نجا النائب أيمن عودة، رئيس «القائمة المشتركة»، بأعجوبة من رصاصة صوبها أحد أفراد الشرطة الإسرائيلية نحو رأسه، فأصيب بجروح خفيفة، وذلك خلال عملية هدم واسعة، نفذتها الجرافات الإسرائيلية طوال أمس، وأسفرت عن هدم 15 مبنى عربيا في النقب، ومقتل رجل شرطة إسرائيلي ومعلم مدرسة، وإصابة 27 شخصا واعتقالات واسعة. وهاتف الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، رئيس القائمة المشتركة في الكنيست، واطمأن على صحته. وقدّم عباس التعازي «باستشهاد الشاب يعقوب أبو القيعان، وتمنى الشفاء العاجل لجميع الجرحى». وأدان أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، صائب عريقات «الجريمة التي ارتكبتها الشرطة الإسرائيلية في قرية أم الحيران في النقب، واستشهاد الشاب يعقوب أبو القيعان وجرح آخرين». وأعرب عن شجبه للاعتداء السافر على عودة. وقع الحادث في قرية صغيرة لبدو النقب تدعى «أم الحيران»، يقطنها نحو مائة شخص من عائلة أبو القيعان، هم بقايا سكان البلدة، التي بدأت السلطات الإسرائيلية بترحيلهم منذ عشر سنوات، وهي تصر على ترحيلهم عنها لأنها تريد إقامة بلدة يهودية، تحمل الاسم نفسه «حيران». كان المواطنون في القرية، قد شعروا بالخطر منذ أن قامت الشرطة بهدم 11 بيتا في قلنسوة قبل أسبوع، وزارهم ليلا، النائب أيمن عودة، وحاول وإياهم التوصل إلى اتفاق ما يلغي الهدم ويجد لهم مأوى آخر. واتصل عودة في هذه الأثناء، بوزير المالية، موشيه كحلون، ووزير الأمن الداخلي والشرطة، جلعاد أردان، وتوصل معهما إلى صيغة وافق عليها غالبية السكان، إلا أن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، رفض التسوية وأصر على الهدم. وفي ساعات الفجر الأولى، داهمت البلدة قوة كبيرة من الشرطة وحرس الحدود ووحدة قمع الشغب، ضمت نحو ألف جندي، مدججين بالأسلحة، وراحت تخرج المواطنين بالقوة من بيوتهم و«تهجيج» المواشي من حظائرها، وعندما احتج المواطنون ومعهم أيمن عودة على هذا الإجراء، وقاوموا الهدم بالأجساد، راحت قوات القمع تضربهم بالهراوات وبأكعب البنادق، بمن فيهم النائب أيمن عودة، وعندما اشتد الصدام وبدا أن المواطنين، برجالهم ونسائهم وأطفالهم، لن يسمحوا بتنفيذ الهدم، راحت الشرطة تستخدم القنابل الصوتية وقنابل الغاز، ثم الرصاص المطاطي، وأصيب 27 شخصا بجراح ما بين خفيفة ومتوسطة، برزت فيها الكسور والصدوع في العظام، وبالإضافة إلى الإصابات في الساقين، تعرض أيمن عودة لرصاصة مطاطية في جبينه، أطلقها شرطي من مسافة قريبة، وبأعجوبة لم تكن الإصابة خطيرة، مع أن الرصاصة وُجّهت نحو الرأس. وقد سادت فوضى عارمة من جراء إطلاق الرصاص والقنابل. وحسب رواية الأهالي، فإن معلم الرياضيات في القرية، يعقوب أبو القيعان، حاول الهرب من المكان بسيارة جيب كبيرة، فأطلق عليه رجال الشرطة نيرانا كثيفة فأردوه قتيلا، فتدحرجت سيارته نحو منحدر شديد عند مدخل البلدة، ووصلت إلى تجمع لرجال الشرطة ودهست أحدهم فلقي حتفه، لكن الشرطة قدمت رواية أخرى، تقول، إن أبو القيعان تعمد دهس الجنود مثلما يفعل رجالات «داعش»؛ ولتعزيز هذه الرواية، ادعت أنها خلال تفتيش بيته، اكتشفت جريدة قديمة فيها تقرير عن عملية دهس نفذها رجالات «داعش»، وأنها عثرت على منشورات أخرى تثير الشكوك في أنه قريب من أفكار «داعش»، فاعتبرتها «عملية إرهاب داعشي»، الأمر الذي نفاه أقرباؤه، مؤكدين أنه مدرس محترم من عائلة رجال علم، فأخوه مفتش معارف، وهي وظيفة عالية في وزارة التعليم الإسرائيلية، وأخوه الثاني مدير مدرسة حكومية. وقال أحد شهود العيان، إن يعقوب أبو القيعان أراد مغادرة المكان حتى لا يرى منزله وهو يهدم، فجمع بعض ملابسه وسافر بسيارته، فأطلق أفراد الشرطة النار عليه، وبقي رأسه على المقود، وأُطلق صوت بوق السيارة، ثم أنزلوه من السيارة وأطلقوا النار على رأسه، وترك وهو ينزف نحو 3 ساعات. وقال مواطن يهودي من المتضامنين مع بدو النقب، ويدعى كوبي سنيتش، إن أبو القيعان قتل قبل أن يدهس الشرطي. وقال النائب أيمن عودة، الذي عاد من العلاج في المستشفى إلى ساحة المعركة في أم الحيران، إن الهجوم على أم الحيران هجوم سياسي جاء بقرار مدروس من نتنياهو، وأضاف عودة في حديث خاص بـ«الشرق الأوسط»، إن نتنياهو أمر بهذه العملية لكي يغطي على الأنباء التي تغرق وسائل الإعلام عن التحقيقات في قضايا الفساد معه ومع أفراد عائلته، وتابع: «في الدقيقة التسعين عرضنا على الوزيرين المعنيين تجميد الهدم بضعة أيام للاتفاق على تسوية... قلنا لهم إن الحكومة امتنعت وما زالت تمتنع عن إخلاء المستوطنين في (بؤرة) عمونة (الاستيطانية)، مع أن هناك قرارا بإخلائهم وهدم بيوتهم في محكمة العدل العليا... واتفقت معهما على صيغة تسوية، فيها كثير من الغبن، لكن الأهالي قبلوها في سبيل منع الصدام وحقن الدماء. لكن نتنياهو رفض التسوية، التي وافق عليها وزيران في حكومته، ليس هنالك ذرة شك في أنه أراد هذه الزوبعة لخدمة مصالحه الحزبية ومفاهيمه العنصرية... إنه يحاول إرضاء المستوطنين بأي ثمن، على حساب العرب، خصوصا أن قبضة الاتهام بالفساد تضيق حول رقبته». وعلى إثر هذه الجريمة وعلى أنقاض البيوت المهدومة، اجتمعت لجنة المتابعة العليا لشؤون الجماهير العربية في إسرائيل، التي تضم جميع الأحزاب الوطنية والنواب العرب في الكنيست، ورؤساء البلديات، وقادة اللجان الشعبية، وقررت إعلان الإضراب العام والحداد اليوم (باستثناء المدارس)، على أن يجري تخصيص حصتين في المدارس لشرح قضية الهدم، واعتصامات طلابية في المدارس، ويشمل الإضراب كذلك، السلطات المحلية العربية ورفع الأعلام السوداء، كما قررت تنظيم مسيرة سيارات إلى مكاتب الحكومة في القدس الغربية، يوم الاثنين المقبل، وقررت اللجنة أيضا، أن تجتمع في مقرها في الناصرة اليوم لاتخاذ قرارات إضافية. وطالب رئيس لجنة المتابعة، محمد بركة، المجتمع الدولي بـ«فرض الحماية الدولية على جماهيرنا العربية، في ضوء استفحال عدوانية المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة ضدنا، بأوامر واضحة صادرة عن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وبإجماع حكومته... وهذا ما لمسناه منذ الأسبوع الماضي، على وجه التحديد في مدينة قلنسوة، وتصريح نتنياهو الذي أعقب تلك الجريمة، الذي تعهد فيه بمزيد من الجرائم، وهذا ما يتحقق اليوم في الجريمة الدائرة في أم الحيران، التي أسفرت عن استشهاد شاب، وإصابة العشرات»، وناشدت متابعة العمل على تحشيد كبير لمظاهرة يوم السبت المقبل في عارة لتكون صرخة كبيرة، ردا على جريمة الأجهزة الإسرائيلية في قرية أم الحيران، واقترح أيمن عودة «تنظيم مسيرة سيرًا على الأقدام لمقرّ الحكومة في القدس»، في حين اقترح النائب طلب أبو عرار «تشكيل لجنة تحقيق» في مقتل الشهيد. يذكر أن نتنياهو ووزراءه راحوا يتحدثون عن الحدث كما لو أنهم خاضوا حربا ضد الإرهاب وانتصروا فيها؛ فأصدر بيانا اعتبر فيه العملية تقوي العزيمة، وقال: «لقد قتل لنا شرطي في عملية دهس إرهابية، وهي عملية الدهس الإرهابية الثانية التي شاهدناها في غضون أيام معدودة... إننا نحارب هذه الظاهرة القاتلة التي تضرب إسرائيل ودول العالم على حد سواء». وزعم نتنياهو أن «دولة إسرائيل هي قبل أي شيء آخر دولة قانون والقانون سيطبق فيها بشكل متساوٍ... هذا الحادث لن يردعنا وإنما يقوي عزيمتنا ويزيدنا إصرارا على فرض أحكام القانون في كل مكان». وحرض نتنياهو على النواب العرب، وقال: «أطلب من الجميع وعلى رأسهم نواب الكنيست بالتحلي بالمسؤولية والكف عن التحريض على العنف». من جانبه، حمل عريقات، في بيان أصدره، حكومة نتنياهو مسؤولية تصعيدها المدروس على كل الفلسطينيين، وقال: «اتخذت حكومة الاحتلال قرارا علنيا بالرد على المجتمع الدولي ومبادراته الداعية إلى تحقيق السلام، وأصرت على مشاريعها القائمة على التمييز العنصري والتطهير العرقي وإخلاء السكان الأصليين من أرضهم وإلغاء وجودهم وإحلال اليهود محلهم، في محاولة بائسة لتثبيت (يهودية الدولة)، حيث يقبع 1.7 مليون مواطن فلسطيني في ظل نظام تمييز عنصري ممنهج»، مشيرا إلى عمليات الهدم التي بدأت في قلنسوة، وتواصلت بالأمس في مخيم قلنديا، واليوم في أم الحيران. وطالب عريقات المجتمع الدولي، بلجم الهجمة المسعورة التي يقودها نتنياهو ووزراؤه المستوطنون ضد الأرض والمنازل والموارد الفلسطينية، وقال إن «الصمت الدولي إزاء الممارسات العنصرية الإسرائيلية سيمنحها مزيدا من الوقت والحصانة للتفرد بشعبنا، وسيشرع الأبواب لجميع الاحتمالات، والمطلوب الآن تحرك دولي عاجل لوقف هذا الانفلات قبل فوات الأوان». أم الحيران * عائلة أبو القيعان هي جزء من قبيلة كبيرة كانت تسكن في منطقة أخرى وتم تهجيرها مرات عدة، وكان أول تهجير في سنة 1952، حيث كانت السلطات الإسرائيلية تستفرد بالبدو في الجنوب، إذ كانت علاقتهم مقطوعة عن الحراك الوطني في الشمال، وكان الحكم العسكري مفروضا على جميع السكان العرب، ولا يتاح لهم التنقل إلا بتصريح، وقد نقلوا إلى منطقة تدعى «أحراج لاهف». وفي سنة 1956، تم تهجيرهم للمرة الثانية إلى منطقة أم الحيران، ووعدوهم بأن يتاح لهم بناء البيوت والاستقرار في هذه الأرض، ولكن السلطات لم تف بوعودها، ومنعتهم من إقامة أي مشروع للاستقرار؛ على سبيل المثال لم تتح لهم توصيل المياه إلى البلدة إلا في عام 2000. وقبل عشر سنوات، عندما أصبح سكان القرية يعدون ألف نسمة، تم إبلاغهم بأنهم عليهم الهجرة من جديد، وهذه المرة إلى قرية حورة، القائمة على مقربة 8 كيلومترات من بلدتهم. وتبين أن «دائرة إدارة أراضي إسرائيل»، وهي مؤسسة تتولى شؤون إدارة كل الأراضي العامة، وأمس - فقط - نُشر تقرير (مراقب) الذي يشير إلى قضايا فساد كبيرة فيها، قررت منح أراضيهم إلى عائلة يهودية ثرية من خمسة أفراد، لتقيم نواة قرية تدعى حيران، وفي سبيل ممارسة الضغوط عليهم، قطعوا عنهم الماء في سنة 2010، ورفعوا دعوى ضدهم في المحكمة، وأقرت المحكمة إخلاءهم وترحيلهم من جديد.
مشاركة :