واشنطن - يستعد دونالد ترامب لتوقيع إجراءات تنفيذية في أول أيامه بالبيت الأبيض الجمعة ليتخذ خطواته الأولى الرامية إلى تضييق الخناق على الهجرة والتي تتضمن بناء جدار على حدود الولايات المتحدة مع المكسيك وتراجعا عن سياسات الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما. وتحولت واشنطن إلى حصن فعلي الخميس قبيل تنصيب ترامب رئيسا للبلاد فيما خرج ألوف إلى شوارع نيويورك للتعبير عن استيائهم من إدارته القادمة. ووصل ترامب -الجمهوري الذي انتخب في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني خلفا لأوباما الديمقراطي- إلى واشنطن على متن طائرة عسكرية مع أسرته قبل يوم من أدائه اليمين الدستورية في مراسم بمقر الكونغرس. وقال مساعدون لترامب إنه لن ينتظر لاستخدام واحدة من أقوى أدوات منصبه وهي القلم الرئاسي لتوقيع عدد من الإجراءات التنفيذية التي يمكن تطبيقها دون تدخل من الكونغرس. وقال شون سبايسر المتحدث باسم ترامب للصحفيين الخميس "إنه ملتزم ليس فقط في اليوم الأول وإنما أيضا في اليومين الثاني والثالث بوضع أجندة تغيير حقيقي وأعتقد أنكم سترون ذلك في الأيام والأسابيع المقبلة." وأبلغهم بتوقع انخراطه في عدد من الأنشطة الجمعة وخلال عطلة نهاية الأسبوع وبداية الأسبوع المقبل. ويخطط ترامب لزيارة مقر المخابرات المركزية الأميركية (سي.آي.إيه) السبت في لانغلي بولاية فرجينيا. وينتقد ترامب بشدة الوكالة ورئيسها المنتهية ولايته حيث شكك في البداية فيما خلصت إليه السي.آي.إيه حول ضلوع روسيا في اختراق إلكتروني خلال الانتخابات الأميركية لكنه عاد لاحقا وقبل ما ذكرته الوكالة. كما شبه ترامب أيضا أجهزة الاستخبارات الأميركية بألمانيا النازية. وذكر أحد أعضاء الفريق الانتقالي لترامب غير مخول له الحديث للصحافة أن مستشاري ترامب فحصوا أكثر من 200 أمر تنفيذي محتمل لدراسة توقيعه عليها وتتعلق بالرعاية الصحية وسياسات المناخ والهجرة والطاقة والعديد من الأمور الأخرى لكن لم يتضح كم عدد الأوامر التي سيوافق عليها بصفة مبدئية. والتوقيع على الأوامر سيضع ترامب -الذي رأس امبراطورية ضخمة في قطاع الأعمال لكنه لم يشغل من قبل أي منصب عام- في مكان مألوف له مشابه لدور الرئيس التنفيذي لمؤسسة ما والذي نال شهرته من خلاله كما سيعطيه انتصارات مبكرة قبل أن يكون لزاما عليه التحول إلى عملية ثقيلة وهي الحصول على مصادقة الكونغرس على مشاريع قوانين. واستخدم رؤساء آخرون -بينهم أوباما- تلك الاستراتيجية في أسابيعهم الأولى بالمنصب. وقال جوليان زليزر المؤرخ المعني بالشؤون الرئاسية بجامعة برنستون "يريد إظهار أنه سيتخذ إجراء ولن يخنقه طريق واشنطن المسدود." ومن المتوقع أن يفرض ترامب تجميدا اتحاديا على توظيف الدولة لعمالة جديدة وأن يتخذ خطوات لتأجيل لائحة لوزارة العمل من المقرر أن تدخل حيز التنفيذ في أبريل/نيسان وتطالب الوسطاء الذين يقدمون نصائح التقاعد بوضع مصلحة عملائهم العليا في المقدمة. وقال سبايسر إنه سيعلن أيضا رسميا أنه يخطط للانسحاب من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي التجارية وإعادة التفاوض بشأن اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) مع كندا والمكسيك. وأضاف "أعتقد أنكم سترون ذلك يحدث قريبا جد." واستخدم أوباما -الذي ينهي ثمانية أعوام في الرئاسة- سلطاته التنفيذية بشكل متكرر خلال فترة رئاسته الثانية عندما أحبط الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون جهوده لتعديل قوانين الهجرة والبيئة. والكثير من تلك الإجراءات هي الآن صيد سمين أمام ترامب للتراجع عنها. 900 الف بين مؤيد ومعارض ومن المتوقع أن يتدفق على شوارع واشنطن نحو 900 ألف مواطن سواء من مؤيدي ترامب أو من معارضيه لحضور مراسم التنصيب وفقا لتقديرات الجهات المنظمة للحدث. وتشمل المراسم أداء اليمين على درج الكونغرس وموكبا إلى البيت الأبيض يطوف بالشوارع التي سيحتشد فيها المتابعون. وعدد الاحتجاجات والاحتشادات المزمعة هذا العام أكبر كثيرا من المعتاد في مثل هذه المراسم إذ صدر نحو 30 تصريحا لتجمعات مناهضة لترامب في واشنطن كما أن هناك تجمعات مزمعة في مدن تمتد من بوسطن إلى لوس انجليس وكذلك في مدن بالخارج منها لندن وسيدني. وعشية يوم التنصيب خرج آلاف في نيويورك للمشاركة في تجمع عند "ترامب إنترناشونال أوتيل آند تاور" ثم ساروا إلى مسافة قريبة جدا من برج ترامب حيث يقيم قطب العقارات ورئيس الولايات المتحدة الجديد. وشارك في الجمع عدد من السياسيين والنشطاء والمشاهير من بينهم بيل دي بلازيو رئيس بلدية نيويورك والممثل أليك بولدوين الذي يحاكي دور ترامب في برنامج ساترداي نايت لايف. وقال دي بلازيو "قد يتحكم دونالد ترامب في واشنطن لكننا نتحكم في مصائرنا كأميركيين. نحن لا نخاف من المستقبل بل نرى أن المستقبل وضاء لو أمكن سماع أصوات الناس." وفي واشنطن اصطفت سيارات الشرطة في معظم أجزاء طريق بنسلفانيا أفنيو الذي سيمر منه الموكب وأنزل عمال حواجز من على شاحنات وأقاموا متاريس ووضعوا شريطا فاصلا عند الرصيف. وقال وزير الأمن الداخلي جيه جونسون إن الشرطة تسعى للفصل بين المجموعات باستخدام أساليب شبيهة بتلك التي استخدمت خلال المؤتمرات السياسية في العام الماضي. وقال لمحطة إم.إس.إن.بي.سي "الشيء المقلق هو أن بعض هذه المجموعات مؤيدة لترامب وبعضها معارضة له لذا فقد لا تسير الأمور على ما يرام إن هي تجمعت في نفس المساحة." وثار غضب معارضي ترامب لما أدلى به خلال حملته من تصريحات عن النساء والمهاجرين والمسلمين وتعهده بإلغاء قانون الإصلاح الشامل للرعاية الصحية المعروف باسم "أوباماكير" وببناء جدار على طول الحدود مع المكسيك. أما أنصاره فمعجبون بخبرته في قطاع الأعمال فهو مطور عقاري بارز وأحد نجوم تلفزيون الواقع وهم يعتبرونه من خارج دوائر الحكم والسياسة التقليدية وسيتبنى نهجا جديدا في السياسات. ومن المقرر إقامة طوق أمني حول مساحة نحو ثمانية كيلومترات مربعة من وسط واشنطن بالاستعانة بقرابة 28 ألفا من أفراد قوات الأمن واستخدام أسيجة تمتد لعدة كيلومترات وحواجز طرق وشاحنات محملة بالرمل. وكانت جماعة من المحتجين تعرف باسم "ديسرابت جيه 20" (أو عطلوا تنصيب ترامب في 20 يناير) قد تعهدت بتنظيم مظاهرات عند كل نقطة من نقاط التفتيش الاثنتي عشرة ومنع الوصول إلى احتفالات التنصيب في متنزه ناشيونال مول في قلب واشنطن. وتعهدت الشرطة ومسؤولو الأمن أكثر من مرة بضمان حقوق المحتجين الدستورية في حرية التعبير والتجمع السلمي. ومن المتوقع أن تقل حشود الجمعة كثيرا عن المليوني شخص الذين حضروا تنصيب أوباما رئيسا للمرة الأولى في 2009 وأن تكون في حدود المليون الذين شاركوا في تنصيبه في فترته الثانية عام 2013.
مشاركة :