د. محمد شوقي عبد العال متسلحاً بقبول دولي، في مجلس الأمن وفي الجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يسبقه إليها أي من الأمناء العامين السابقين. وبخبرة سياسية طويلة حيث شغل منصب رئيس وزراء بلاده البرتغال في الفترة بين عامي 1995 و2002. فضلاً عن خبرة دبلوماسية واسعة في إطار أجهزة الأمم المتحدة ومؤسساتها تمثلت في توليه منصب مفوض الأمم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين لما يربو عن عشرة أعوام متصلة خلال الفترة من يونيو/حزيران 2005 وحتى ديسمبر/كانون الأول 2015، محققاً فيها نجاحاً مشهوداً. أقول متسلحاً بهذا كله، جاء الأمين العام الجديد للأمم المتحدة البرتغالي أنطونيو جوتيريس محملاً بآمال كبيرة في إصلاح المنظمة الدولية، التي أصابها الترهل والوهن نتيجة للتحديات الجسام التي واجهتها المنظمة وفشلت في التعامل معها والتي يضيق المقام عن حصرها من جانب، ولتغليب الدول الكبرى صاحبة العضوية الدائمة وحق الفيتو في مجلس الأمن، وهو الجهاز الفاعل صاحب سلطة إصدار القرار الملزم في المنظمة، لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحادية، لمصالحها الخاصة على حساب ما قد يكون مصلحة عامة للمجتمع الدولي من جانب آخر. ومن ثم فقد أعلن في الثالث من يناير/كانون الثاني 2017 وفي أول خطاب له في مقر الأمم المتحدة بعد توليه المنصب أن الأمم المتحدة تدخل مرحلة في منتهى الصعوبة، مشدداً على أن المنظمة في حالتها الراهنة لم تعد قادرة على مواجهة التحديات العالمية، وأنها تحتاج إلى إصلاحات يمكن أن تتيح لها، على وجه الخصوص، التخلص من قيود البيروقراطية التي تكبل عملها. ومؤكداً على ضرورة أن يدرك المجتمع الدولي أهمية مبدأ العلاقات متعددة الأطراف في وقت تتحول فيه العديد من القضايا المحلية إلى العالمية، وتسهم أزمات مسلحة جديدة في ازدياد خطر الإرهاب الدولي، فضلاً عن استمرار أزمة الهجرة غير المسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. كما كان قد أشار في كلمته في الحفل الخاص بمراسم أدائه اليمين إلى أنه قد آن الأوان لأن تعترف الأمم المتحدة بنقائصها، وأن تصلح من طرق عملها. فهذه المنظمة هي حجر الزاوية لنظام تعددية الأطراف، وقد ساهمت في إحلال السلام النسبي على مدى عقود من الزمان. لكن التحديات قد تجاوزت الآن قدرتنا على التصدي، ولا بد أن تكون الأمم المتحدة على استعداد للتغير....إن حجم التحديات التي نواجهها يتطلب منا أن نعمل معاً على النهوض بعملية إصلاح عميق ومستمر للأمم المتحدة. والحق أن حديث الأمين العام الجديد للأمم المتحدة عن وجوب إصلاحها ليس جديداً في بابه، فلقد سبقه في الحديث عنه أمناء عامون سابقون عدة. فمنذ البدايات الأولى لنشأة الأمم المتحدة طرح على بساط البحث مسألة إصلاح بعض جوانب القصور في عملها وفي ميثاقها، وقد تصاعدت وتيرة هذه الدعوة إلى الإصلاح بشكل كبير للغاية طوال العقود الأربعة الأخيرة على الأقل، فتبناها أمناء عامون، كالدكتور بطرس غالي، وتبنتها دول عديدة في مشاريع تقدمت بها فرادى وجماعات من أجل إصلاح الأمم المتحدة. وكان مرد ذلك عدة اعتبارات، تمثل أولها في طول الفترة الزمنية منذ صدور ميثاق الأمم المتحدة عام 1945، وهو ما أدى - بداهة - إلى تغييرات كبيرة في شكل النظام الدولي وتفاعلاته عن تلك التي جاء الميثاق معبراً عنها بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة. وتمثل الثاني فيما أبانت عنه الممارسة الدولية من أوجه قصور وخلل في ميثاق الأمم المتحدة، لعل من أهمها ما ارتبط بإسراف الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية في مجلس الأمن وصاحبة حق النقض (الفيتو) فيه من استخدام لهذا الحق في حماية مصالحها ومصالح حلفائها على نحو أدى إلى شلل المجلس عن القيام بوظائفه، وعلى الأخص فيما يتعلق بحفظ السلم والأمن الدوليين والذي هو الوظيفة الأساسية للمجلس والهدف الأسمى من وراء إنشاء الأمم المتحدة ذاتها. وأما ثالثها فتمثل في ظهور تحديات جديدة على درجة عالية من الخطورة تهدد السلم والأمن الدوليين، بل وربما تهدد بقاء المجتمع الدولي ذاته، لم يكن واضعو ميثاق الأمم المتحدة يرونها وهم بصدد إعداد الميثاق، من ذلك على سبيل المثال سباق التسلح النووي بين القطبين الكبيرين في فترة الحرب الباردة، والتلوث الخطير في البيئة وما ارتبط به من ارتفاع لدرجة حرارة الأرض، فضلاً عن تصاعد موجات الإرهاب الدولي والهجرة غير الشرعية عبر الحدود. وعلى الرغم من بعض الإصلاحات التي أدخلت على الأمم المتحدة، حين تم تعديل الميثاق في أواسط ستينيات القرن الماضي لزيادة عدد أعضاء مجلس الأمن غير الدائمين من ست إلى عشر دول. فإن الإصلاحات الأهم، لا سيما تلك المتعلقة بزيادة عدد الأعضاء الدائمين في المجلس، أو ترشيد استخدام حق الفيتو من جانب أعضائه الدائمين، دون الوصول إلى حد القول بإلغائه، لم تر النور، ولن يكتب لها أن تراه ما دامت موازين القوى في المجتمع الدولي على حالها، وما دام أن تعديل الميثاق لتحقيق هذه الإصلاحات إنما يستدعي موافقة الدول الخمس الكبرى مجتمعة عند التصويت على مقترحات التعديل في كل من الجمعية العامة ومجلس الأمن كليهما. على أن ذلك لا ينبغي أن يغلق أمامنا باب الأمل في إصلاح المنظمة ولو بشكل جزئي على الأقل. فإذا كان إصلاح مجلس الأمن ونظام العضوية واتخاذ القرار فيه يبدو مستحيلاً في ضوء ما تقدمت الإشارة إليه من اعتبارات، فإن إصلاح الأمانة العامة على سبيل المثال يبدو أكثر واقعية وأقرب إلى التحقق. ولعل النجاح الذي حققه الأمين العام الجديد في أداء الجهاز الإداري للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين وقت ولايته لها يغريه بمحاولة تكرار التجربة على مستوى أوسع في الأمم المتحدة ذاتها، كذلك فقد يبدو من قراره السريع، بعد أقل من أسبوع على توليه منصبه رسمياً، بشأن تشكيل لجنة من تسعة أشخاص للرد بشكل جذري على الاعتداءات الجنسية التي يتهم بارتكابها بعض العاملين في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، وهو ما يعطي إشارة واضحة الدلالة على عزمه تشديد العقوبات رداً على هذا النوع من الاعتداءات التي تلحق ضرراً بالغاً بصورة الأمم المتحدة، أنه قد بدأ أولى خطوات الإصلاح في حدود ما لديه من صلاحيات. * أستاذ بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية (جامعة القاهرة)
مشاركة :