بيروت: إلياس سحّاب في الشهر الأخير من عام 1974، رحل عن عالمنا أحد أقطاب الموسيقى والغناء عند العرب في القرن العشرين، الذي أحدث ضجة في القاهرة عند ظهوره مع شقيقته أسمهان في ثلاثينات القرن العشرين، أي في عصر محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، وتميّزا وسط الكبار. إنه فريد الأطرش (الذي ولد عام 1910) وحكايته مع شقيقته ورحلتهما في عالم الفن الأصيل. رغم أن أسمهان قد سبقت شقيقها فريد في لفت أسماع وأنظار الوسط الفني الكبير في القاهرة، ومع أن هذا الوسط قد اعترف بفريد الأطرش بعد ذلك ملحناً، قبل أن يعترف به مطرباً، فقد ظهر الاثنان في فيلمهما الأول انتصار الشباب، عام 1941، وصنف فريد الأطرش، بين مطربي وملحني إذاعة القاهرة، التي كانت حديثة العهد (1934)، التي ظلت تقدم وصلات للمطربين والمطربات المعتمدين لسنوات طويلة، عبر حفلات حية تقدم من استوديوهات الإذاعة، وتبث مباشرة على الهواء. منذ تلك السنوات الأولى، كان كل من الشقيقين، فريد وأسمهان، قد أدخلا إلى عالم الغناء الرجالي والنسائي في القاهرة، عاصمة الفن العربي، طعم مشرقية اكتسباها من أصلهما السوري، ومن تمكنهما من التراث الفولكلوري في بلادهما، عن طريق والدتهما، صاحبة الصوت الجميل، علياء المنذر. بدأ فريد الأطرش حياته الفنية، بثلاث أغانٍ لملحنين آخرين: يا ريتني طير لأطير حواليك، من كلمات وألحان اللبناني يحيي اللبابيدي. وكرهت حبك، ومن يوم ما حبك فؤادي ألحان المصري مدحت عاصم، الذي قدم لأسمهان لحن دخلت مرة في جنينة ويا حبيبي تعال الحقني، لكن فريد الأطرش لم يقدم بعد ذلك خلال حياته الفنية الطويلة والغزيرة، إلا أغانٍ من ألحانه. كانت بداياتها في إذاعة القاهرة، وعلى أسطوانات بيضافون، لكنه انصرف، خاصة بعد الرحيل الفاجع لشقيقته، (توفيت أسمهان في مقتبل شبابها أي قبل فريد بثلاثين عاماً بالضبط، في عام 1944)، إلى تقديم سلسلة طويلة من الأفلام السينمائية الغنائية، التي راح يستعرض من خلالها، إضافة إلى بعض الحفلات الحية على المسرح، مواهبه الموسيقية والغنائية، التي لاقت استحساناً عند جمهور عربي واسع بين المحيط والخليج. وبعد توقف محمد عبد الوهاب عن الظهور في السينما، في فيلم لست ملاكاً (أمام نور الهدى) في عام 1946، تحول فريد الأطرش إلى منافسة محمد فوزي في عالم الأفلام الغنائية. وبعد رحيل محمد فوزي في منتصف الستينات، ظل فريد الأطرش ينافس عبد الحليم حافظ، في مجال السينما الغنائية، وفي حفلاته الحية على المسرح؛ حيث كان التنافس الفني شديداً بينهما، حتى رحيل فريد عام 1974. النكهة المشرقية لفريد الأطرش، موسيقياً وغنائياً، كانت أكثر ظهوراً في بداياته الأولى في فيلم أحلام الشباب (أمام تحية كاريوكا)؛ حيث شاركته الغناء المطربة فتحية أحمد، ثم فيلم بلبل أفندي، أمام صباح؛ حيث استعرض في أغنياته وألحانه في هذين الفيلمين بالذات مخزونه من المزاج المشرقي في الغناء بغزارة لفتت أسماع المحترفين والجمهور. كما ظهرت هذه النغمة بعد ذلك في استعراض بساط الريح في فيلم آخر كذبة. بعد تلك السنوات، انخرط فريد الأطرش تدريجياً في المدرسة المصرية متأثراً بكبار أقطابها، خاصة محمد عبد الوهاب، لكنه بقي حتى آخر أيامه، يتمتع بنفس موسيقي وغنائي مميز، خاصة في مجال الأغنية العاطفية القصيرة والطويلة. ومع أن أوضاع فريد الأطرش الفنية لم تعد على ما يرام في أواخر أيامه، مما دفعه إلى الانتقال لفترة قصيرة إلى بيروت، إلا أنه لم يكن يتأخر في رحلاته الموسمية والدائمة إلى القاهرة، حتى أنه أوصى في أيامه الأخيرة في بيروت، أن يدفن في القاهرة، وكان له ما أراد؛ إذ دفن بجوار شقيقته أسمهان. في النهاية، لا يمكننا أن ننسى أن فريد الأطرش كان من بين عباقرة العزف على آلة العود عند العرب المعاصرين، الذي ظل يسبقه إلى المسرح حتى آخر حفلاته الغنائية، كما ظل صوت العود يتردد في جميع أغنياته، إلى جانب صوته.
مشاركة :