منفذ عملية القدس لا ينتمي إلى «داعش» بل هو من فئة «لم يعد لديّ ما أخسره»

  • 1/15/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

لم يتردد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، للحظة واحدة، بتحويل عملية الدهس في القدس التي نفذها فادي القنبر، ابن حي جبل المكبر، وأدت إلى مقتل أربعة جنود وإصابة ما لا يقل عن سبعة عشر آخرين، إلى حدث يضع إسرائيل على سوية مع نيس الفرنسية وبرلين الألمانية. فمجرد أن كانت أداة تنفيذ العملية سيارة شحن كبيرة، اخترع نتانياهو قضية انتماء هذا الشاب إلى تنظيم «داعش»، الذي كان قد تحمل المسؤولية في المدينتين الأوروبيتين. وهو الأمر الذي نفاه ذووه قطعياً. وحتى «داعش» الذي طالما تبنى عمليات قام بها أفراد لا ينتمون إليه، امتنع هذه المرة عن تبني عملية القدس. من دون تردد أو انتظار لساعات لمعرفة تفاصيل العملية، راح نتانياهو يتحدث عن انتشار «داعش» في إسرائيل واستهدافه أمنها وأمن جنودها وسكانها. وانجرفت خلفه مواقع إخبارية إسرائيلية، وقبل أن تحصل على الصورة الحقيقية لمنفذ العملية القنبر نشرت صوراً لشخصية شبيهة جداً بشخصيات «داعش» ذات لحية طويلة ولباس شبيه بلباس هذا التنظيم، حتى تحول النقاش حول العملية إلى وجود «داعش» تنظيمياً في إسرائيل. نتانياهو الذي كان قد أنهى لتوه، جلسة حكومته، متجاهلاً الانتقادات الحادة التي تعرض لها بسبب التهم الموجهة ضده في ملف الرشوة وازدياد الخطر عليه بعد كشف «ملف 2000»، وجد في العملية منبراً جديداً لخطابه الحربي وفرصة لا تفوت لتحييد النقاش ولو لساعات أو أيام قليلة عن قضيته. فأسرع مع رفيقه وزير الدفاع، أفيغدور ليبرمان، إلى حي قصر المندوب السامي، حيث وقعت العملية، وراح من هناك يهدد ويعلن أن الإرهاب «الداعشي» الذي استهدف تركيا وبرلين ونيس الفرنسية ومختلف البلدات الأوروبية، يجد في إسرائيل أيضاً هدفاً له. وفي اجتماع المجلس الوزاري المصغر، الذي عقده بعد ساعات من العملية تقرر فرض الاعتقال الإداري على كل من يتماثل مع التنظيم وتكثيف النشاط الاستخباري لملاحقة من يشتبه بصلته به وضبطه. حتى تلك الساعة، كانت عائلة القنبر لم تستوعب بعد أن ابنها هو منفذ العملية. ولكن، سرعان ما انتشرت التفاصيل عن سيارة الشحن، التي تشكل مصدر رزقه الدلالة الوحيدة لعائلته، فتحولت إلى واحدة من أكثر ضحايا عائلات منفذي العمليات الفلسطينيين عناء، لكونها في القدس وتحمل هوية المواطنة وتحصل على حقوق اجتماعية من إسرائيل. وأصدر نتانياهو تعليماته، بداية، انطلاقاً من أنها عائلة ناشط في «داعش» ليعلن في ما بعد أن منفذ العملية لم يكن منتمياً إلى أي تنظيم وأن صورته مختلفة كلياً عن تلك الصور التي تداولتها بعض المواقع الإخبارية الإسرائيلية. واختلط الحديث عن «داعش» بين «داعش» في إسرائيل و «داعش» في الضفة. السلطة الفلسطينية أعلنت أن لا وجود للتنظيم في الضفة، علماً أنها اعتقلت عشرين شخصاً يتماثلون مع مواقف ومبادئ التنظيم في الشبكات الاجتماعية. أما في إسرائيل فقد أدى تصريح نتانياهو إلى إعادة النقاش حول نشاط «داعش» في إسرائيل إلى أجندة المسؤولين، وهذه المرة ليس «داعش» المنتشر على الحدود السورية من جهة الجولان المحتل، إنما أيضاً بين بلدات فلسطينيي 48، داخل الخط الأخضر، وفي الضفة والقدس. بل إن الشرطة اعتقلت، بعد إثارة نتانياهو مسألة علاقة القنبر بتنظيم «داعش»، خمسة من أبناء عائلته، وسلمتهم إلى الشاباك.   50 شخصاً من 1.5 مليون ردت الشرطة ومسؤولون في الأجهزة الأمنية على تصريحات نتانياهو بالقول أن لا نشاط منظماً لـ «داعش» في إسرائيل. وأن المعطيات تشير إلى اعتقال حوالى خمسين شخصاً من فلسطينيي 48 بتهم السفر إلى سورية من طريق تركيا للانضمام إلى «داعش»، إلا أن غالبيتهم أرادت القتال في سورية ضد النظام وقلة منهم فكرت بالعمل ضد إسرائيل. والقسم الأكبر منهم ندم وعاد إلى أهله مفضلاً السجن الإسرائيلي على البقاء تحت كنف «داعش». آخر لائحة اتهام قدمت في محكمة الناصرة، الشهر الماضي، كانت ضد الشاب رأفت أسعد (31 عاماً). في الكثير من البنود هناك تشابه مع لوائح اتهام قدمت بحق شبان آخرين من فلسطينيي 48، ومما جاء فيها أن مواقف المتهم بدأت تصبح أكثر تطرفاً، وقد بدأ يدعم تنظيم «داعش» وحمل في هاتفه وحاسوبه صوراً وأفلاماً داعمة للتنظيم، وظهر في فيلم صوره وهو يدعو المسلمين إلى أن يستفيقوا ويحاربوا لأجل «كرامتهم». ووفق ما اعترف المتهم، فإنه كان يخطط للسفر إلى سورية والانضمام إلى أصدقائه هناك، وقد تواصل مع صديقه محمد ياسين الموجود في سورية منذ فترة وخططا معاً لأن يلتحق به. ومحمد ياسين موجود في مناطق مجاورة للحدود بالجولان وقد تواصل معه عبر «فايسبوك» وشرح له وضعية الحدود والسياج الحدودي وارتفاعه، حيث قال أنه على استعداد لأن يمر إلى سورية عبر الحدود كونه مداناً بمبلغ 40 ألف شيقل (أكثر من عشرة آلاف دولار) لدائرة الإجراء، ما يعني منعه من السفر، بالتالي عدم قدرته على الوصول إلى تركيا ثم إلى سورية. في لائحة أخرى اتُهم ثلاثة آخرون من فلسطينيي 48 بالتخطيط لحفر نفق تحت الجدار الأمني الذي يربط بين إسرائيل والضفة للتسلل إلى هناك وتهريب وسائل قتالية. ووفق لائحة الاتهام، فإن الثلاثة بايعوا زعيم «داعش»، أبو بكر البغدادي. ووجهت إلى الثلاثة تهمة التخطيط لتهريب أسلحة من إسرائيل إلى الضفة، وتهريب منفذي عمليات فلسطينيين من المؤيدين لـ «داعش» لتنفيذ عمليات ضد أهداف إسرائيلية. لوائح الاتهام هذه لا تعني أن عمل «داعش» بات منظماً في إسرائيل، كما زعم نتانياهو فور وقوع عملية القدس، إلا أن هؤلاء الشبان، وبينهم أيضاً نساء، يتواصلون مباشرة مع ناشطين من التنظيم عبر شبكات التواصل الاجتماعي أو أنهم يقتنعون بضرورة الوصول إلى سورية، عبر تركيا، للقتال إلى جانب التنظيم. وكان آخر من وصل إلى سورية عائلة مكونة من ثلاثة أطفال ووالديهم، لكن تدهور وضع الأطفال من الناحية النفسية والخطر اليومي على حياتهم اضطرهم إلى العودة إلى إسرائيل وتسليم أنفسهم. عملياً، من مجموع 1.5 مليون فلسطيني في إسرائيل، لا يوجد سوى 50 شخصاً أيدوا «داعش».   لا حاجة إلى «داعش» القضية التي يتجاهلها نتانياهو ورفاقه، هي معاناة الناس من سياسة الاحتلال في الضفة الغربية عموماً وفي القدس الشرقية المحتلة في شكل خاص. جميع عائلات منفذي العمليات ضحايا لهذه السياسة، ولكن في ملف عملية القدس، فإن تشديد السياسة وقبضة الاحتلال على عائلة منفذ العملية تجاوز كل مفهوم لمواثيق حقوق الإنسان والقوانين الدولية. فلم تقتصر العقوبة على تشريد العائلة باتخاذ قرار هدم بيتها إنما إلغاء طلب لم شمل أبناء العائلة مع بعضهم في الضفة وغزة وسحب هوياتهم وسلسلة طويلة من العقوبات تحت عنوان «الردع». لكن السؤال هو هل كانت هذه الخطوات رادعة حقاً أم إن سياسة الاحتلال اليومية بحق كل فلسطيني من طفل وطالب وعامل ومسن تحول المناطق الفلسطينية من حواجزها وإجراءاتها التعسفية إلى معمل للعمليات الانتحارية؟ وإذا كان هدم بيوت منفذي العمليات هو وسيلة للردع، فإن الفلسطيني يجد فيه سياسة ممنهجة للاحتلال الإسرائيلي الذي لا يحتاج إلى ذريعة حتى يهدم بيوت الفلسطينيين، لا عملية ضد إسرائيل ولا الانتساب إلى تنظيم «داعش». وفق المعطيات الإسرائيلية في جبل المكبر وحده، حيث تسكن عائلة القنبر، هدمت إسرائيل خلال نصف سنة (بين تموز - يوليو 2015 وكانون الثاني - يناير 2016) ثلاثة بيوت، وأغلقت بيتين آخرين، تعود كلها إلى عائلات قام أبناؤها بتنفيذ عمليات. ويستدل من معلومات نشرها مركز الدفاع عن الفرد، أنه بين تموز 2014 وحتى نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2016، هدمت إسرائيل 35 منزلا فلسطينياً وأغلقت سبعة بيوت أخرى، من بينها ستة بيوت مهدومة وأربعة بيوت مغلقة في القدس الشرقية. وليس لجميعها علاقة بتنفيذ عمليات. فالجنود يصلون بقوات معززة لهدم بيوت أو للبحث عن مطلوب وأولئك الذي ينكلون بالفلسطينيين عند الحواجز ويمنعون مرضى من الدخول، إضافة إلى إطلاق النار على أطفال وشبان وشابات، بذريعة أنهم لم يمتثلوا لأوامر الجنود بالتوقف، ناهيك عن عمليات هدم آبار المياه، والمراحيض المتنقلة، والأكواخ والخيام. كل هذه الممارسات الإسرائيلية تزيد تضييق الخناق على الفلسطينيين، وتدفع اليائسين منهم إلى التفكير في مغامرة الانتقام بعدما يصلون إلى اقتناع مفاده «لم يعد لدي ما أخسره». فهم لا يحتاجون إلى الانضمام إلى «داعش» لإقناعهم بتنفيذ عمليات، ولا ينتظرون من إسرائيل أن تمنحهم أقل ما يمكن من حقوق تجعلهم يشعرون بوجودهم كبشر. وأمام وضع كهذا، لا يمكن أي وسيلة ردع أن تمنع العمليات، وأن تجعل الفلسطيني يطفئ نور بيته في المساء، وقبل أن يخلد إلى النوم، يشكر إسرائيل على ما منحته من نعمة في هذه الحياة.

مشاركة :