تحيط منذ سنوات فتيات حسناوات وذوات بنية قوية، بوزيرات جزائريات، أين حللن وارتحلن خلال تنقلاتهن، في مشهد يذكّر بحارسات الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، حين عمد إلى اختيار حارسات يضمنّ أمنه، بدل الاعتماد على حراس رجال. وأضحى وجود المرأة في مراكز صنع القرار، سواء في البرلمان أو الحكومة لافتاً في الجزائر خلال السنوات الخمس الماضية. كما اقتحمت أخريات النشاط السياسي بقوة عبر إنشاء أحزاب خاضت غمار الانتخابات الرئاسية والنيابية. وهذه متغيرات تضعهن في مواقع الخطر وتستوجب حماية خاصة لهن أوكلت إلى «هوانم بودي غارد»، على رغم ما للمهمة من صعوبة لنساء نواعم يحرسن شخصيات مرموقات، وهو شكل جديد تم تجاوزه عبر تدريبات مكثفة تضع حياتهن في مرمى الموت، غير أن طرح الوضع من نواحٍ مجتمعية صرفة ونظرة الشارع إلى مهنة الحارسة الشخصية قد لا تكون محل قبول. أجسادهن... سلاحهن في عام 2012، فتحت مصلحة الحماية والأمن التابعة للمديرية العامة للأمن الجزائري أو كما يُطلق عليها تسمية مصلحة «البودي غارد»، وحدة عمليانية نسوية خاصة، مفسحة المجال أمام العنصر النسوي الذي اقتحم مصالح الشرطة كلها، لتكوين فرقة خاصة من حارسات للشخصيات، تتميّز عناصرها بقوة قتالية على رغم رشاقتهن وجمالهن. وتزامن ذلك مع الانتشار الكبير للعنصر النسوي ضمن عديد الشرطة، إذ التحقت حوالى 16 ألف فتاة بجهاز الأمن، في غضون فترة وجيزة، ما يطرح تساؤلات عن تغيّر الذهنيات في المجتمع الجزائري وتقبّله هذا التطور، أو أن الجزائريات يعتبرن الالتحاق بالعمل في السلك الأمني السبيل الأفضل لتحسين الظروف الاجتماعية والمعيشية. ويذكر أن جزائرية كانت أول امرأة عربية قادت طائرة، كما تقلّدت فاطمة زهرة أرجوان، رئيسة مصلحة في المستشفى العسكري عين نعجة، رتبة جنرال في عام 2009. ويوضح مسؤول أمني جزائري لـ «الحياة» أن العنصر النسوي، في مصلحة التدريبات يقوم بواجبه ويمر بمراحل التكوين والصقل وتنمية القدرات واكتساب التقنيات المختلفة على غرار ما يخضع له الرجال. ويضيف أن حارسات الحماية الشخصية من النسوة مثلهن مثل الرجال لا يحتجن إلى الأسلحة عند التدخّل، بل يستخدمن قوتهن وحنكتهن اللتين اكتسبنهما من خلال التقنيات القتالية والدفاعية التي تفرضها المؤسسة. وتفضّل السلطات انتداب حارسات شخصيات في كل فرق الحراسة المخصصة للوزيرات، أو الشخصيات النسوية الرسمية. وتعتمد الأمر مع ضيفات أجنبيات. كما أن أحد الوزراء الحاليين طلب أن يتضمّن طاقم حراسته امرأتين، لأنه يؤمن بمبدأ أن المرأة أكثر صرامة وحرصاً. وظهرت «بودي غارد» لوزيرات ومسؤولات، على غرار وزيرة التربية الجزائرية نورية بن غبريط، ووزيرة البريد وتكنولوجيا الاتصالات هدى إيمان فرعون، ووزيرة التضامن والأسرة مونية مسلم، وقبلهن وزيرة الثقافة نادية لعبيدي. كما ترافق حارسات سياسيات أمثال رئيسة حزب العمال لويزة حنون ورئيسة حزب العدل والبيان نعيمة صالحي. وتعرب الوزيرة فرعون، أصغر وزيرة في الجزائر، عن إعجابها بتفاني حارستها الشخصية وإتقانها عملها، مبدية تشجيعها للجزائريات على اقتحام هذا المجال. لا تسمع ولا ترى ويشترط على الحارسات السر المهني على خلفية أنهن يرافقن وزيرات ووزراء في تنقلاتهم حتى الخاصة منها والعائلية، فهن بمثابة «العلبة السوداء»، لا يمكن أحداً فتحها. ويعتمدن شعار «لم أسمع، ولم أر، ولن أتكلّم»، لا سيما أن أي خطأ تقع به حارسة الحماية المقربة سيكلفها عقوبات ثقيلة. وسارت سياسيات أخريات على نهج انتداب «هوانم بودي غارد» لحراستهن خلال جولاتهن في أنحاء البلاد من أجل تنشيط تجمعات شعبية. وكنوع من رد الجميل لهن، اختارت رئيسة حزب العدل والبيان نعيمة صالحي، المثيرة للجدل بموقفها من المرأة والرجل، تاريخ ذكرى عيد المرأة في العام الماضي لتكريم حارستها الشخصية. ومع أن نشاط رئيسة حزب العمال اليساري لويزة حنون التي ترشّحت للانتخابات الرئاسية ثلاث مرات، السياسي جلب لها أعداء كثراً، غير أنها لم تبالِ وتستعين بحارسة شخصية ضمن فريقها الأمني. وكما ذكرنا، يتخطّى انتداب الحارسات الشخصيات حدود المسؤولات إلى وفود أجنبية، ففي عام 2008 وضعت السلطات سيدة «بودي غارد» ضمن طاقم المرافقة الخاصة بالفنانة اللبنانية نانسي عجرم التي كانت تقوم بجولة غنائية، علماً أن المصلحة الأمنية الخاصة بتدريب الحارسات لم تكن قد أنشئت. ويتكفّل جهاز الشرطة توفير أعوان الحراسة الخاصة للشخصيات الرسمية، فيما يقتصر عمل الشركات الأمنية الخاصة على حراسة المؤسسات التجارية والاقتصادية وليس الحماية الشخصيات. ويبقى تقبّل الشارع الجزائري عملَ المرأة كحارسة شخصـية وانتشاره على نطاق واسع، مسألة وقت، خصوصاً أن أداء هذه المهنة يستوجب تلقي تدريبات فنية وتقنية خاصة. وتشير سعيدة نغزة، رئيسة الكونفيديرالية العامة للمؤسسات الجزائرية رئيسة لجنة النساء في الاتحاد المتوسطي لرجال الأعمال «بيزنس ماد» التي تحدثت أخيراً عن تهديدات خطيرة تلقتها من رجال أعمال، إلى أن تعيين حارسات شخصيات «تحوّل إلى بريستيج فقط». وأوضحت لـ «الحياة» أنها لاحظت خلال حضورها مؤتمرات في لندن وباريس قدوم شخصيات على متن دراجات هوائية، مؤكّدة رفضها اللجوء إلى الحارسات الشخصيات مهما كان الخطر المحدق بها.
مشاركة :