على عكس «الجلسة العاصِفة» في 23 ديسمبر الماضي والتي وجّه خلالها الشتائم والتهديدات الى المحقق العدلي في قضية إخفاء الإمام موسى الصدر ورفيقيْه (خلال زيارة لطرابلس العام 1978) القاضي زاهر حمادة، اختار هنيبعل القذافي، نجل الرئيس الليبي الراحل معمّر القذافي ان يقدّم صورة مغايرة بدا خلالها متعاوناً لدرجة كشْفه معلومات لم يسبق ان جرى تداوُلها وتَراجع معها عما كان اشترطه في جلسة استجوابٍ سابقة تحت عنوان «لن أفصح عن أسماء الأشخاص المتورّطين في عمليّة خطف الصّدر إلا إذا أخليتم سبيلي». وجرى التعاطي في بيروت باهتمام كبير امام ما أدلى به القذافي الملاحَق بتهمة كتم معلومات والتدخّل اللاحق بجريمة خطف الإمام الصدر ورفيقيه التي يحمّل لبنان نظام والده المسؤولية عنها، وهو سبق ان أوقف من القضاء اللبناني قبل نحو عام بعدما كان خُطف الى بيروت على يد النائب السابق حسن يعقوب (أطلق سراحه قبل نحو ستة أشهر) وآخرين، وذلك من خلال استدراجه من سورية حيث كان يقيم في مناطق سيطرة نظام الرئيس بشار الاسد بعدما حصل على الحقّ باللجوء السياسي. وأمام المحقق العدلي أكد هنيبعل أنّ والده بريء من خطف الإمام الصدر، متّهماً عبد السلام جلّود (لا يزال حياً) الرجل الثاني في نظام معمّر القذافي، بتوريط ليبيا في الجريمة، معتبراً أن والده يتحمّل مسؤولية مدنية تتعلق بالتعويضات لعائلات الضحايا، لكون العقل المدبّر لعملية الخطف مسؤولاً رسمياً في نظامه. كما أكد ان من يملك الرواية الكاملة لقضية الصدر من ألِفها إلى يائِها هم ثلاثة: شقيقه المسجون في ليبيا سيف الإسلام القذافي، وعبد السلام جلود، فيما الثالث هو شقيقه المعتصم الذي قُتل خلال الأحداث في ليبيا. وفي تفاصيل ما أدلى به القذافي في جلسة الاستجواب كما نقلتها صحيفة «الأخبار» عن مصادر مطلعة على التحقيق، ان هنيبعل تحدّث عن «دور أركان في النظام في الضلوع في خطف الصدر»، لكنّه ركّز على رجلين متورطيْن بشكل رئيسي هما: عبد السلام جلّود، رئيس الوزراء والرجل الثاني في ليبيا بعد معمّر القذافي، ووزير خارجية ليبيا الأسبق موسى كوسا (لا يزال حياً). وأكّد القذّافي أن عبد السلام جلود نقل الصدر إلى منطقة جنزور في ليبيا لوضعه في الإقامة الجبرية، لكنه لفت إلى أنّه لم يعد يعرف ماذا جرى بعد ذلك. غير أنّ القاضي حمادة ذكّره بأنّه في إفادته السابقة أخبره بأنّه «نُقل من جنزور إلى السجن السياسي ثم تمّت تصفيته بعدها»، فأجاب بأنّه استنتج ذلك ولم يكن لديه معلومات. واتهم القذافي عبد السلام جلود بأنه ورّط ليبيا في عدة قضايا، من توتر علاقات ليبيا مع مصر أيام الرئيس أنور السادات، مروراً بالحرب مع التشاد، وصولاً إلى اختطاف الصدر. وحين سأله القاضي: هل يمكن أن يأخذ جلّود قراراً بإخفاء الإمام من دون معرفة والدك؟، ردّ بأنّ كل شيء ممكن. واذ أشار الى أنّه بدأ بمتابعة قضية الإمام الصدر ورفيقيه منذ العام 1996 كشف أنّه علِم أنّ عسكرياً ليبياً لا يعلم اسمه وموسى كوسا وشخصاً ثالثاً انتحلوا هوية الإمام الصدر ورفيقيه، وسافروا إلى إيطاليا. وبشأن ما نقلته وكيلته السابقة بشرى الخليل عن أنّ «الجميع يعلم أنه تمت تصفية الإمام الصدر ورفيقيه بعد ثلاثة أيام من خطفهم، وأنه جرى إيصال هذه المعلومة إلى السيد محمد باقر الصدر الذي أبلغ بدوره الشيخ محمد مهدي شمس الدين»، ردّ القذافي بأنّه لم يقل شيئاً من هذا القبيل. ورغم تأكيده أنّ شقيقه سيف الإسلام كان مكلّفاً من والده معمّر بتصفية القضية ودفع تعويضات لإنهاء القضية، سأله القاضي هل يعقل أنّه لم يخبرك بما حلّ بالإمام الصدر؟ فردّ القذافي: «أخي يكبرني بسبع سنوات. هو بمثابة والدي، وأقبّل يده عندما أُصافحه. سألته مرّة فأجابني بأنّه لا دخل لك بهذه القضية». كذلك نفى أنّ يكون شقيقه المعتصم أو قريب والده أحمد قذّاف الدم، الذي تواصل مع لبنانيين لحل قضية الصدر، قد أخبراه شيئاً عن القضية. وكرر هنيبعل عرضه للمحقق العدلي: «أنا مستعد للتعاون لحل القضية». وعندما سأله الأخير عن الكيفية قال: «فور إخلاء سبيلي أنا قادر على التواصل مع شخصيات أساسية كانت في الحكم في ليبيا للوصول إلى خواتيم القضية».
مشاركة :