العبث بالممتلكات العامة وتشويه البيئة

  • 1/18/2017
  • 00:00
  • 12
  • 0
  • 0
news-picture

يحار المتفرس في تصرفات البعض، ويغيظه ما يرى دون أن يتفوه ببنت شفته، وإنما يحوقل متأسفاً أو يطوى كشحه متأثراً حزيناً، ولاسيما حينما يقلب الرأي ظهر بطن، ملتمساً تعليلاً أو تفسيراً منطقياً لتلك التصرفات الهوجاء، ذلك شعور أحسبه يستبطن مشاعرنا جميعاً، حينما نرى بأم أعيننا من يهاجم بغيظ وحماقة وغباء الممتلكات العامة تدميراً وتكسيراً، دون خجل أو حياء، ولَك أن ترى على سبيل المثال لا الحصر- الاعتداء على نزع اللوحات الإرشادية، وتعطيل لمبات الإضاءة في الحدائق العامة، ويزداد حنق المرء حين يقرأ الكتابة على الجدران بعبارات غاية في الإسقاط والإسفاف، دون احترام لإصحابها من الأهلين، أو رعاية للجهات الحكومية كالمدارس والمؤسسات الخاصة، وعادة ما تواجهننا صورة السهم الخارق للقلب، مذيلة بتعليقات (أحبك) وكأننا أمة غرامية قد بلغ بها العشق شغف سويداء القلوب، ومهج النفوس، وحدق العيون، وإن أتيح لأحدنا التفيوء بظلال جسر قريب أو بعيد، فلا تكاد تخطئ العين أو يهيم الحدس، في لحظ تعليقات ورسوم مخجلة حقاً. أما الإساءة الى البيئة العامة، فتكاد تغطي صحراءنا بشكل أفقي أوعية الأعلاف  في المهاد وبطون الأودية، بحيث كُسيت شجيرات البرية بأكياس النيلون، وما ترمقه العين على عجل على حافة الطرق العامة تأكيد لهذا التخلف الجمعي، أما مخلفات العائلات والرحلات في المنتزهات والشواطئ فحدث ولا حرج، فثمة قائمة طويلة من قذارة المخلفات وعبث يفوق الوصف، والذي يهمنا في هذا المقام  هو التحليل النفسي والتفسير الاجتماعي لهذا التصرف الأرعن والتردي المريع  في أذواق الجمهور. إن التحليل النفسي الدقيق للشخصية العبثية، يثبت أنها تعاني في الحقيقة من مشاعر الإحباط والعدوانية، فلا تجد من سبيل سوى إفراغ شحناتها في التدمير وإلحاق الأذى بكل ما تطاله يداها دون شعور بالتأنيب أو ردع من أدب أو تهذيب، وكذا فإن مشاهدة وإطباق المجتمع على هذه المناظر دون نكير أو مبالاة، لا بل والمشاركة بإلقاء قنينة أو بقايا طعام الخ وإن اختلفت النسبية ما هو إلا تواطئ جمعي أو إجماع سكوتي بالرضا الشنيع، لذلك لا نعجب حينما نشاهد تردي خدمات نُزُل كل محطة قابعة على الطرق العامة، بما يزكم الأنوف، ويكتم الأنفاس ،ويؤذي الأبصار، وذلك أن الثقافة العامة وهي التعبير الحسي لكل ما يحيط بالجمهور ألقت بظلالها القاتمة على المزاج العام، والعجب أن تلك الشرائح إذا أُتيح لها السفر إلى الخارج التزمت تلقائياً بالأنظمة وتناقل الجميع بإعجاب منقطع النظير الثقافة المكتشفة الجديدة. إننا  نعيش فعلا تناقضاً صارخاً في الوعي واللاوعي، مما يؤكد أن أمامنا خطوة ألف ميل، لترسيخ معاني احترام النظام، وترقية الذوق العام، واحسب أن غياب التشريعات والأنظمة الصارمة وراء هذا السيلان والطوفان العبثي، الذي شوه بيئتنا العامة، ومِما يقطع نياط القلوب إن كل من دلف إلى منى يوم السابع من ذي الحجة أو صعد إلى عرفة صبيحة التاسع أو أفاض إلى مزدلفة ليلة العاشر، يرى ما تقر به العين نظافة وتنظيماً وجمالاً وتجهيزاً، وما أن تمر عليها أفواج الحجيج حتى تنقلب الصورة على عقبها، فترى جبالاً شامخة من القمامة، وتلويثاً للشوارع ببقايا الأطعمة والأغلفة وقنينات المياه والفرش الخ. ورغم شدة نكير الإسلام على العابثين والمفسدين في الأرض باللعن تارة وبالنار تارة أخرى، يقابله وعد بالمغفرة والجنة، وتضعيف الحسنات لمن أماط الأذى عن طريق الناس نجد سلبية وعصياناً ومخالفة ،وحسب الإسلام عناية بالبيئة الحديث الصحيح (إذا قامت الساعة وفي يدي أحدكم فسيلة فليغرسها) إلا أنها لا تلقى لدى الغالبية آذاناً صاغية، لانفصامها عن التربية الأسرية والمدرسية، وفراغ قانوني رادع، مما وصم بيئتنا بسبب تصرفات المفسدين والعابثين بالرجعية والتخلف فلا مندوحة من إعادة النظر في مادة التربية الوطنية وربطها عملياً بأركان العملية التعليمية ولاسيما في المدرسة والمنزل، واقتطاع جزءاً من منهجها في الشارع، بحيث تنتهي إلى صيرورة منهجية متكاملة، تكسب الدارس ملكة المسؤولية وثقافة الرقي بالذوق العام، إن تكدس السجناء بإعداد خرافية في السجون، نتيجة أحكام قضائية لا ترتبط بقضايا جنائية أو حقوق، تستلزم النظر إلى بدائل أخرى مثل الإلزام بأداء خدمات مجتمعية مثل تنظيف الشوارع والحدائق العامة ودورات مياه المساجد، والشواطئ والطرق العامة تحت إشراف الشرطة. ورغم سبق الإسلام إلى الدعوة لثقافة التطوع ومساعدة الآخرين فلايزال كثير من المسلمين غرباء منها، وعليه فإن الحاجة قائمة لتفعيلها إزاء ممارسات العبث الممنهج، من أجل رسم صورة  خالدة تليق بانتسابنا إلى الإسلام .

مشاركة :