متى يفقه بعض اللبنانيين أن من يحارب الحرية في سوريا، سوف يحاربها في لبنان وفي كل مكان. العربعديد نصار [نُشرفي2017/01/17، العدد: 10515، ص(8)] هي العبارة التي ربما تكررت للملايين من المرات على ألسنة عناصر وضباط أجهزة النظام الأسدي الأمنية و“شبيحته” كلما ألقوا القبض على متظاهر أو ناشط أو أي رجل أو امرأة أو طفل يشكّون في ولائه للنظام، منذ فجر الثورة السورية. وكم من موقوف أو معتقل قضى تحت سياط تعذيبهم وهم يكيلون له الضربات ويكررون على مسامعه هذه العبارة التي تسخر من الشعب السوري ومن ثورته، إضافة إلى القديم والمبتكر من الشتائم والعبارات النابية “هاي هيي الحرية اللي بدكن ياها؟”. لم يكن ممكنا لأي شيء أن يمنع أو يؤجل ثورة الشعب السوري بعد أن بلغ به القهر والإذلال كل مبلغ. وبعد تراكم للعشرات من السنين لكل أشكال التضييق، وصولا إلى تلاشي مقومات الحياة مصحوبا بهذا الكم من التحقير. من هنا أطلق السوريون على ثورتهم اسم “ثورة الحرية والكرامة”. وحين بدأ النظام يترنح عاجزا عن مواجهة الشعب رغم كل البطش والتنكيل، تدخل حزب الله اللبناني بناء على إشارة أسياده في طهران لإنقاذه. لقد كان التدخل العسكري لحزب الله في سوريا سيفا ذا حدين: الأول أنه جاء ليعوض عن خسائر قوات النظام الناتجة في جزء كبير منها عن الانشقاقات الواسعة لمصلحة الثورة، والثاني إدخال العنصر المذهبي في الصراع للتورية على كونها ثورة شعبية في مواجهة نظام عدو. باتت معروفة تماما مساهمة قوات حزب الله في المقتلة السورية التي جاءت تحت ذرائع كاذبة تتلاقى مع الذرائع التي استخدمتها ولا زالت، القوى التي يدعي حزب الله ومنظومة الممانعة التي ينتمي إليها (النظام الأسدي والنظام الإيراني) مواجهتها، أي أميركا والكيان الصهيوني، وهي الدفاع عن لبنانيين في قرى حدودية وحماية “العتبات المقدسة” ومحاربة الإرهاب والضربات الاستباقية للإرهابيين كي لا يصلوا إلى “جونيه”. فمن معركة القصير وتهجير أهلها، إلى الزبداني ومن الجبهة الجنوبية إلى حلب، كانت معارك حزب الله تستهدف ليس فقط القضاء على ثورة السوريين، بل اقتلاعهم من أرضهم وتشريد كل من نجا من قصفه ومن براميل الأسد المتفجرة. ومن “إنجازات” حزب الله في سوريا إطباق الحصار على المدنيين وصولا إلى قتلهم بالتجويع، كما في مضايا. ومن المعروف أن المواقف في لبنان انقسمت بين مؤيد للثورة السورية وبين مؤيد لسياسة حزب الله، وبين صامت خشيةً. على أن نسبة الصامتين كانت تتفاوت مع تقلب تطورات الساحة السورية ومع هدوء أو اضطراب الحالة الأمنية في لبنان، وكذلك مع ارتفاع أو انخفاض مستوى الخطاب المذهبي. وإذا كان حزب الله قد أغرق البيئة الشيعية بالخطاب المذهبي الأيديولوجي المتشنج لاستخدامها خزانا بشريا لتغذية حربه في سوريا ولحماية ظهره في لبنان، فإن مؤيدي حربه في سوريا من خارج هذه البيئة استخدموا خطابا موازيا يتبنى بالكامل نظرية عصابة الأسد في كون الصراع في سوريا هو صراع بين نظام علماني وبين إرهاب تكفيري يريد تحويل سوريا إلى دولة إسلامية على الطريقة الداعشية. وهكذا يصبح بالإمكان تبرير قتال حزب الله إلى جانب النظام ليشكل ذلك ضربة استباقية تمنع سيطرة التكفيريين على سوريا، وبالتالي تمنعهم من مد سيطرتهم إلى لبنان الذي “ينعم” أبناؤه بـ“التنوع والحرية”. هذا المنطق الذي لم ير في سوريا ثورة شعب، ولم ير في رد فعل النظام وفي جرائمه المتمادية وفي اقتلاع الملايين من البشر من بيوتهم وهم بالمناسبة، أي النازحين واللاجئين السوريين يشكلون قرابة ثلاثة أضعاف تعداد اللبنانيين المقيمين، يرى في نفس الوقت أن حزب الله في قتاله لـ”التكفيريين” في سوريا، إنما يدافع عن الحرية وعن التنوع في لبنان. غير أن الوقائع المتتالية أكدت العكس تماما، وهذا ليس بجديد. فحزب الله دأب على تمهيد الأرض في المناطق التي تشكل بيئة حاضنة له بحكم الانتماء المذهبي من خلال فرض أيديولوجيا دينية متشددة على المجتمع الشيعي، تحديدا، الذي زخر تاريخه الحديث بالتنوع الثقافي والسياسي، حيث سادت وعلى مدى عقود الانتماءات اليسارية والشيوعية والقومية من مختلف توجهاتها التي تنامت مع فعاليات مقاومة الاحتلال الصهيوني ووجود المقاومة الفلسطينية. فمنذ انطلاقة حزب الله الأولى بادر إلى حملة اغتيالات واسعة شملت قيادات فكرية وتنظيمية وكوادر شيوعية ويسارية بالعشرات. غير أن واقع اليوم وغرق حزب الله في المقتلة السورية جعلاه أكثر تشددا في تحشيد الشيعة وراءه ومن حوله خشية الانقلاب عليه. فكانت ممارساته الممنهجة التي اتخذت طابعا فرديا حينا وطابعا دينيا اجتماعيا أحيانا أخرى، إحدى الطرق التي توسلها للحفاظ على بيئة شارفت على التمرد مع تزايد حجم خسائره البشرية في سوريا من جهة، ومع انكشافه كإحدى القوى السلطوية المافيوية التابعة المنخرطة في الفساد والنهب من جهة أخرى. وهكذا تواترت المناسبات التي تؤكد عداء حزب الله للحرية التي توسم البعض أن هذا الحزب يحارب في سوريا لحمايتها في لبنان. فمن منع الاختلاط في المناسبات الاجتماعية، إلى منع الغناء في حفلات الزفاف، إلى منع الفتيات من المشاركة في مناسبات رياضية، إلى منع أغاني السيدة فيروز في كلية العلوم بالجامعة اللبنانية، وهي بالمناسبة، جامعة وطنية رسمية تابعة لوزارة التربية والتعليم العالي، وصولا إلى منع بيع المشروبات الروحية في بعض قرى الجنوب. وفي كل مرة كانت تمر “الهمروجة” وينتهي الأمر! وفي كل مرة كان الصوت المدافع عن الحريات في لبنان، المناهض لثورة الحرية في سوريا، يرتفع عبر وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي تارة عاتبا وتارة أخرى مستغربا مستهجنا، فهل يجوز لمن يحارب داعش في سوريا أن يمارس ممارساته في لبنان؟ هذا الاستغراب وهذا الاستهجان اللذان يعبران عن تواطؤ غالبا وعن سوء فهم إذا أحسنا الظن، في عملية إنكار وإعادة التأكيد على إنكار أن هناك شعبا سوريا ثار لحريته ولكرامته وللعدالة الاجتماعية والمساواة، وأن هناك نظاما معاديا لكل ذلك بادر إلى سحقه وتشريده وتدمير مدنه وقراه مستجلبا كل مجرمي ومغامري وإمبرياليي العالم للمساهمة في ذلك وللتغطية عليه. متى يفقه بعض اللبنانيين أن من يحارب الحرية في سوريا، سوف يحاربها في لبنان وفي كل مكان؟. كاتب لبناني عديد نصار :: مقالات أخرى لـ عديد نصار هاي هيي الحرية اللي بدكن ياها؟, 2017/01/17 نقد المعارضة أم نقد الثورة, 2017/01/09 حول عودة الإرهابيين إلى بلدانهم, 2017/01/04 أُحرقنا يوم أُحرقت حلب, 2016/12/06 رسائل حلب إلى شعوب العالم, 2016/12/01 أرشيف الكاتب
مشاركة :