كانت ليلة مصرية من «ليالي زمان»، احتضنتها الكويت بدفء المشتاق إلى الأصالة. إنها الليلة التي جمعت عمالقة الطرب الأصيل في الشعر واللحن والغناء من كلثوميات سيدة الشرق إلى زمان وورد محمد عبدالوهاب، مروراً بجنون ضحكة فريد الأطرش وصولاً الى رائعة الشيخ سيد مكاوي «وحياتك يا حبيبي ريّح قلبي معاك». على مسرح عبدالحسين عبدالرضا، الذي ارتوى بعذب الألحان والطرب لمدة ساعتين من خلال فرقة «ليالي زمان المصرية» ضمن فعاليات الدورة 23 لمهرجان القرين الثقافي، عاش الجمهور ليلة من ليالي الطرب الأصيل عاد من خلالها إلى عقود مضت واسترجع معها الذكريات الجميلة من خلال أربعة فنانين وفرقة موسيقية جمعت أشهر الأكاديميين والعازفين، بينهم عمداء للمعهد العالي للموسيقى بالقاهرة. وقد تقدم حضور هذا الحفل الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب المهندس على اليوحة والسفير المصري في الكويت ياسر عاطف، فضلاً عن حضور وزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي وعدد كبير من أعضاء السلك الديبلوماسي. استهل الحفل المايسترو الدكتور عاطف إمام من خلال معزوفة «يا عز من عيني» على «صولو الكمان»، لينطلق بعدها على المسرح الفنان حسام حسني من خلال رائعة محمد عبدالوهاب «امتى الزمان»، والتي تميزت بألحانها على الوتريات والتخت الشرقي، وهي من كلمات الراحل أمين عزت الهجين. ثم حرك جنبات المسرح حين قدم أغنية «وحياتك يا حبيبي» للفنان سيد مكاوي، وقد ردد الجمهور بعض المقاطع معه وهي من كلمات الشاعر حسين السيد. ثم أطلت مريم رمضان بفستانها الأنيق، وكان غناؤها في تلك الليلة يشبه أناقتها، حيث صدحت بصوتها أروع أغاني أم كلثوم «ألف ليلة وليلة» و«الأطلال» لتعيد الدفء والرومانسية إلى المسرح من خلال أدائها وإتقانها وعذوبة صوتها. فبالرغم من امتلاء قاعة المسرح بالكامل، إلا أن صمت القاعة كان دليلاً واضحاً على صدق أداء هذه الفنانة الشابة. ثم قدم الوصلة الثالثة في هذا الحفل الفنان وليد حيدر، والذي أعادنا إلى الوراء حقبة زمنية كبيرة من خلال أغنية «يا ورد من يشتريك»، من كلمات الراحل بشارة الخوري وألحان محمد عبدالوهاب، ثم اختتم وصلته بأغنية «يا بو ضحكة جنان»، وهي من كلمات أبو السعود الإبياري وألحان فريد الأطرش وقد أجاد غناءها بشكل جميل واستوقفه الجمهور أكثر من مرة بالتصفيق. في الوصلة الختامية من الحفل، كان الأمر مختلفاً في كل شيء، إذ أطلت الفنانة الشابة رحاب مطاوع. وبمجرد أن بدأت الغناء «عن العشاق سألوني»، هز صوتها جدران المسرح وصاح الجمهور وصفق لها. إلا أن التزمها بكل ما هو موجود في اللحن من دون إضافات، جعلها تعيش ملكة على المسرح وتغني كما لو أنها في واحة خضراء وحدها. ثم قدمت بعد ذلك أغنية «ودارت الأيام»، من كلمات مأمون الشناوي وألحان محمد عبدالوهاب، واستطاعت من خلالها أن تمتلك المسرح بالكامل، وصالت وجالت بإتقان. وكان الختام مع أغنية «أمل حياتي»، من كلمات أحمد شفيق ولحن محمد عبدالوهاب أيضاً، وقد أظهرت براعتها وأجبرت رواد المسرح على تحيتها أكثر من مرة. بعد الانتهاء من الحفل، صعد إلى المسرح كل من المهندس على اليوحة والسفير ياسر عاطف ومدير إدارة التراث والموسيقى في المجلس الوطني سعود المسعود لتحية الفرقة والتقاط صورة تذكارية. وتوجه السفير المصري بكلمة شكر فيها الحضور والمجلس الوطني على اختياره لهذه الفرقة، وقال للصحافيين: «لقد أمتعتنا هذه الفرقة، وسعادتنا أكثر أن تأتي فرقة مصرية على هذا المستوى والأداء، لأن هذا يؤكد أن الأجيال تتواصل على أيدي أساتذة كبار»، مشيراً إلى أن هناك شباباً واعداً وصاعداً من بينهم حفيدة أم كلثوم سناء نبيل، «ونتمنى أن تكون سناء بشخصيتها وليس أم كلثوم، حيث إن الفلاسفة يقولون إن الأفضل لم يصل بعد». واعتبر عاطف أن أفضل وجه للعلاقات الكويتية المصرية هي الثقافة والتعليم، «لأنهما الركائز الإساسية، ولأن الحب الذي يجمع بين الشعبين تعود أسبابه إلى الأدب والغناء والتعليم وهذا ملموس»، مشدداً على أن الأديب طه حسين قد أشار إلى علاقة مصر بالكويت في مثل هذه المجالات، لأنها هي التي توصل أكثر من أي شيء آخر كونها تعبّر عن إبداعات الإنسان. من جهته، عبّر مدير إدارة التراث والموسيقى بالمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب سعود المسعود عن سعادته بما قدمته فرقة «ليالي زمان»، وقال: «إننا مستمرون في تقديم الكلثوميات والغناء الأصيل الذي يحرك المشاعر والوجدان من أجل أن يحصل المتلقي على قيمة فنية متميزة تضيف إلى التراث الفني من خلال أصوات جديدة»، مشيراً إلى أن هناك فنانين متميزين آخرين من مصر يغنون للمرة الأولى في الكويت.
مشاركة :