أعلنت الحكومة رسمياً خصخصة مستشفى جابر، وادعاء أن خدماته مقتصرة على المواطنين فقط، مع أنه في واقع الأمر لن يخدم إلا عدداً قليلاً منهم، وهذه سياسة تمييز بين المواطنين وعملية خصخصة للخدمات الصحية سيترتب عليها تسليم إدارة المستشفى، مقابل مبلغ مالي ضخم، لشركة أجنبية هدفها تعظيم الربح المادي المباشر. من أسهل الطرق لتمرير قضية خلافية أو مشروع ما له تأثير سلبي على حياة الناس إشغالهم بأنفسهم وإلهاؤهم بأمور جانبية لا علاقة لها بالقضية الرئيسة، ثم الإيحاء للناس بأن هذه هي القضايا التي تتفوق من حيث الأهمية على ما عداها من قضايا، وما حصل مؤخراً في موضوع مستشفى جابر مثال على ذلك، إذ أُشغل معظم المواطنين في قضية خلل التركيبة السكانية لمصلحة الوافدين، وهي قضية مهمة من دون شك، لكن معالجتها تتطلب خطة تنموية حقيقية وسياسات عامة تعالج الأسباب الجذرية للمشكلة، ومن ضمنها خلل تركيبة العمالة وسوء استثمار الموارد البشرية، وهذه لا تتحقق من خلال إشغال الناس بأنفسهم من خلال خطاب شعبوي حول قضية مُستحقة ومفروغ منها، وهي حق المواطنين في رعاية صحية راقية وذات جودة عالية، أو من خلال ترويج خطاب عنصري تجاه الوافدين، وكأنهم ليسوا بشراً من حقهم الحصول على العلاج الصحي الذي يفترض أن يتحمل تكلفته أصحاب العمل، لا سيما أن معظم العمالة الوافدة، مثلما ذكرنا من قبل، يعملون في القطاع الخاص الذي تقول خطط الحكومة ووثيقتها الاقتصادية أنه سيقود ما تُسميه "قاطرة التنمية"، وهذا معناه استمرار خلل التركيبة السكانية وتركيبة العمالة! هذا ناهيك عن مافيا الإقامات التي تتردد الحكومات المتعاقبة في فتح ملفاتهم ومحاسبتهم. ومن الجدير بالملاحظة، أنه في الوقت الذي تم فيه الترويج لخطاب عنصري تجاه الوافدين انشغل في ترديده، مع الأسف، بعض الناس البسطاء من دون فهم لمغزاه وتداعياته، فقد قامت الحكومة بإلاعلان رسمياً عن خصخصة مستشفى جابر، وادعاء أن خدماته مقتصرة على المواطنين فقط، مع أنه في واقع الأمر لن يخدم إلا عدداً قليلاً منهم، وهذه أولاً سياسة تمييز بين المواطنين يفترض أن يتم الانتباه إليها ووقفها، وهي ثانياً عملية خصخصة للخدمات الصحية سيترتب عليها تسليم إدارة المستشفى، مقابل مبلغ مالي ضخم، لشركة أجنبية هدفها تعظيم الربح المادي المباشر، مع أنه من المفترض أن تتولى إدارته كوادر وطنية متخصصة، ويقدم خدمات مجانية للمواطنين. لهذا فمن المرجح فرض رسوم جديدة سيتحملها المواطنون نظير الخدمات التي يقدمها مستشفى جابر بإدارته الأجنبية، هذا ناهيك عن أنه من المحتمل أن تشمل الخصخصة بقية المستشفيات العامة تحت ذريعة واهية، وهي رفع مستوى كفاءة الخدمات الصحية التي يبدو أن وزير الصحة الحالي، كما الوزير السابق، يسوّق لها حالياً، حيث قام مؤخراً بافتتاح عيادات مستشفى خاص مع الإشادة بمستوى الخدمات التي تقدمها! مع أن ذلك يحتاج إلى لجان فنية متخصصة ومحايدة، هذا فضلاً عن أنه يعتبر تسويقاً تجارياً على حساب المستشفيات العامة، وهو ما يتعارض مع طبيعة عمل الوزير ومسؤولياته العامة!
مشاركة :