قبل ثماني سنوات، فاز باراك أوباما بالرئاسة، ووعد بتغيير وجه أميركا، و «دمل جروحها، وإصلاح حال العالم» وإبطاء ارتفاع مياه المحيطات وطي الحروب في الخارج وردم الشقاق السياسي في الداخل الأميركي. ولكن، في ختام ولايته، الحزب الديموقراطي في ضعف لم يعرفه منذ عشرينات القرن العشرين. والجمهوريون اليوم يمسكون بمقاليد الرئاسة ومجلسي الشيوخ والنواب، وفي يدهم غالبية ممثلي الولايات والحكّام. وبعض المعجبين بالرئيس أوباما يقول أن أميركا مصابة بالتعصب والجهل، وبعض آخر يرى أن المسؤول عن فشله هو الحزب الجمهوري الذي عرقل سياساته، وغيرهم يقول أن إدارته لم تحسن ترويج عظمته. لكن هذه أعذار وليست تفسيرات. ففي العامين الأولين من ولايته الأولى، كان الديموقراطيون غالبية في مجلسي الكونغرس، وأقر مشاريعه التشريعية، ومنها ما عرف بأوباما كير، وقواعد مالية ناظمة، وزيادة مساعدات البطالة. لكن الحزب الديموقراطي أصيب بمقتل بعدما تبين أن أوباما بارع في نظم الشعر وسيئ في النثر (الإدارة). ففي الاقتصاد ورث ركوداً هائلاً، لكنه، من جهة، أفلح في خفض معدلات البطالة، وازدهرت أسواق الأسهم. ومن جهة أخرى، التعافي الاقتصادي بالغ الضعف، والنمو السنوي لم يزد عن 3 في المئة. ونسبة مشاركة القوى العاملة في سوق العمل هي الأضعف منذ السبعينات إلى اليوم. والرواتب على حالها أو تقلصت أربعة أخماس منذ 2008، تاريخ اندلاع الأزمة المالية. وفاقم الأمور ضعف كفاءة إدارة أوباما، وتحديداً في ما يعتبر إنجازه: أوباما كير. فموقع أوباما كير الإلكتروني كان في حال يرثى لها. ولم يف أوباما بوعوده، ومفادها أن الأميركيين لن يضطروا إلى الاستغناء عن أطبائهم الذين يعرفون وسيسعهم اختيار رزمة التأمين الصحي التي يشاؤونها. وعوض ضمان سعر تأمين أبخس للعائلات، وخفض كلفة الطبابة على المكلفين، ارتفعت الكلفة. وأعوام أوباما اتسمت بالفوضى واضطراب النظام العالمي، تحديداً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث انهارت دول وتبددت الحدود. وتكاثرت أعداد الـ «جنات الإرهابية» الآمنة أكثر من أي وقت مضى. وصار كل من روسيا والصين أكثر عدائية ونفوذاً. ولم يعد خصوم أميركا يخفون ازدراءهم، واهتزت ثقة الأصدقاء بنا. والحق يقال أن أعظم إخفاقات أوباما داخلية. فركن حملته الانتخابية في 2008 كان الوعد بطي سياسات تفاقم الانقسام والنزاع. لكنه يترك أميركا اليوم وهي أكثر انقساماً وتنازعاً وتخففاً من المبادئ المعيارية. ويرى أكثر من 70 في المئة من الأميركيين أن بلادهم أكثر انقساماً اليوم عما كانت عليه في 2009. والعلاقات بين الأعراق في أسوأ أحوالها، والأمة مستقطبة ومشرذمة مثلما كانت حالها في قرون سالفة (بين 1500 و1815). ولا شك في أن لائمة الحال التي نحن عليها لا يتحملها أوباما فحسب. فالجمهوريون انتهجوا خطاباً متهوراً لا يقيم وزناً للنتائج والأخطار، والرئيس المنتخب ألّب الأميركيين بعضهم على بعض. لكن أوباما ساهم في ما آلت إليه الأمور. وفي خطابه الوداعي، دعا الأميركيين إلى الأخذ بنصيحة أتيكوس فينش، الشخصية الأدبية الخيالية، والنظر إلى الأمور من وجهة نظر الآخر. لكنه لم يحتسب آراء تخالفه الرأي، وازدرى معارضيه، وطعن في نواياهم وكذب دواعيهم. واستخف بآراء من يخالفونه الرأي كما لو أنه أستاذ مضطر إلى التعامل مع تلاميذ مشاكسين. وفي ولايته شعر كثر بأن لا صوت لهم، وأنهم على هامش الحياة السياسية والاجتماعية. * كاتب، محلل شؤون سياسية وثقافية ومسائل الأمن القومي، عن «نيويورك تايمز» الأميركية، 14/1/2017، إعداد منال نحاس.
مشاركة :