د. هشام بشير مازال المشهد السياسي والأمني في الدولة الليبية يتجه نحو المزيد من الضبابية، رغم بصيص الأمل الذي بدأ يلوح على فترات متقطعة، من أجل حلحلة الأزمة بعد أحاديث ومطالبات من الداخل الليبي، بضرورة توحيد الجيش الليبي وإعادة تسليحه، رغم الصعوبات والعراقيل على أرض الواقع، حتى يستطيع درء المخاطر، وتوطيد أركان الأمن والاستقرار الغائبين عن الأراضي الليبية. في إطار تلك الجهود، جاء تصريح المشير خليفة حفتر، في لقائه مع صحيفة كورييري ديلا سيرا الإيطالية في الثالث من يناير/كانون الثاني الجاري، أن روسيا مستعدة للعمل على إنهاء حظر بيع السلاح المفروض على ليبيا، وبالتالي تسليم قواته السلاح، مؤكداً أن الحكومة الروسية وعدته بتقديم مساعدة عسكرية لقواته، خلال زيارة قام بها مؤخراً لموسكو، ولكن بعد إلغاء حظر السلاح المفروض على ليبيا، مشيراً إلى محاولته خلال زيارته لموسكو، إعادة العمل بالعقود التي تعطلت منذ العام 2011، بعد اندلاع ثورة 17 فبراير/شباط، التي أطاحت بالرئيس الليبي السابق، العقيد معمر القذافي. أبانت تصريحات حفتر والتصريحات الروسية السابقة أهمية أن يكون لحفتر دور في المرحلة المقبلة في ليبيا، تحول الدعم الروسي إلى العلن بعدما كان محل شك خلال الشهور الماضية، وهو ما أكدته التقارير الغربية الصادرة سواء من المراكز الفكرية أو الصحف، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، ما أكدت عليه صحيفة ذا صنداي تايمز البريطانية الصادرة في الثامن من يناير/كانون الثاني الجاري، بأن روسيا أصبحت تلعب دوراً مهماً في صنع السياسات في ليبيا، بتقديمها الدعم لقائد الجيش المشير خليفة حفتر، مشيرةً إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يرى أن بلاده خُدعت في قرار الأمم المتحدة الذي سمح لحلف الناتو قصف ليبيا، وإسقاط معمر القذافي، معتبراً أن سقوط العقيد معمر القذافي يعد بمثابة ضربة مؤلمة لموسكو، التي وقعت عقودًا لإقامة قاعدة بحرية في بنغازي قبل سقوط النظام الليبي السابق بعام واحد. تصريحات حفتر الإيجابية حول إمكانية إعادة تسليح الجيش الليبي، وما أشارت إليه التقارير الغربية من الدعم الروسي للجيش الليبي، تأتي في الوقت الذي تتسارع فيها المبادرات والمقترحات الإقليمية والدولية للبحث عن مخرج للأزمة السياسية الراهنة، رغم تعقد الأوضاع على أرض الواقع بسبب تنامي الخلافات والصراع بين الفرقاء الليبيين، وكان آخرها استقالة موسى الكوني، نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني، في الثاني من يناير/كانون الثاني الجاري من موقعه الذي شغله لقرابة عام، مقدماً اعتذاره للشعب الليبي عمّا وصفه بفشله، مؤكداً فشل المجلس في القيام بمهامه واستحالة تطبيق الاتفاق السياسي، مشيراً إلى أن المجلس الرئاسي ليس على قلب رجل واحد والقرارات الصادرة دليل على ذلك، قاصداً القرارات التي أصدرها نائب المجلس الرئاسي فتحي المجبري، بتعيين خمس شخصيات في مناصب سياسية وعسكرية وأمنية عليا خلال الأيام القليلة الماضية. جاءت استقالة الكوني، رغم إلغاء رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، فايز السراج، قرارات فتحي المجبري لاحقاً، والتي تسببت في استقالة الكوني، كدليل دامغ جديد على فشل الاتفاق السياسي في تحقيق الآمال والطموحات المرجوة منه، كما أكدت على تنامي التباين في وجهات النظر داخل المجلس الرئاسي الليبي، كاشفةً أيضاً تزايد حجم الصراع داخل المجلس الرئاسي المترهل، خاصة أن عضوي المجلس الرئاسي عمر الأسود، وعلي القطراني، مقاطعان لأعمال المجلس له منذ فترة طويلة. ومع تنامي الشعور، سواء في الداخل أو الخارج الليبي، بشأن فشل الاتفاق السياسي في تحقيق الثمار المرجوة منه، طالب المستشار عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب السبت 6 يناير/كانون الثاني 2016، وذلك خلال لقاء جمعه بالرئيس التونسي الباجي قايد السبسي، في تونس، بتعديل الاتفاق السياسي بما يتفق مع مصلحة ليبيا وأمنها واستقرارها، مؤكداً أن مجلس النواب متمسك بالاتفاق السياسي بعد تعديله من أجل الخروج من الأزمة السياسية الراهنة في البلاد. ويبدو أن المستشار عقيلة صالح كعادته يحتفظ في جعبته بالمواد المهمة التي يرغب في تعديلها في الاتفاق السياسي الموقع في مدينة الصخيرات المغربية في السابع عشر من يناير/كانون الأول 2015، حيث قال في تصريحات سبقت زيارته تونس، وبعد عودته من موسكو والقاهرة، إنه حصل على دعم مصري لعدة مقترحات تهدف إلى حل الأزمة، تشمل تقليص عدد أعضاء المجلس الرئاسي، المنبثق من حكومة الوفاق، إلى أربعة، هم الرئيس وثلاثة نواب ممثلون عن الأقاليم الليبية الثلاثة، مع الإبقاء على صفة القائد العام كما هي لدى مجلس النواب، على أن يتم الفصل بين رئاسة الوزراء والمجلس الرئاسي، وإلغاء منصب وزير الدفاع في الحكومة المقترحة لوجود قائد عام للجيش بصلاحيات الوزير، قاصداً بذلك المشير خليفة حفتر، وبلاشك فإن الاقتراح سالف الذكر جاء بالتوافق مع القاهرة التي أصبحت الفاعل الأهم، في الوقت الراهن، خاصة بعد الجهود المضنية المبذولة من قبلها لحلحلة الأزمة المستعصية. فللمرة الثالثة، في غضون أسبوعين، استقبل الفريق محمود حجازي، رئيس أركان القوات المسلحة المصرية رئيس اللجنة المعنية بالملف الليبي، وفدًا ضم عدداً من أعضاء مجلس النواب، بهدف معالجة نقاط الخلاف التي تسببت في حدوث الانسداد السياسي في ليبيا، وإيجاد آليات جديدة وفعّالة تسهم في التسوية السياسية، وإشراك كافة الأطراف ذات العلاقة بهذه الأزمة، وعلى رأسها أعضاء مجلس النواب وأعضاء المجلس الأعلى للدولة. لم تكن القاهرة هي الطرف الأوحد الذي حاول أن يسهم في حلحلة الأزمة الليبية خلال الأيام القليلة المنصرمة، حيث شهدت تونس والجزائر زيارات متعددة من قبل الشخصيات والقوى الليبية، سواء الرسمية أو غير الرسمية، هذا في الوقت الذي قال فيه جون كلود جاكوسو، وزير الشؤون الخارجية بالكونغو في تصريحات صحفية في السابع من يناير/كانون الثاني الحالي، إن بلاده ستحتضن في الخامس والعشرين من يناير الجاري، قمة لرؤساء الدول لدراسة الأزمة الليبية لوضع الحلول التي تسمح بتسوية تلك الأزمة، مؤكداً على ضرورة التوجه نحو إجماع أوسع يشرك جميع الفصائل الليبية، لوضع حد للفوضى، ولم يكن الجانب الأوروبي غائباً عن الحراك السياسي في المشهد الليبي الحالي، حيث أكد وزير الخارجية الإيطالي أنجيلينو ألفانو، في الرابع من يناير/ كانون الثاني الجاري، في مقابلة مع صحيفة (لا ستامبا) الإيطالية، أن إيطاليا تسعى لتحقيق اتفاق سياسي شامل لكل الأطراف في ليبيا، والذي يضم الجنرال خليفة حفتر أيضاً. ورغم الجهود المبذولة لتحقيق السلام والاستقرار في ربوع الأراضي الليبية، فإن الواقع المؤلم يكشف عن استمرار تردي الأحوال الأمنية، لذا لم يكن غريباً أن أضحت ليبيا مرتعاً خصباً للتدخل في الشؤون الداخلية ليس من جانب الدول والحكومات فحسب، ولكن أيضاً من جانب الأفراد والشركات الأمنية، ففي الخامس من شهر يناير/كانون الثاني من العام الجاري، نشرت صحيفة فايننشيال تايمز مقالاً لإيريك برانس، مؤسس الفرقة الأمنية الأمريكية الخاصة بلاك ووتر، مؤكداً أنه يمتلك الحل الأمثل والأنجع لاجتثاث مشكلة الهجرة غير الشرعية القادمة من ليبيا إلى أوروبا، مقترحاً إرسال مرتزقة وفرق أمنية خاصة مدفوعة الأجر إلى الحدود الليبية مع كل من الجزائر والنيجر وتشاد، بالتعاون بين الحكومات الأوروبية ومؤسسته. * مدير مركز الدراسات الاستراتيجية والاقتصادية بجامعة بني سويف
مشاركة :