مخمل، ملمس الحرير في مواجهة قسوة المخيم

  • 1/12/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تدخل الكاتبة الفلسطينية "حزامة حبايب" في روايتها الجديدة "مخمل" عالم المخيّمات الفلسطينية في دول الجوار، وتحديداً مخيّم "البقعة" في الأردن، فتغوص في تفاصيله، وتنقل الحياة اليومية لساكنيه، وهمومهم الاجتماعية والمعيشية، كاشفةً عن تفاصيل كثيرة، مختارةً للولوج إلى هذا العالم حكاية عائلة تعيش في المخيّم. ورغم أن الدخول إلى هذا العالم شائكٌ جداً، ومعقد، فإن الكاتبة تنحاز منذ البداية لـ"الحدوتة"، مبتعدة عن المباشرة في طرح هذا العالم الجاف، هكذا، ومن خلال حواديت تنمو ببطء وتتفرع خالقةً حواديت أخرى، تبني "حبايب" معمار روايتها لتعطي صورة بانورامية عن حياةٍ بائسة، طاحنة، تعيش بقربنا لكن قلما نلتفت إليها أو نعيرها انتباهاً. العائلة التي تختارها الرواية هي عائلة "حوا". يعمل معيلها "موسى" في البناء. لا تملك عائلته أي عاطفة تجاهه بل تفرح حين يخرج من البيت، فهو الأب الفظ الذي يستعمل العنف بشكل دائم نهاراً، وهو المعتدي جنسياً على أجساد بناته الصغيرات ليلاً، وأما الأم "رابعة" فقد تخرّبت أعماقها بسبب الحياة التي عاشتها، واكتسبت قسوةً وبروداً تجاه أي حدث أو شعور أمامها. على هذه الشاكلة كبُر الأولاد الخمسة في بيتٍ تملؤه الكراهية والتمزّق. "لم تحب حوا والدتها. وحين كانت تخاطبها بـ"يمّه" لم يكن ذلك من قبيل الحب والمبادرة والرجاء، وإنما للرد عليها والاستجابة لها، ومن قبيل الانطواء والانحناء والاستسلام والانكسار، وفي أوقات العذاب الكثيرة من باب الاستنجاد والاستجارة دون أن تلقى منها نجدةً وإجارة. كذلك، لا تذكر حوا أن والدتها أحبّتها يوماً أو أحبت أياً من بناتها، أو على الأقل لم تشعر حوا بهذا الحب، إن وُجد. بل على الأرجح أن رابعة لم تحب الحياة ولم تطلبها”. هكذا، ترسم الرواية شخصياتها، محاولةً أن تبيّن كيف تنعكس ظروف الحياة وقسوتها وطبيعة المحيط على الإنسان، فتسحقه، جاعلةً منه فرداً معطوباً، غليظ القلب، يعيد إنتاج دورة العنف والقسوة نفسها على من حوله. وحدها "حوا" تنجو من هذه اللعنة، يساعدها في ذلك أنها منذ عمر صغير عملت في بيت الست "قمر"، الخياطة الشامية، فرأت عالماً مختلفاً عن العالم الذي أتت منه، وكان هذا سبباً في جعلها شخصية متوازنة نوعاً ما، تمتلئ بالحب والعطاء رغم حجم الظلم الواقع عليها، وحجم العذاب الذي عانته سواء في بيت أهلها أو بعد زواجها. ما يلفت في رواية "مخمل"، إضافة إلى حبكتها، هو اللغة الرهيفة والحساسة المكتوبة بها، لغةٌ تعتمد النمنمة والوصف التفصيليّ، وتكتسب مفرداتها من عدة عوالم. أقوال جاهزة شارك غردتكتسب هذه الرواية مفرداتها من عالم الأقمشة، فيصبح لكل نوع من القماش حكاية ولمسة وهمسة ورائحة شارك غرداختارت حزامة حبايب لروايتها اسم “مخمل”، النقيض التام لحياة المخيم الخشنة والمؤلمة التي تعيشها بطلتها الأول هو عالم المخيّم بأزقته الموحلة، وأبنيته المتهالكة وعلاقاته المشوّهة، والثاني هو عالم الأغنيات الفيروزية التي عشقتها "حوا"، فيحدث أن نقرأ عبارة من نمط: "حتى إذا مرق الصيف ولملم عناقيده فيما ظل الشوق متأججاً، عاد منير إلى عمله"، أو "بالنسبة لحوا، من يومها ضحك اللوز"… وأما العالم الثاني، فهو عالم الأقمشة بأنواعها، تلك التي تتعامل معها بطلة الرواية بحكم عملها، فيصبح لكل نوع من القماش حكاية ولمسةً وهمسة ورائحة، ويبقى المخمل من بينها جميعاً هو الأثير لديها، كما كان الأثير لدى "ست قمر”. "للمخمل رائحة ليست كأي رائحة أخرى، هكذا كانت ست قمر تقول لها. هي رائحة الدفء، وهي رائحة السخونة الهاجعة، وهي رائحة العمق، وهي رائحة المدى، وهي رائحة الترف المستحَق، وهي رائحة التمني والتشهي، وهي رائحة النضج: نضج الحب ونضج العمر، وهي رائحة اللحم المعمّر بالاشتياقات وعرق الرغبات. لكن ليس أي مخمل، إنما المخمل الخميل، الذي يتقد فيه أغلى الحرير، المخمل ذو النعومة المرصوصة، المنسدلة، العصية على التكسّر”. ولا يخفى على من يقرأ الرواية الدلالة الرمزية لاختيار "مخمل" ليكون عنواناً لها. إنه النقيض تماماً للحياة التي تعيشها "حوا"، ولحياة المخيّم الخشنة والمؤلمة، التي وإن شابتها بعض اللحظات الجميلة، كاللحظات التي تعيشها البطلة بعد أن تقع في حب "منير" في خريف العمر، فإن العنف المختبئ المنتقل من جيلٍ إلى جيل سيجد طريقه ليهدم كل سعادة ممكنة، وكل رقّةٍ موعودة. حزامة حبايب كاتبة فلسطينية عملت في التعليم والترجمة والصحافة. حازت عدة جوائز، من بينها جائزة "محمود سيف الدين الإيراني" للقصة القصيرة، وجائزة مهرجان القدس للإبداع الشبابي. لها مجموعة شعرية بعنوان "استجداء"، وخمس مجموعات قصصية، وثلاث روايات: "أصل الهوى"، "قبل أن تنام الملكة"، ”مخمل". الناشر: المؤسسة العربية للدراسات/ بيروت عدد الصفحات: 362 الطبعة الأولى: 2016 يمكن شراء الرواية من النيل والفرات ومتجر جملون. اقرأ أيضاً فلسطين متحفاً حياً، بدون متاحف! رواية من فلسطين: جنين 2002 "مديح لنساء العائلة"، سيرة عشيرة من بدو فلسطين فايز علام فايز علام كاتب سوري يعمل محرراً وعضواً في لجان القراءة في عدد من دور النشر. مهتم بالشأن الثقافي وبصناعة النشر في العالم العربي. يعدّ حالياً بحثاً عن الرواية العربية ويكتب بشكل مستمر لرصيف22. كلمات مفتاحية رواية فلسطين التعليقات

مشاركة :