حرية الرأي والتعايش السلمي - مقالات

  • 1/19/2017
  • 00:00
  • 291
  • 0
  • 0
news-picture

في يوم الاثنين الماضي، ألغت محكمة الاستئناف حكم أول درجة، القاضي بتغريم أحد مشايخ الدين مبلغ 20 ألف دينار وقضت مجدداً ببراءته من تهمة تحقير وازدراء فئة من المجتمع. وتباعاً تجدد الجدل بين المواطنين حول الحد الفاصل بين حرية الرأي والبحث العلمي المكفولة دستورياً، وبين مخالفة قانون حماية الوحدة الوطنية وتهديد السلم الأهلي. بالنسبة إلي، ذلك الحد مبين بوضوح في المادة الرقم (36) من الدستور التي تنص على أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة، ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما، وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي يبينها القانون». أي أن حرية إبداء الرأي هي الأصل بحسب أحكام الدستور، وأن الحظر هو الاستثناء. وأنا أجد أن هذا الاصل الدستوري جميل وكذلك أرى أن الاستثناء القانوني رائع إذا كانت دوافعه حماية النسيج الاجتماعي وتعزيز التعايش السلمي، كما هو الحال بالنسبة لقانون حماية الوحدة الوطنية الذي جاء بمرسوم ضرورة، أقرت المحكمة الدستورية ضرورته المحلية بناء على مبررات محلية وإقليمية. مقالي هذا موجه إلى المعنيين بسلامة منظومة العدالة الكويتية في السلطات الثلاث: القضائية والتنفيذية والتشريعية. لأناشدهم دراسة وتحليل أسباب فشل المنظومة في تقويم الشيخ وحماية مجتمعنا من تبعات خطب التحريض على الكراهية الطائفية. وادعوهم للعمل على تطوير المنظومة لتحتوي وتخمد الفتن المستجدة. ولا بد من الاشارة هنا إلى أن قضية الشيخ ليست الوحيدة من صنفها - بل إن هناك أشخاصا آخرين في قضايا أخرى - ولكنها الأحدث لذلك جعلتها محورا لرسالة المقال. كما أؤكد أنني لست بصدد المساس بهيبة القضاء أو التشكيك في نزاهة القضاة او اهتمامهم بعملهم او في التزامهم بأحكام القانون، لأن الاسباب المحتملة لفشل المنظومة كثيرة جدا منها ما هو مرتبط بالقصور التشريعي أو الخطأ الاجرائي أو خلافهما. هناك من يقول إن مقابلة الشيخ كانت ضمن برنامج أذيع عبر استوديوهات قناة فضائية خارج الكويت، والشيخ ليس مسؤولا عن نشرها على شبكة الانترنت. أقول لهم إنني لست معنيا بتقييم حكم المحكمة، ولست مؤهلا لذلك. ولكنني أعلم أن معظم المتطرفين يتابعون برامج تلك القناة الفضائية، ومن بينهم الداعشي الذي دخل الكويت وفجر نفسه في مسجد الامام الصادق - عليه السلام - ليقيم الحد الشرعي - وفق عقيدته - على مصلين صائمين في شهر رمضان. لا أريد أن أربط بين ذلك البرنامج التلفزيوني الذي أذيع في شهر يوليو من سنة 2014 وبين تفجير المسجد الذي تم في 26 يونيو 2015، ولكنني أجزم بأن خطابات التحريض على كراهية اتباع تلك الطائفة كان لها دور رئيس في تحفيز الارهابي على قتل أكبر عدد منهم. فالمحور الذي ادعو إلى تطويره في منظومة العدل هو التصدي لخطابات التحريض على الكراهية الفئوية. قد أتفهم حق الشيخ في طرح عقيدته وفق الكتب التي يعتبرها موثوقة، ولكن يفترض أن يقرنها بما يمنع تحريض المستمعين على قتل الآخرين، خصوصا وأن شبكة الانترنت مليئة بمقاطع وأخبار القتل على الهوية المذهبية بحجة أن القتلى مشركون. ولكن ما لا أتفهمه هو افلاته من العقوبة على خلفية الإشاعات التي أطلقها ضد معتقدات طائفة كويتية أصيلة. لأن من شأن تلك الاشاعات الحض على الكراهية الفئوية التي قد تؤدي إلى فتن طائفية. فالشيخ اتهم تلك الطائفة بالقول «بالصلاة إلى القبر وترك القبلة»! أتساءل هل يصح أن نصنف هذا الطرح بحثا علميا من دون عرض أي دليل من الأحاديث المعتبرة أو من آراء المراجع العظام لدى تلك الطائفة؟ الشيخ حكم على اتباع تلك الطائفة بأنهم «جاؤوا لإفساد هذا الدين، ولكن ليس بمواجهته وإنما من خلال الدخول فيه، فهم يحاولون افساد الدين من الداخل، اظهار انهم من المسلمين ليفسدوا الدين من الداخل»، وأضاف أن «الغدر هو الاصل فيهم»، وقال إن «تاريخهم أسود ولا يؤتمنون، ويخشى جانبهم، ويجب علينا أن نكون حذرين معهم، ولا يمكنون»! كيف يمكن لمجتمع ما أن يتعايش وهو يسمح بهكذا خطاب؟ أليس هذا خطابا على كراهية أتباع تلك الطائفة؟ أتساءل هل لدى الشيخ أدلة من الكتب المعتبرة لدى تلك الطائفة؟ بلا شك مؤلفوها ومراجعهم من غير ابناء تلك الطائفة، وبذلك فهي لا تصلح لاتهامهم كطائفة، بل يقتصر أثرها على سلوك المشمولين بالأحداث التاريخية المزعومة، مثلما نرفض أن ينسب الارهاب إلى الاسلام بالرغم من كثرة الارهابيين المسلمين. من أخطر ما جاء على لسان الشيخ في البرنامج التلفزيوني هو قوله «أنا أختصر الآن الكلام للاخوة جميعا، أنا أقول علماؤهم كفار، انتهى الأمر». لذلك أدعو علماء تلك الطائفة الكويتيين أخذ الحيطة والحذر، كما أناشد «الداخلية» توفير الحماية الشخصية اللازمة لهم... «اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه». abdnakhi@yahoo.com

مشاركة :