مع تقدم القوات العراقية صوب الحي الذي يقطنه «أبو رامي» في الجانب الأيسر من الموصل في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، اقتحم عدد من متشددي تنظيم داعش منزله، وصوبوا سلاحا إلى رأسه، وأمروه بالخروج هو وأسرته فورا. كان مع المتشددين - وأحدهم عراقي يعرف «أبو رامي» اسمه - مقاتل ملتح يمسك بندقية قناصة، ويعتقد «أبو رامي» أنه روسي أو شيشاني. وحسب تقرير لوكالة «رويترز»، فإنه عندما عاد «أبو رامي» بعد 11 يوما، كان القتال قد انتهى وفر المتشددون، لكن ضربة جوية دمرت منزله بطابقيه. وتفرق أفراد أسرته بين الأقارب والأصدقاء في المدينة. وأمام أنقاض منزله حيث تجمع عدد من الرجال حول بئر للحصول على المياه، بعدما لحقت أضرار بالأنابيب، قال «أبو رامي»: «يحدث الدمار في لحظات، لكن إعادة البناء تستغرق وقتا طويلا». وعملية الموصل أكثر المعارك تعقيدا في العراق، منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في 2003، وتشارك فيها قوة قوامها مائة ألف من أفراد القوات الحكومية العراقية، والشرطة العسكرية، وقوات البيشمركة الكردية، ومقاتلي الحشد الشعبي. ومع بسط الحكومة سيطرتها على جميع أنحاء شرق الموصل تقريبا بعد مرور ثلاثة أشهر من بدء العملية المدعومة من الولايات المتحدة، بقي معظم السكان في المدينة مما يعقد مهمة الجيش، الذي وجد أن عليه أن يحارب وسط المدنيين في مناطق مكتظة بالمباني، أمام عدو يستهدف غير المقاتلين ويختبئ بينهم. وتحدث سكان لوكالة «رويترز» خلال زيارة إلى حي المحاربين، أول من أمس، عما شاهدوه في المعركة، وسردوا مشاهد تكررت بشكل أو بآخر على الأرجح في أنحاء متفرقة من المدينة. قال «أبو رامي» إن المتشددين علقوا ستائر على الطرق في محاولة لحجب رؤية رماة الجيش العراقي، أثناء خروج مقاتلي التنظيم من المنازل مسرعين للصلاة، في مسجد تمركز أحد قناصتهم في مئذنته. وترك المتشددون سيارة ملغومة متوقفة أمام منزل «أبو رامي» لأكثر من أسبوع. وعندما نقلوها إلى طريق رئيسي قصفتها دبابة تابعة للجيش، ما أدى إلى تدمير مبنى مجاور. ووصف «أبو رامي» - وهو موظف حكومي سابق يبلغ من العمر 54 عاما - كيف يقسم «داعش» العمل بين مسلحيه في الخطوط الأمامية، حيث تزرع مجموعة متفجرات، ومجموعة تضم قناصة، ومجموعة تتولى مهمة الإرشاد على الطرق. وقال إن القناصة عادة من الروس أو الشيشان أو الأفغان. أما العراقيون - وكثير منهم من الموصل ومدينة تلعفر القريبة - فيجوبون بينهم على دراجات نارية، ويبلغونهم بالأماكن التي يمكن أن يتمركزوا فيها. وقال «أبو رامي» إنه اندهش عندما وجد القناص الذي اقتحم منزله يتحدث إليه بلغة عربية ضعيفة، مطالبا إياه بالخروج من المنزل. وأضاف أن القناصة لا يعرفون المنطقة، ومن ثم فإن المرشدين على الدراجات النارية يوجهون الانتحاريين في السيارات المفخخة إلى الهدف المطلوب. وحسب اللفتنانت جنرال الأميركي ستيف تاونسند، قائد التحالف الدولي الذي يساند القوات العراقية، فإن القيادة العراقية في تنظيم داعش أثبتت فاعلية دون الالتزام بتسلسل قيادي. لكنه قال إن خلايا منفصلة تقاتل في أحياء مختلفة تبدو عاجزة بشكل متزايد عن التنسيق، في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم داخل المدينة. وأوضح مسؤول آخر في الجيش الأميركي، أن المقاتلين الذين ترصد قوات التحالف تحركهم بمهارة عبر المناطق الحضرية في الموصل، يكونون عادة أجانب. وأفاد ساكن آخر في حي المحاربين، طلب عدم نشر اسمه، بأن مقاتلي «داعش» يفتحون النار من موقع ما لدقائق، إلى أن يحدد الجيش الموقع. وغالبا ما يفر المتشددون إلى منزل آخر عبر فتحات شقوها من قبل في الجدران الخارجية. وأضاف: «بعد ذلك يكون هناك قصف لتدمير المنزل وتدمير موقع القناص... ولكن القناص يظهر من جديد هنا أو هناك».
مشاركة :