ما يرافع من أجله إليوت من أجل بناء الوحدة الثقافية الأوروبية وتعميق عناصر التماثل في الثقافات الوطنية المتنوعة للمجتمعات الأوروبية هو ما نفتقده نحن في عالمنا. العربأزراج عمر [نُشرفي2017/01/13، العدد: 10511، ص(15)] من حين لآخر أعود إلى كتابات الشاعر العالمي الشهير توماس إليوت النقدية التي لا تقل أهمية عن شعره الذي توج بجائزة نوبل للآداب، وفي هذه المرة استوقفتني قضية أساسية بارزة طرحها للنقاش في حديثه عن مفهوم الثقافة وتتعلق بما يدعوه بوحدة الثقافة الأوروبية ومكانة الشعر الأوروبي في هذا النسيج بكامله. يقول إليوت إن سبب قوة اللغة الإنكليزية التي يكتب بها شعره يتمثل في أنها تتكون من العناصر الجرمانية والاسكندنافية والنورماندية واللاتينية والكلتية وغيرها من الروافد اللغوية الأخرى. كما يوضح أن موسيقى الشعر الإنكليزي غنية بتنوعها حيث نجد فيها “إيقاع النظم السكسوني القديم، وإيقاع النظم الفرنسي النورمندي، وإيقاع النظم الويلزي، وكذلك تأثير دراسة أجيال للشعر اللاتيني واليوناني”. وفي تقديره فإن “أية أمة واحدة وأية لغة واحدة لم تكن لتبلغ ما بلغته لو لم يتعهد الشعر في بلاد مجاورة، وفي لغات مختلفة. ونحن لا نستطيع أن نفهم أي أدب أوروبي بمفرده دون أن نعرف الكثير عن الآداب الأوروبية الأخرى”، ويرى في هذا الصدد أن ما يعنيه بوحدة الثقافة الأوروبية هو “وجوه التماثل التي يمكننا أن نتبينها في شتى الثقافات القومية”. وهنا يربط إليوت بين تطور الشعر وبين تنوع مصادره “إن بلدان أوروبا المختلفة إذا انعزل بعضها عن بعض وأصبح الشعراء لا يقرأون أدبا إلا ذلك المكتوب بلغتهم فلا بد أن ينحدر الشعر في كل بلد”، ولكن هذا الربط المصيري يعني عنده أن الهوية الثقافية بما في ذلك الهوية الشعرية لا تتأسسان فقط على البعد الوطني الواحد المغلق على نفسه وإنما هي تركيبة من عناصر التماثل ومن العناصر الذاتية. وفي رأيه ينبغي أن يتميز هذا التركيب بخاصيتين: “إن كل أدب يجب أن تكون له مصادره الخاصة المتعمقة في تاريخه، ولكن هناك أيضا تلك المصادر التي نشترك فيها”. أعتقد أن ما يرافع من أجله إليوت من أجل بناء الوحدة الثقافية الأوروبية وتعميق عناصر التماثل في الثقافات الوطنية المتنوعة للمجتمعات الأوروبية هو ما نفتقده نحن في عالمنا الممتد من المحيط إلى الخليج وخاصة في الفترة الراهنة حيث أصبحت النزعة الاثنية المتفشية والمغرقة في الانغلاق التي تشهدها بلداننا تعادي ترقية التماثلات التاريخية والحضارية التي نشترك فيها في شعرنا ومختلف الأنواع الأدبية والفنية والفكرية الأخرى التي تتشكل منها بنية الهوية الثقافية الكلية، وكل ذلك يتم مع الأسف جراء النكوص إلى يسمى بالهوية الثقافية الاثنية المنعزلة والعازلة وبسبب الرهاب الناتج عن وهم النقاء الطائفي أو العرقي المستشري في حياتنا. كاتب جزائري أزراج عمر :: مقالات أخرى لـ أزراج عمر درس من الشاعر إليوت, 2017/01/13 أي مستقبل ينتظر أحزاب المعارضة الجزائرية, 2017/01/12 المشروع الشعري المفقود , 2017/01/06 الجزائر: احتجاجات على غياب الدولة الوطنية العادلة, 2017/01/05 الشعر والتعليم , 2016/12/30 أرشيف الكاتب
مشاركة :