطرق وإطلاق قذائف صاروخية. ومن ناحية أخرى، يساعد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق شبه عالمي هؤلاء المتمرّدين على تنظيم حركة معارضة واسعة النطاق ضدّ الغزاة الأجانب، بمساعدة ودعم خارجيّين. وينتقل موضوع النقاش حول ما يمكن فعله للاعتراض على ضمّ روسيا لشبه جزيرة القرم، من دون اللجوء إلى خيار الحرب. وقد رحّب البعض بالخطوات التي سبق أن بدأ تطبيقها، مثل استهداف الرئيس بوتين والمقرّبين منه، وتجميد أصولهم في المصارف الأوروبية وزيادة صعوبة سفرهم، فضلاً عن التوعّد بقدرة الغرب على بثّ عدم الاستقرار المالي في أرجاء روسيا كافّةً. ويرى آخرون أنّ الرد الأهمّ على المدى البعيد يكمن في دعم البلدان الواقعة على الحدود الروسيّة واقتصادياتها، وهي بلدان تعتمد على مصادر الطاقة الروسيّة، وذلك مثلاً، عبر إتاحة إمكانية استبدال النفط والغاز الروسيين بكميات غير محدودة ظاهرياً من الغاز الصخري الغربي الذي سيصبح في المتناول بعد سنوات قليلة من الآن. أمّا الردّ الأبرز تجاه الأحداث الراهنة، فيشتمل على فكرتين، أولاهما إرساء مفاهيم جديدة للعالم الذي نعيش فيه، إلى جانب اقتراحات في شأن ما ينبغي أن تقوم عليه الأهداف الوطنية الجديدة للولايات المتحدة، في غياب خصم أيديولوجي بارز كالاتحاد السوفياتي سابقاً. ويلاحظ البعض ظهوراً لتوازن عالمي جديد، قائم على الاعتراف المتبادل بالمصالح، التي يسمح الغرب لروسيا بموجبها أن تضمّ شبه جزيرة القرم إليها، شرط أن تبدي روسيا احتراماً ظاهرياً لمبدأ وحدة الأراضي الأوكرانيّة. وبالنسبة إلى آخرين، لا بدّ من التشديد على مجموعة جديدة تماماً من الأهداف الغربية، التي تقضي بخفض مستويات الاعتماد الأوروبي على روسيا في مجال الطاقة، وبإنفاق الولايات المتحدة، كما يقول توماس فريدمان، المبلغ الذي يناهز تريليونَي دولار أميركي والذي هُدِر على الحروب في أفغانستان والعراق، في الاستعداد لمواجهة تحديات وطنية مقبلة، تشمل مثلاً تحسين نوعية أنظمتها في مجال الإسكان، والصحة العامة، ومكافحة الفقر، والتعليم قبل كلّ شيء. ولعلّ أكثر ما يثير الدهشة في كل ذلك هو شعور الحذر الذي يخيّم على النقاش في شكل عامّ، إضافةً إلى القلق الواضح من كون الخطوات المتّخذة لضرب الاقتصاد الروسي قد تتسبّب بنتائج عكسيّة في هذا العالم المترابط بشدّة، ما قد يلحق ضرراً كبيراً بالانتعاش الاقتصادي الهشّ الذي لا تزال تشهده أميركا وأوروبا. وخير مثال على ذلك كون الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لروسيا، إذ يمثّل 400 بليون دولار من التجارة في روسيا، أي ما يحاكي نصف قيمتها، ما يمنح أوروبا سلطة كبيرة ويجعلها في الوقت نفسه منكشفة إلى حدّ كبير جدّاً على المخاطر. أما بالنسبة إلى منطقة الشرق الأوسط، فمن المعروف أن رغبة الرئيس أوباما بتقديم تنازلات لإيران بهدف منعها من تعزيز قدرتها النووية، قد تسبّبت بانتشار القلق في أوساط حلفائه المحليين، الذين يشعرون أيضاً بالقلق حيال دعم إيران للجماعات الشيعية التي تقاتل في سورية وقطاع غزّة. وفي هذا الصدد، لا بدّ من طرح السؤال التالي: أيّ قيمة ترون في الاعتماد على قوّة أميركا العسكرية، في ظلّ الغموض السائد حيال كيفية أو حتى إمكانيّة استغلالها لطلب المساعدة في حال التعرّض لتهديد جدّي من القوى الإقليمية المجاورة؟ وأخيراً، لا بدّ من التطرّق إلى موضوع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وإلى الكمّ الهائل من الصفحات المهدورة على التخمينات الفارغة حول شخصيّة هذا الرجل، والأهداف التي يتطلّع إليها، وحول ما إذا كان هناك ما سيمنعه من التوسّع خارج المناطق الحدودية لبلاده. غير أنّ استنتاج مغزى من كلّ ما سبق هو قضيّة أخرى، وأنا أرى في الوقت ذاته مزيجاً بين ردّ فعل محتّم حيال تغيّر مفاجئ في طبيعة التنافس القائم بين الولايات المتحدة وروسيا، وبين فرصة مهمّة تسنّت للرئيس أوباما وفريقه لإعادة تثقيف الأميركيين بشأن الحدود الجديدة المفروضة على السلطة في بلادهم، فضلاً عن اختيار الطريقة الأفضل للتأثير في الأحداث العالمية في ظلّ هذه الظروف الجديدة. ولعلّ الاعتراف بأنّ دولتك ليست نافذة بقدر ما كانت تبدو عليه، وبأنّها بحاجة إلى اتخاذ قرار حاسم حول استخدام نفوذها بطرق جديدة، أكثر ابتكاراً، إنّما أكثر محدوديّةً، هو دوماً عمليّة يصعب اختبارها. وأفضل ما يمكن أن يقوم به أيّ شخص غير أميركي، هو خوض هذه اللحظات كما هي، بدلاً من الإفراط في التفكير فيها، أو حتّى أسوأ من ذلك، انتقاد ظاهرها الرنّان من دون الإقرار بعمليّة تحليل القدرات الذاتية التي غالباً ما تكون متخفّية وراءها.     * اكاديمي بريطاني - جامعة هارفارد

مشاركة :