القاهرة - قال مسؤول في صندوق النقد الدولي الأربعاء إن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي تتبعه مصر والمرتبط بقرض الصندوق "يسير على ما يرام" متوقعا صرف الدفعة الثانية من القرض في الربيع المقبل. وقال كريس غارفيس رئيس بعثة الصندوق الى مصر في مؤتمر صحافي بثت وقائعه على موقع الصندوق "اعتقد أن مصر قامت ببداية جيدة". وتعتزم مصر إلغاء القيود الباقية على التحويلات والإيداع بالعملة الصعبة بنهاية يونيو/حزيران وإصلاح قطاع الطاقة لديها في إطار جهود طموحة لإصلاح الاقتصاد بموجب اتفاق مع صندوق النقد الدولي جرى نشر تفاصيله الأربعاء. ووافق صندوق النقد الدولي على برنامج لمدة ثلاث سنوات مع مصر في نوفمبر/تشرين الثاني وأفرج عن شريحة أولى بقيمة 2.75 مليار دولار من قرض قيمته 12 مليار دولار يهدف إلى إعطاء دفعة للاقتصاد الذي تضرر بفعل سنوات من الاضطرابات أعقبت انتفاضة 2011 وأدت إلى عزوف المستثمرين والسياح وهما مصدران رئيسيان للعملة الصعبة. وقال الصندوق إن مصر تتجه صوب تلقي الشريحة الثانية من القرض والتي تتوقف على زيارة تقوم بها بعثة الصندوق لمراجعة مدى التقدم في برنامج الإصلاح الاقتصادي في نهاية فبراير/شباط. وقال غارفيس "رغم أن (المؤشرات الاقتصادية) لديسمبر لم تصدر بعد فإن المؤشرات الأولية تظهر أن مصر ستفي على الأرجح بمعايير الشريحة التالية من القرض". ودخل الاتفاق حيز التنفيذ بعد أيام قليلة من إقدام البنك المركزي المصري على خطوة جذرية بتحرير سعر صرف الجنيه في أسواق العملة. لكن التفاصيل الخاصة بالاتفاق والجدول الزمني للإصلاحات الحكومية لم يتم نشرها كاملة على الفور مما أثار تساؤلات من قبل خبراء اقتصاديين بشأن الكيفية التي من المتوقع أن تتابع بها الأسواق مدى التقدم الذي ستحرزه الحكومة. ونشر صندوق النقد الاربعاء تقرير بعثته الذي يوضح المعالم الأساسية لتقييم طلب مصر بجانب تفاصيل من برنامجها للإصلاح الاقتصادي. وجرى بالفعل تطبيق الكثير من الإصلاحات الأكثر صعوبة مثل تحرير سعر صرف الجنيه وتطبيق ضريبة القيمة المضافة. وانخفضت قيمة الجنيه المصري لأقل من النصف مقابل الدولار منذ تحرير سعر الصرف ليجرى تداوله عند نحو 19 جنيها للدولار الاربعاء. وقال غارفيس إن سعر صرف العملة في مصر انخفض أكثر مما توقعه الصندوق بالنظر إلى العوامل الأساسية. ويحدد البرنامج مجموعة من التدابير الأخرى بما في ذلك إلغاء دعم الطاقة وإصلاح الشركات الحكومية وإدخال إصلاحات على السياسة النقدية والتي ستنفذها مصر على مدى السنوات الثلاث القادمة لاستعادة الاستقرار الاقتصادي وتحقيق النمو على الأجل الطويل. وقال الصندوق "مع تطبيق التدابير الواردة في هذا البرنامج فإن مصر تتحرك صوب اتجاه اقتصادي جديد يتلاءم مع دورها الهام في العالم العربي ومع تطلعات جيل جديد". وأضاف "استعادة استقرار الاقتصاد الكلي سيسمح لمصر بتجاوز الاضطراب الاقتصادي في فترة ما بعد الثورة." وأدى تفاقم أزمة نقص الدولار إلى شل حركة الواردات في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة تفاقم الدين العام لأسباب من بينها التكلفة الهائلة للدعم وضعف حصيلة الضرائب. ووفقا للتقرير الوارد في 72 صفحة تعهدت الحكومة بالإبقاء على سعر صرف مرن مع التدخل فقط من حين لآخر لمنع حدوث تقلبات مفرطة قصيرة الأجل في سعر الصرف. كما تعهدت الحكومة أيضا بإلغاء سقف الإيداع النقدي بالعملة الصعبة البالغ 50 ألف دولار للشركات المستوردة للسلع غير الأساسية وسقف تحويلات الأفراد للخارج البالغ 100 ألف دولار في الوقت الذي تسعى فيه لزيادة احتياطيات النقد الأجنبي المتراجعة. وبدلا من قيامه بإدارة سعر الصرف سيستهدف البنك المركزي التضخم. ويتوقع صندوق النقد الدولي أن يبلغ التضخم 19 في المئة في السنة المالية الحالية بسبب تحرير سعر الصرف وخفض الدعم وتطبيق ضريبة القيمة المضافة. وتتوقع الخطة هبوط التضخم إلى سبعة في المئة بنهاية البرنامج مع تشديد البنك المركزي للسياسة النقدية باستخدام أسعار الفائدة وأدوات أخرى. وقال غارفيس إن الصندوق يتوقع أن يبدأ التضخم في الانخفاض بشدة بحلول الربع الثاني من 2017. وتعهدت الحكومة في طلبها المقدم إلى صندوق النقد بالبدء في نشر تقارير بشأن الاستدامة المالية وتقارير فصلية بشأن التضخم والسياسة النقدية لمنح المستثمرين مزيدا من وضوح الرؤية. لكن الإجراءات التقشفية المزمعة تنطوي على مخاطر سياسية جمة للرئيس عبد الفتاح السيسي الذي تعهد باستعادة الاستقرار والازدهار حينما تولي الحكم في منتصف 2013. ورغم أنه لم تقع احتجاجات فقد قفز التضخم إلى أكثر من 20 في المئة ويقول مواطنون إنهم يجدون صعوبة في تدبير نفقات المعيشة. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن معدل التضخم الأساسي السنوي قفز إلى 25.86 بالمئة في ديسمبر/كانون الأول من 20.73 بالمئة في نوفمبر/تشرين الثاني. وفي تقريره اعترف الصندوق بأن المخاطر تتمثل في أن الحكومة قد ترضخ لضغوط سياسية لإبطاء وتيرة إصلاحات صعبة. وقال الصندوق "تأتي أهم المخاطر على البرنامج الوطني من المصاعب التي ينطوي عليها تنفيذ برنامج إصلاحي قوي وواسع النطاق". وأضاف الصندوق "قد يتسبب عدم تشديد السياسة النقدية بالقدر الكافي في نشأة ضغوط على صعيد سعر الصرف والتضخم وفقدان الاحتياطيات. يمكن أن تتعرض الإصلاحات الهيكلية للمقاومة من أصحاب المصالح الخاصة". وتابع "هناك مخاطر تنبع من إمكانية احتدام الصراعات الإقليمية وتدهور الأوضاع الأمنية الداخلية". إصلاح قطاع البترول يلزم الاتفاق مصر أيضا بإجراء إصلاحات هيكلية على المدى الطويل ووضع قوانين جديدة للإفلاس ومنح التراخيص الصناعية وتشريعات أخرى تهدف إلى تقليص الروتين الحكومي وتشجيع استثمارات القطاع الخاص. ومن بين أجرأ تلك الخطوات خطة تضعها مصر لإصلاح قطاع البترول بوجه عام والهيئة المصرية العامة للبترول بشكل خاص. وستقوم مصر بالانتهاء من تطوير الخطة بنهاية مارس/آذار. ومن المقرر أن تسدد الهيئة المصرية العامة للبترول مستحقات متأخرة بنحو 3.6 مليار دولار لشركات النفط العالمية مع العمل على عدم تراكم مستحقات جديدة عليها. وعلى الصعيد المالي التزمت الحكومة بإلغاء دعم البنزين ووقود الديزل (السولار) في السنة المالية 2018-2019 وستقوم الحكومة بنشر تقارير بشأن الاستدامة المالية وتقارير فصلية بشأن التضخم والسياسة النقدية لمنح المستثمرين مزيدا من وضوح الرؤية. وقالت الحكومة في نص خطاب النوايا الذي نشر ضمن تقرير بعثة الصندوق "نعتقد أن السياسات التي جرى ذكرها...كافية لتحقيق أهداف برنامجنا على المدى المتوسط." ويشير التقرير إلى أن من المتوقع أن تخفض الإجراءات الحكومية الدين العام من نحو 95 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2015-2016 إلى نحو 86 في المئة بحلول السنة المالية 2018-2019 و78 في المئة بحلول 2020-2022. ومن المتوقع أن يظل نمو الناتج المحلي الإجمالي مستقرا عند نحو أربعة في المئة في السنة المالية الحالية في الوقت الذي يكبح فيه ارتفاع أسعار الفائدة وإجراءات التقشف الحكومية والتضخم نشاط الأعمال. وقال التقرير إن من المتوقع أن يرتفع النمو إلى ما بين خمسة وستة في المئة على المدى المتوسط. وأضاف أن مصر ستطبق ضريبة الأرباح الرأسمالية على معاملات البورصة في موعد لا يتجاوز السنة المالية 2017-2018. وقرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمته 12 مليار دولار جزء من حزمة تمويل أكبر تحصل عليها مصر التي تقدر احتياجاتها بنحو 35 مليار دولار على مدى ثلاث سنوات. وقال صندوق النقد إن البرنامج ممول بالكامل للسنة الأولى لكن هناك حاجة إلى تمويل إضافي للعامين التاليين. وأكد التقرير أن الصين والإمارات العربية المتحدة وألمانيا وبريطانيا وفرنسا واليابان ساهموا جميعا في التمويل بأشكال متنوعة. لكن التقرير لم يذكر اسم المملكة العربية السعودية التي كانت ذات يوم إحدى أقرب الدول الداعمة لمصر. وتسببت الخلافات بين البلدين بشأن القضايا الإقليمية في تعكير صفو العلاقات بينهما خلال الأشهر الأخيرة وعلقت المملكة الإمدادات البترولية لمصر في العام 2016.
مشاركة :