القضاء المصري يصدر حكماً نهائياً حول «بطلان» اتفاقية تيران وصنافير

  • 1/17/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أصدرت المحكمة الإدارية العليا في مصر أمس حكماً نهائياً بـ «بطلان» اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها مصر مع المملكة العربية السعودية وتتضمن نقل تبعية جزيرتي تيران وصنافير إلى المملكة، لكنها لم تحسم الجدل القانوني المثار حول الاتفاق منذ توقيعه في نيسان (أبريل) الماضي، إذ يترقب أن تبدأ المحكمة الدستورية العليا في 12 الشهر المقبل النظر في طعون قدمتها الحكومة بعدم اختصاص المحكمة الإدارية في الفصل في الاتفاقية، كما أثار انقساماً داخل البرلمان حول «اختصاصه في إقرار الاتفاقات الدولية». وعقدت المحكمة الإدارية العليا جلسة أمس، وسط إجراءات أمنية مكثفة، وفي حضور عشرات النشطاء المعارضين للاتفاق، قبل أن يتلو رئيس المحكمة القاضي أحمد الشاذلي، الذي رفض طعون الحكومة على حكم أول درجة ببطلان توقيع ممثل الحكومة المصرية على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية المشتركة مع السعودية، ليثبت الحكم، الذي جاء بإجماع آراء أعضاء المحكمة، في شكل نهائي وبات بطلان الاتفاق، ولا يجوز الطعن عليها. وقال رئيس المحكمة في كلمة استهل بها النطق بالحكم إن «شعب مصر أصدر دستوراً جديداً استتبعه بنظام قانوني جديد، وأن هذا النظام لازمه فكر قانوني جديد مع تمسكه بثوابت التفكير القانوني، ومنها إعادة تنظيم سلطات الدولة وترسيخ مبدأ سيادة الشعب وسيادة القانون». وأكد أن «المحكمة قد وقر واستقر في عقيدتها أن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير مقطوع بها، وأن دخول الجزيرتين ضمن الأراضي المصرية أثر للسيادة المستقرة، وأن الحكومة لم تقدم ثمة وثيقة أو شيء آخر يغير أو ينال من تلك السيادة المستقرة» مشيراً إلى أن المحكمة أعدت حكمها في 59 صفحة. وأشار إلى أن «المحكمة رفضت طلب ممثل الحكومة بوقف تنفيذ الحكم لوجود منازعتين في التنفيذ أمام المحكمة الدستورية العليا» موضحاً أن «المحكمة - وفق تقديرها - لم تجد في حكم القضاء ما يقيم منازعة التنفيذ»، وأضاف أن المحكمة أجابت عن كل الأسئلة والدفوع التي أُبديت خلال جلسات الطعن، كما أنها ردت على ما أثير في شأن احتلال مصر جزيرتي تيران وصنافير. وكانت المحكمة عزت أسباب حكمها إلى إنه قد «وقر في يقينها واستقر في عقيدتها أن سيادة مصر على جزيرتي تيران وصنافير، مقطوع به بأدلة دامغة استقتها المحكمة من مصادر عدة وممارسات داخلية ودولية شتى قطعت الشك باليقين بأنهما خاضعتان لسيادتها – وحدها من دون غيرها – على مدار حقب من التاريخ طالت». وأوضحت المحكمة في حيثيات الحكم أن دخول الجزيرتين ضمن الإقليم المصري «يسمو لليقين من وجهين: أولهما أن سيادة مصر عليهما مقطوع بها، وثانيهما ما وقع تحت بصر المحكمة من مستندات وبراهين وأدلة وخرائط تنطق بإفصاح جهر بوقوعهما ضمن الإقليم المصري». وشددت على أنه «يحظر على كل سلطات الدولة، وبل والشعب ذاته بأمر الدستور، إبرام ثمة معاهدة أو اتخاذ إجراء يؤدي إلى التنازل عن الجزيرتين»، مشيرة إلى أن الحكم المطعون فيه (حكم أول درجة) «صدر مرتكزاً على صحيح حكم القانون والواقع». وعرضت المحكمة مجموعة من الوثائق والمكاتبات الرسمية والقرارات الرسمية واللوائح التنفيذية واجتماعات لمجلس الأمن، والتي تؤكد السيادة المصرية على جزيرتي تيران وصنافير. وأكدت أن مصر «تمتعت عبر تاريخها وعلى اختلاف أنظمتها بأهلية قانونية دولية كاملة تجاه جزيرتي تيران وصنافير أي بالسيادة القانونية الكاملة عليهما كشخص من أشخاص القانون الدولي، ولم يعترضها يوماً ما مانع يمنع من مباشرتها وسيادتها في هذا الشأن». وأكدت المحكمة أن مظاهر سيادة مصر على الجزيرتين «أخذت صوراً متباينة ومظاهر متعددة، وكانت تلك السيادة ثابتة ومستقرة ومستمرة منذ القدم كشف عنها العصر الحديث اعتباراً من 1906 حتى الآن ولم يثبت في أية مرحلة من مراحل التاريخ، والقاعدة المستقرة في ظل القضاء الدولي كمبدأ من المبادئ العامة في القانون، هو مبدأ عدم جواز الادعاء بما يخالف سلوكاً سابقاً». وأضافت أن أوراق الطعن خلت من ثمة وثيقة أو معاهدة تشير إلى أن دولة أخرى غير مصر، «مارست سيادتها المشروعة على جزيرتي تيران وصنافير في أي وقت من الأوقات، بحسبانهما ضمن الإقليم المصري المحظور التنازل عن أي جزء منه». وردت المحكمة على ما ورد بدفاع الطاعنين من أن سلطة مصر على الجزيرتين كانت سلطة إدارية تختلف عن فكرة سيادة الدولة، وأن مصر كانت تمارس السيادة على الجزيرتين كوكيل عن دولة أخرى (السعودية)، مشيرة إلى أن هذا الأمر يفترض لصحته «اتفاقاً موثقاً بين الدولتين، وأن هذا التنازل المزعوم وفقاً للمستقر من أحكام القانون الدولي العام يلزم لصحته شرطان، أولهما: أنه يجب أن يتم بموجب اتفاق دولي أياً ما كان الشكل القانوني للاتفاق الدولي وتظهر فيه – بجلاء – انصراف إرادة الدولة المتنازلة إلى التنازل وقبول الدولة المتنازل لها لهذا التنازل وأسبابه ومبرراته. ثانيهما: لزوم ثبوت سيادة سابقة للدولة المتنازلة عن الأراضي المتنازل عنها، وأنه لم تُقدم عليها ثمة دلائل أو أدلة أو براهين تؤيد توافر كلا الشرطين، خصوصاً أن من يملك السيادة يملك الإدارة والعكس غير صحيح إلا بسند، فالسند هو من تقف على أعتابه كل التصرفات القانونية، ولا يستقيم مع ما تقدم القول إن الجزيرتين أودعتهما لدى مصر دولة لم تمارس عليهما أدنى مظهر من مظاهر السيادة». وقالت المحكمة إنه «لا ينال مما تقدم ما استندت إليه الجهة الطاعنة من صدور خطابات صادرة في شأن هذا الموضوع للتدليل على أن يد الدولة على الجزيرتين يد عارضة، ومن ثم خروجهما من السيادة المصرية، بحسبان هذه المكاتبات لا تمثل التزاماً على الدولة لافتقارها إلى السند الدستوري والقانوني المبرر لواقع الجزيرتين المتمثل في مصريتهما حدوداً وسيادة بلا منازع». وكانت الحكومة المصرية أحالت نهاية الشهر الماضي الاتفاق على البرلمان لمناقشته تمهيداً للتصويت عليه، لكن تعاطي البرلمان مع الحكم القضائي أثار انقساماً بين النواب أمس، إذ أكد عضو اللجنة التشريعية في البرلمان النائب ضياء الدين داوود، إنه بعد حكم المحكمة الإدارية العليا «أصبحت الاتفاقية منعدمة ولا يجوز للبرلمان نظرها»، ورأى أن البرلمان «لن ينظر في الاتفاقية، لأنها أصبحت منعدمة ونهائية». وبالمثل أشار رئيس حزب الإصلاح والتنمية النائب محمد أنور السادات إلى أنه في ضوء حكم المحكمة «يجب على البرلمان تفادي مواجهة قد تحدث بين السلطة التشريعية والقضاء وأن يتوقف عن نظر أو مناقشة الاتفاقية نظراً إلى صدور حكم نهائي بات يجب احترامه»، وأكد أنه على الحكومة أيضاً أن «تحترم الأحكام القضائية وتتوقف عن التقدم بأي منازعات أمام القضاء الدستوري وتبدأ في فتح حوار جديد مع الجانب السعودي حول كيفية إعادة التفاوض في شأن الجزيرتين». غير أن تحالف «دعم مصر»، الذي يمتلك الغالبية النيابية، أكد أن البرلمان «حريص على ممارسة حقه الدستوري في مناقشة الاتفاقات الدولية»، موضحاً في بيان أن الدستور «أقر مبدأ الفصل بين السلطات وأوجب على كل السلطات احترامه، ومجلس النواب (البرلمان) يراعي هذا المبدأ ويحرص عليه، وسيكون المجلس حريصاً على ممارسة دوره الدستوري في نظر الاتفاقات الدولية، ولن يفرط فيه»، ورأى أن صدور هذا الحكم «لا يغير من حقيقة أن الاختصاص الدستوري بتقرير طريقة إقرار الاتفاقية أو لكونها مخالفة لأحكام الدستور أو تتضمن تنازلاً عن الأراضي المصرية تنعقد للبرلمان وفق الإجراءات المنصوص عليها في اللائحة الداخلية للبرلمان»، مؤكداً أن هذا الاختصاص الدستوري «منعقد للبرمان ليقرر ما يراه في هذا الشأن. والقرار في النهاية سيكون للنواب الممثلين عن الشعب بالقول الفصل النهائي في هذا الموضوع».

مشاركة :