تحت عنوان "العالم ينتفض: متحدون في مواجهة الإرهاب": انطلقت فعاليات مؤتمر دولي لمكافحة التطرف الذي تنظمه مكتبة الإسكندرية على مدار ثلاثة أيام وللسنة الثالثة على التوالي، في إطار برنامج متكامل للمكافحة الفكرية للتطرف تنفذه المكتبة يشمل عدة مستويات تبدأ بتعزيز دراسة ظاهرة التطرف على صعيد علم الاجتماع الديني ودعم العلاقة بين المراكز البحثية العربية المتخصصة في التطرف، وبناء رؤى مشتركة، وذلك بعد أن أصبح الإرهاب خلال السنوات الأخيرة خطرا يهدد السلام العالمي، ويقوض الثقة والتضامن والسكينة والفرص الاقتصادية في المجتمعات شرقًا وغربًا، وكذلك التنسيق بين القادة الروحيين من مختلف الديانات لبناء خطاب سلام عالمي فيه أطر عامة متفق عليها. وأكد د. إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية في افتتاح المؤتمر أن عنوان المؤتمر هذا العام يشير إلى الانتقال من ظاهرة التطرف في المجال العربي إلى الأفق العالمي، حيث لم تعد ظاهرة التطرف، ومن ثم الإرهاب محصورة في المنطقة العربية أو هذه البقعة من العالم، أو كما يحلو للبعض أن يلصقها بالمجتمعات الإسلامية وحدها، ولكنها باتت ظاهرة كونية تؤرق دول العالم شرقا وغربا، مما يستدعي أن نكون جميعا متحدين في مواجهتها، ونحن على يقين أن مستقبل العالم رهن بالانتصار في هذه المعركة من أجل التأكيد على قيم الاستنارة والتنوع والفهم الرحب في مواجهة الغلو، والتشدد، وضيق الأفق، الذي عادة ما يرسى دعائم البنية الأساسية الفكرية التي تسوغ الأعمال الإرهابية التي قاسي، ويقاسي منها العالم، وما حدث خلال العام الماضي من أحداث إرهابية بشعة في مصر وعدد من الدول العربية وأوروبا أدمت قلوبنا جميعا يثبت بجلاء أن البشرية باتت في قارب واحد تجاه هذا الخطر، وإما أن نكون أو لا نكون... إما أن نخوض معركة حقيقية في مواجهة الفكر المتطرف أو تتعرض الإنسانية لانتكاسة حضارية قاسية تتمثل في سيادة أفكار الغلو والسمو والاستبعاد والعنصرية والشوفينية، وهو آخر ما نحتاج إليه في سعينا إلى تحقيق التقدم، وقد قاست البشرية عبر تاريخها من سيادة هذه النوعية من الأفكار، وجاء الوقت الآن كي نقف منتبهين يقظين جادين في مواجهتها. ورأى د. محمود الهباش قاضي قضاة فلسطين ومستشار الرئيس الفلسطيني أن العالم يعاني الآن من تداعيات التطرف، وقد زادت حدة هذه المعاناة في الآونة الأخيرة، وقال إن تداعيات التطرف أخذت أشكالا متعددة وصورا مختلفة شديدة البؤس والسوء تعكس معاناة الإنسانية على مستوى الفكر والوعي والإدراك لمعنى الإنسانية. وأضاف "جئتكم من بلد وشعب قضى أكثر من قرن من الزمان وهو يعاني من التطرف والإرهاب. فلسطين التي يعاني شعبها على مدى قرن منذ أن منح من لا يملك وعدًا لمن لا يستحق". وأكد أن الإرهاب قد مورس ضد الشعب الفلسطيني بأبشع الصور، وشكل ذلك بذرة التطرف والإرهاب في عالمنا المعاصر، فالشعب الفلسطيني شعب مسالم ينبذ التطرف والإرهاب ولا يملك إلا حقه في الحياة. وشدد على حقنا في أن نعرف ما هو الإرهاب الذي يجب أن نتصدى له، فالبعض يقوم بإلصاقه بالمسلمين، وهذا غير صحيح تمامًا، فالعرب والمسلمون يعانون من التطرف الذي مورس ضدهم. وأوضح أن أول خطوة في مواجهة الإرهاب هي أن نعرف معناه ومفهومه ومولداته، فالتطرف يتغذى على الجهل؛ أي جهل الناس بأساس الدين والإنسانية، والفقر؛ الذي تعاني منه العديد من الدول ويعتبر أساس الانحراف الفكري والسلوكي والعقائدي، وذلك بالإضافة إلى الظلم الذي يقع على الناس ويتم السكوت عنه. وأشار إلى أن الإسلام بريء من التطرف والإرهاب، وعلينا أن نطلق نداءً لكل أصحاب القرار بأن يتم القضاء على بؤر الظلم والعدوان الذي يمارس على الشعوب والأفراد، والذي يعد أصلا من أصول المواجهة الصحيحة والناجحة للإرهاب والتطرف، مؤكدًا أن أول تلك البؤر هو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لأرض فلسطين. وأكد الدكتور خالد بن خليفة آل خليفة؛ نائب رئيس مجلس الأمناء والمدير التنفيذي لمركز عيسى الثقافي بالبحرين، أن الوضع الإقليمي والظروف التي تمر بها المنطقة تضعنا أمام عدد من الحقائق التي يجب مراجعتها في مواجهتنا للتطرف والإرهاب، حيث إن آفة التطرف والإرهاب مزقت هذا الكيان العظيم من الداخل، وبالرغم من الجهود المبذولة إلا أن الإرهاب مازال يخطف العديد من الأرواح. وأكد أن أحد أسباب انتشار هذه الآفة هو التدخلات الخارجية السافرة في شئون دولنا، وطبيعة بيئتنا المليئة بالاحتقانات التي أعاقت جهود تشخيص الواقع العربي ومواجهة المشكلات جذريًا. وأكد أن التصدي للتطرف والإرهاب أصبح من أهم الأمور التي تستدعي تضافر الجهود بين المؤسسات والدول لحلها، وذلك من خلال الوعي بثلاثة حقاق أساسية؛ أولها: أن الدين الإسلامي ليس هو المستهدف من كل ما يجري، بل هو أداة تم استغلالها للوصول لأراضينا وما عليها من موارد وإمكانات، وثانيها: عدم وجود تعريف دولي للتطرف يقوم على أساس مقاييس ومعايير واضحة مما شجع فرص نمو الإرهاب عن طريق محاباة المنظمات الدولية لبعض الأطراف وازدواجية المعايير، وثالثها: استغلال الإرث التاريخي لبعض النزاعات في تأجيج الطائفية والتعصب الذي أفسد الولاءات للأوطان. وأعرب الدكتور لي شياو شيان؛ رئيس معهد الدراسات العربية في الصين، عن سعادته لتمثيل الصين للمرة الأولى في مؤتمر مكتبة الإسكندرية، والذي أتاح الفرصة أن يسمع جمهور العالم العربي صوتًا من الصين. ولفت إلى أن الإرهاب بدأ في ثمانينيات القرن الماضي في أفغانستان عندما دخل الاتحاد السوفيتي أفغانستان وظهور قوى جهادية بحجة مكافحة الإرهاب، وذلك بتخطيط وتنظيم أميركي. وقام الجهاديون بإنشاء قاعدة لهم وشبكة اتصالات دولية كبرى وانتقلوا إلى دول متعددة. وشدد على أن الإرهاب الدولي تطور عن طريق ممارسات الولايات المتحدة الأميركية في أفغانستان ثم العراق، مبينًا أن أميركا دمرت دولة العراق وأثرت على استقرار المنطقة العربية بأكملها من أجل تحقيق مصالحها. وأكد أن الإرهاب زاد في العالم بالرغم من ادعاء الولايات المتحدة الأميركية محاربته في السنوات الأخيرة لعدة أسباب؛ أولها: رؤية أميركا وقادتها للإرهاب، حيث وضعت أميركا أهدافًا حربية ليس لها علاقة بالإرهاب لتحقيق مصالح شخصية، وثانيها: عدم وجود تعريف موحد في العالم لماهية الإرهاب، وثالثها عدم حل مشكلة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. وشدد على أن خطورة الإرهاب تزداد بالنسبة للصين يومًا بعد يوم، خاصة مع تزايد العمليات الإرهابية في 2016، ولذلك علينا أن نعمل سويًا لمواجهة هذا الخطر الذي يواجه دول العالم بأكملها. ويذكر أن المؤتمر يشارك فيه 300 باحثا ومفكرا وخبيرا دوليا متخصصا في قضايا التطرف من مصر والسودان والمملكة العربية السعودية والأردن والمغرب وتونس والكويت والإمارات وعمان واليمن وسوريا والجزائر وليبيا وموريتانيا والبحرين ولبنان والعراق والصومال وجيبوتي. يتناول المؤتمر الحوار عن التطرف كظاهرة عالمية، والرؤي المتنوعة للمراكز الدولية البحثية لتقييم ورصد ظاهرة التطرف، وهو الموضوع الذي يتولى تحليله الكاتب الصحفي اللبناني؛ عبدالوهاب بدرخان، فيما تتناول جلسة استراتيجيات مواجهة التطرف خبرات متنوعة من رؤي ومناقشات من كل من؛ سعيد شحاته من بريطانيا، وجون سويني؛ نائب مدير مركز الدراسات المستقبلية في بريطانيا، وظافر العجمي؛ من دولة الكويت. كما يشارك الدكتور أسامة نبيل من مراصد الأزهر، وكذلك الطاهر سعود؛ من دولة الجزائر، وذكي ميلاد؛ من السعودية، ولونج دنج؛ أستاذ الدراسات الإسلامية في كلية الإدارة العامة ببكين، ويقوم ذكي ميلاد برصد وتحليل لخطابات التطرف في جلسة يرأسها د.رفعت السعيد. ويناقش المؤتمر استطلاعات الرأي العام والتطرف، حيث يعد هذا الموضوع حيوياً لقياس مدى استجابة ورد فعل المجتمعات لحوادث التطرف وأفكار المتطرفين، ويتحدث في هذه الجلسة، نادية بن ورقلة من الجزائر، ود. ماجد عثمان من مصر، وراشد العريمي من الإمارات. فيما تطرح قضايا تشابك الشباب مع التطرف بنفسها بقوة في المؤتمر، حيث يرأس الدكتور عوض حسن؛ الأمين العام لمنظمة الشباب العربي الأفريقي، جلسة عن الشباب والتطرف، والتي يتحدث فيها إكرام عدني من المغرب، ووسام باندوه من اليمن، ومحمود الشيخ من الصومال، وحنان سعيد من مصر. كذلك يعرض المؤتمر خلال جلسة المرأة والتطرف برئاسة أمل فوزي، حوارا عن ما تعرضت له المرأة من مآسي في الموصل وحلب وغيرها من المناطق التي تحتوي علي تيارات عنف، وكذلك وسائل ترهيبها فكرياً، ويتحدث في تلك الجلسة، أم العز الفارسي، وريهام باهي من مصر، ودانيا حويك من لبنان. ويشهد المؤتمر جلسات متعددة لقضايا مختلفة منها الوعي بالقانون، ومعالجة مشكلات التطرف والإعلام، وقضايا التطرف والتنوع الديني والتطرف، وأساليب التجنيد، وضروريات التحرير من مجابهات التطرف. محمد الحمامصي
مشاركة :