لا شك أن استعراض بوتين للعضلات الروسية، وتحديه للإرادة الأميركية، قد أعاد للعالم تعدد الأقطاب، ومنع استفراد أميركا وحدها من تغولها في المنطقة والعالم، فالولايات المتحدة تدرك جيداً أنها ليست اللاعب الأوحد، خصوصا مع وجود أقطاب عالمية أخرى مثل الصين التي تعمل بصمت لكن من منطلق قوة. هذا التعدد الذي قد يكون مفيداً نوعاً ما لشعوبنا، لا يجب أن نراه بمعزل عن طبيعة روسيا، التي لم تعد الاتحاد السوفياتي الذي كان يقف مع شعوب العالم النامي، بل هي دولة رأسمالية تتجه إلى الإمبريالية مثلها مثل أميركا، والعقل الجدلي يجب أن يرى موقف روسيا من جميع الجوانب. وتأييد القوى السياسية اليسارية تحديداً المطلق لروسيا، على اعتبار أنها حدت من النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، لا يجب من ناحية أخرى إغماض العين، عن حقيقة أن ما يحدث بين الدول الرأسمالية، هو صراع على اقتسام النفوذ في العالم، وهو يعني السيطرة مهما كان الثمن حتى لو كان ذلك على حساب الشعوب. ولا بد أن نتذكر أن الحربين العالميتين في القرن الماضي، كانتا على حساب الشعوب وقتل ملايين الضحايا، من أجل شعارات مضللة، مثل الدفاع عن الوطن والدفاع عن العرق الآري وتميزه، فزجت الرأسمالية من الطرفين، الملايين من العمال والفلاحين والبسطاء، في أتون هذه الحروب، وعانت شعوب العالم من أطماع الرأسمالية، وأرباحها وانتعاش مصانعها بأي ثمن، ولنتذكر أن العرب وقفوا في الحرب العالمية الأولى، مع الاستعمار الإنكليزي والفرنسي، في سبيل التخلص من الاستعمار العثماني، ووقفوا مع هتلر النازي ضد الاستعمار الإنكليزي ودول الحلفاء، ليسهلوا تكريس الاستعمار والتبعية من جديد. بالتأكيد من حق أي قوى أن تتحالف مع الشر الأقل للتخلص من الشر الأكبر، لكن يجب أن تنتبه القوى الوطنية واليسارية من هكذا تحالفات، أي لا تسلم بشكل مطلق للدولة التي تتحالف معها، واعتبار أن ضحايا الحرب وإن كانوا من المدنيين الأبرياء، هم ثمن للانعتاق من تغول وظلم الآخر، فهتلر دعا للتضحية بالنفس من أجل مجد ألمانيا، وتشرشل وحلفاؤه دعوا المواطنين للدفاع عن الوطن، وقد وصف لينين الاشتراكيين الديموقراطيين، الذين رفعوا شعار الدفاع عن الوطن، بالخائنين لطبقتهم العاملة. إن إجراء حسابات دقيقة واستشراف المستقبل والقراءة السليمة، هو ما يُميز العقل الجدلي النقدي، لا يجب النظر إلى جانب واحد والغفلة عن الجوانب الأخرى، فهذا ما يجعل السجالات بين القوى السياسية غير علمية وعقيمة، بل يشتت الرؤى وتنصرف عن الداخل الوطني، أقول يجب أن نكون يقظين فقط. osbohatw@gmail.com
مشاركة :