عرف فن التمثيل في مصر وجوهاً عدة للأمومة، غيرَ أن رحيل الفنانة القديرة كريمة مختار عن 82 سنة أفقده أبرز تلك الوجوه وأكثرها تنوّعاً، في السينما والتلفزيون والمسرح والإذاعة. لكريمة مختار التي اشتهرت أخيراً بلقب «ماما نونا»، استناداً إلى دور جسَّدته ببراعة في مسلسل «يتربى في عزو»، رصيد كبير من الأعمال التي أدَّت فيها شخصية الأم بأساليب مختلفة عما كانت تتّبعه رائدات مثل أمينة رزق وفردوس محمد وعزيزة حلمي. بدأت مشوارها في الإذاعة ببرنامج الأطفال «مع بابا شارو»، ثم اشتهرت وهي في ريعان الشباب بأداء دور الأم الذي نجحت في تجاوز نمطيّته في السينما والمسرح والتلفزيون، فكانت الحماة التي تدلل زوجتي ابنيها في فيلم «الحفيد» (1974)، والمخدوعة التي تتمسك بزوجها وترفض أن تتركه لأخرى في مسرحية «العيال كبرت» (1979)، والمترفة التي أفسدت ابنها بالإفراط في تدليله حتى بعد أن صار كهلاً في مسلسل «يتربى في عزو» (2007)، وأخيراً الأم الصابرة على عقوق ولدها في فيلم «ساعة ونصف» (2012). وُلدت مختار عام 1934 لعائلة تنحدر من محافظة أسيوط (جنوب مصر) عارضت عملها في الفن، على رغم حصولها على بكالوريوس المعهد العالي للفنون المسرحية، فاقتصر نشاطها في مرحلتها الفنية الأولى على الإذاعة، إلى أن تزوجت من المخرج والممثل الراحل نور الدمرداش الذي أنجبت منه أربعة أبناء، أحدهم هو المذيع معتز الدمرداش. دخلت الفنانة المصرية عالم التمثيل السينمائي للمرة الأولى في فيلم «ثمن الحرية» عام 1964، وهنا تخلت عن اسمها الحقيقي، عطيات محمد البدري، لتُعرَف باسم كريمة مختار، ودور «الأم» في غالبية أعمالها. وعلى رغم أعمالها المتنوعة والمتقنة بشهادات نقدية وجماهيرية، فإن الجوائز لم تعرف طريقها إلى الفنانة القديرة سوى بعد 43 سنة من بداية مشوارها التمثيلي، مع دورها الأبرز «ماما نونا» الذي نالت عنه جائزة أفضل ممثلة في عام 2007 من مهرجان القاهرة للإعلام العربي الثالث عشر. وفي العام التالي، نالت درعاً تكريمية من مهرجان أوسكار السينما المصرية. كذلك كرمتها وزارة الصحة المصرية ومنظمة اليونيسيف في العام ذاته. وفي عام 2010، كُرمت عن مجمل أعمالها في ختام المهرجان القومي للمسرح المصري. وفي الأشهر الأخيرة، ساء وضعها الصحي فخضعت لجراحة في المعدة. لعبت المصادفة دورها في مشوار كريمة مختار، إذ إن الممثلة إحسان القلعاوي كانت هي المرشحة لمشاركة عبدالمنعم مدبولي بطولة فيلم «الحفيد»، للمخرج عاطف سالم. أما مسرحية «العيال كبرت»، فأدت الفنانة نبيلة السيد فيها دور الأم لثلاث سنوات، قبل الاستعانة بكريمة مختار لتؤدي الدور نفسه ويتم تصوير العمل تلفزيونياً، ومن ثم يصبح من أهم أسباب نجوميتها، هي وحسن مصطفى وسعيد صالح ويونس شلبي وأحمد زكي. وعقب رحيلها، كتب الصحافي مجدي الجلاد على «فايسبوك»: «في بداية حياتي الصحافية، تشرفت بإجراء حوار مع المخرج الكبير الراحل نور الدمرداش، وحين سألته عن كريمة مختار الإنسانة والزوجة، أجاب بصوت مفعم بالحب: «كريمة كل الدنيا»، وأسهب كثيراً في وصف قلبها الحنون وطيبتها الفطرية. رحلت عن عالمنا ماما نونا، لكنها تركت فينا مشاعر صافية ومبادئ نقية ستظل خالدة ليس لأنها ممثلة عبقرية فحسب، وإنما لأنها كانت تؤمن بما تقدمه على الشاشة وخشبة المسرح».
مشاركة :