كشفت مصادر إيرانية مطلعة عن اعتقال ثلاثة من كبار مساعدي قائد مخابرات الحرس الثوري حسين طائب بتهمة الفساد الاقتصادي في سياق حرب التسريبات المشتعلة بين الدوائر. وقال مسؤول أمني رفيع في إيران رفض الكشف عن اسمه إن ثلاثة من كبار قادة مخابرات الحرس الثوري اعتقلوا بتهم «فساد اقتصادي ضخم» و«التهريب» و«ابتزاز الأثرياء والتجار» و«غسل الأموال». وتعد مخابرات الحرس الثوري من بين الجهات الأمنية المكلفة بمتابعة فساد كبار المسؤولين في قضية الرواتب الفلكية التي طالت عددا كبيرا من المسؤولين الحكوميين الصيف الماضي. في هذا الصدد، نقل موقع «آمدنيوز» الإصلاحي أمس عن مسؤول أمني كبير قوله إن ثلاثة من كبار مساعدي قائد مخابرات الحرس الثوري حسين طائب، وهم «محراب وعظيم وإفشاري» اعتقلوا في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي على خلفية تهريب أجهزة ومعدات إلى إيران. وأوضح الموقع أن السلطات تواصل اعتقال اثنين من كبار مساعدي طائب وهما «عظيم» و«إفشاري»، وأفرجت عن قيادي ثالث يعرف باسم «محراب» مقابل وثيقة مادية. ولم يشر الموقع إلى الرتب العسكرية لقادة مخابرات الحرس الثوري، كما أن التسريب لم يتضمن إلا ألقاب القادة التي عادة تكون ألقابا حركية. جاء التسريب بعد يوم من إعلان حساب موقع «آمدنيوز» على شبكة تيلغرام والذي يتابعه أكثر من 132 ألف إيراني، وقالت إدارة الموقع في خبر عاجل إنها قررت إطلاق عدد جديد من المعلومات والوثائق عن فساد قادة مخابرات الحرس الثوري. وحظيت تسريبات الموقع باهتمام كبير بين الإيرانيين بعدما أثبتت صحة التسريبات على خلفية تفجر الخلاف بين الحكومة والجهاز القضائي حول شبهات طاردت رئيس القضاء تتهمه بامتلاك 63 حسابا بنكيا يستولي فيها على أموال ثالث أكبر سلطة بعد الحكومة والبرلمان. تجدر الإشارة هنا إلى أن دور الموقع المعروف بانتمائه للتيار الإصلاحي برز في ذروة الضغوط على حكومة روحاني بسبب فضيحة «الرواتب الفلكية»، ويميل كثيرون في إيران إلى اعتبار نشر وثائق على مواقع مؤيدة لروحاني جزءا من الحرب الخفية المشتعلة حول الفساد بين الحكومة وخصوم الحكومة في القضاء والحرس الثوري. تلك التسريبات منحت مؤيدي روحاني هامشا واسعا لتخفيف الضغط عن الحكومة تحت سقف البرلمان الإيراني مما فتح الباب أمام المطالبة بفتح تحقيق برلماني حول ما تردد عن الوضع المالي في الجهاز القضائي. قبل أيام قليلة من وفاة رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام كانت إيران قد دخلت في أزمة غير مسبوقة بين القضاء والحكومة، وتبادل الطرفان الاتهامات المباشرة وغير المباشرة باستغلال المناصب والفساد واستخدام الموارد المالية لأغراض شخصية. وكان روحاني خلال مقابلة تلفزيونية قبل نحو أسبوعين طالب بمعرفة مصير ملياري دولار من أصل ثلاثة مليارات دولار سيطر عليها القضاء بعد اعتقال التاجر بابك زنجاني. ولم يتأخر رد القضاء، إذ طالب رئيسه بمعرفة مصير الأموال التي تنفيها مؤسسة الرئاسة الإيرانية، وعلى ما يبدو فإن التوتر وتبادل التهم بين المسؤولين حول الفساد أصبح ميدانا للتنافس في الانتخابات الرئاسية المقررة مايو (أيار) المقبل. وكان روحاني هدد بالتصدي للتحديات التي تواجه حكومته في حرب التسريبات. مع ذلك فإن دوائر المرشد الإيراني دعت إلى التهدئة، خامنئي في أول تعليق له على الأزمة الأسبوع الماضي قال إنه «لا يخشى من التلاسن في البلاد لأنه سينتهي قريبا». في غضون ذلك، ذكر موقع «آمدنيوز» أن التصدي لنشاط مخابرات الحرس الثوري في الاقتصاد مهمة نائب رئيس مخابرات الحرس الثوري الجديد محمد حسين زيبايي نجاد الذي يعرف باسم اللواء حسين نجات. في نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي أفادت وسائل إعلام إيرانية بأن القائد العام للحرس الثوري محمد علي جعفري عين القائد السابق لفريق حماية خامنئي حسين نجات في منصب نائب قائد مخابرات الحرس الثوري، وبدا تعيين نجات في سياق التغييرات الواسعة التي تشهدها قيادات الأجهزة العسكرية في إيران منذ الصيف الماضي. لكن «آمدنيوز» نقلا عن المسؤول الرفيع أفاد بأن التغييرات في مخابرات الحرس الثوري جاءت نتيجة النمو المتزايد لنشاط قادة مخابرات الحرس الثوري في الاقتصاد الإيراني. والذي تسبب بفوضى قانونية وابتزاز وفقدان الأمن الاقتصادي وفساد المسؤولين. وكان الحرس الثوري قد نفى بشدة تورطه بدفع رواتب خارج إطار القانون، لكن بنفس الوقت رفض الحرس الثوري نشر وثائق تظهر الرواتب التي يتلقاه كبار قادته، وربط مساعد قائد الحرس الثوري حسين سلامي ذلك بأمن قادة الحرس الثوري. في السابع من يناير (كانون الثاني) الحالي اتهم مستشار قائد الحرس الثوري حميدرضا مقدم فر أبناء كبار المسؤولين بالوقوف وراء حسابات مجهولة على شبكة تيلغرام نشطت مؤخرا في تسريب وثائق سرية من النظام، وفق ما نقلت عنه وكالة «ميزان» الناطقة باسم القضاء. وقال إنه «لا يوجد شك أن حسابات تيلغرام مرتبطة بأجهزة المخابرات الدولية»، وأن تلك القنوات «تتلقى دعما ماليا كبيرا من جهات أجنبية»، وهاجم القيادي في الحرس الثوري من وصفهم بـ«المندسين» في داخل دوائر السلطة، مضيفا أنها تتعاون مع أبناء بعض المسؤولين الذين يقيمون في بريطانيا وأميركا وتركيا. وكانت حكاية التسريبات بدأت منذ يوليو (تموز) الماضي عندما سربت حسابات منسوبة لخصوم روحاني وثائق عن رواتب فلكية يتلقاها عدد من المسؤولين في حكومة روحاني، وواجهت حكومة روحاني ضغوطا كبيرة أدت إلى سقوط عدد من رؤساء البنوك والمؤسسات المالية. عقب تسريب الوثائق الحكومية عن رواتب المسؤولين نشر موقع «معماري نيوز» في أغسطس (آب) تفاصيل تورط عمدة طهران اللواء قاليباف في بيع عقارات تعود لبلدية طهران إلى قادة في الحرس الثوري وأعضاء في البرلمان، ومنذ ذلك الحين تحتجز مخابرات الحرس الثوري مدير الموقع يأشار سلطاني بتهمة نشر وثائق سرية والدعاية ضد النظام. بعد ذلك، سربت جهات مجهولة معلومات عن اختلاس كبير في صندوق تأمين المعلمين، وكانت المعلومات تستهدف حلقة رئيس القضاء السابق وأبرز المرشحين لخلافة خامنئي محمود هاشمي شاهرودي. بدخول مخابرات الحرس الثوري عقب إعلان حسين طائب اعتقال رؤساء بنك ملت علي رستغار سرخه، أي بأوامر قضائية أخذت مواجهة الحرب على الفساد الاقتصادي أبعادا جديدة في إيران، وكان طائب قد قال إن الاعتقال لم يكن بسبب تورط المسؤول في ملف الرواتب الفلكية مشددا على أنه متورط في ملف فساد كبير، وكان اسم سرخه أي المنحدر من مسقط رأس حسن روحاني في سمنان ارتبط بشقيق روحاني حسين فريدون الذي كان هدفا أساسيا في الضغوط التي تعرض لها روحاني من خصومه. منذ ذلك الحين أرسل تدخل مخابرات الحرس الثوري إلى ملف الفساد الاقتصادي وتعاونه مع القضاء إشارات عن أزمة ثقة بين القضاء ووزارة المخابرات، ومن حينها تبّين أن متابعة المسؤولين المتورطين بالفساد وملفات الفساد أصبحت من خيارات مخابرات الحرس الثوري. من جانب آخر، راهن خصوم روحاني في السلطة على مخابرات الحرس الثوري لممارسة الضغط على حكومة روحاني، وكان ملف المسؤولين من أصحاب الجنسيات الأجنبية من ضمن جملة ملفات بيد مخابرات الحرس الثوري، وفق ما كشف في أغسطس الماضي المتحدث باسم لجنة السياسة الخارجية والأمن القومي في البرلمان الإيراني حسين نقوي حسيني. تعد مخابرات الحرس الثوري من الأجهزة الموازية للأجهزة الحكومية في إيران وتفوق مخابرات الحرس الثوري صلاحيات وزارة المخابرات الإيرانية، كما أنها تعد جهة تابعة للمرشد الإيراني علي خامنئي، ومن ضمن أبرز مهام مخابرات الحرس الثوري الإشراف على الجهاز الدبلوماسي وكبار المسؤولين في الحكومة والنشاط الأمني غير المحدود، وبحسب المصادر الإيرانية فإن المرشد هو الجهة الوحيدة التي بإمكانها مساءلة قادة مخابرات الحرس الثوري.
مشاركة :