المخرج علي عبدالخالق: السينما التي تنفصل عن قضايا شعوبها لا يكتب لها البقاء

  • 1/20/2017
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

المخرج علي عبدالخالق: السينما التي تنفصل عن قضايا شعوبها لا يكتب لها البقاء الحديث عن السينما المصرية هو بالضرورة حديث سياسي، يتفلتُ من كل محاولات حصره في المجالات الفنية، تبعا لالتصاق السينما المصرية بالهموم الجماعية العربية وهذا يحيل على تأثيرها في الوجدان العربي بما تقدمه من مضامين، وأيضا لتأثرها بالتغيرات السياسية التي مست العالم العربي عموما، والقطر المصري على وجه التحديد، وهذا ما يشير إلى تأثرها بما ساد ويسود المنطقة العربية من أحداث. الصناعة السينمائية المصرية ليست حالة فريدة في خضوعها لجدلية التأثير والتأثر بينها وبين الواقع السياسي العام، إلا أن رصد تاريخ السينما المصرية ومفرداتها وقضاياها يقدم صورة صادقة على أن السينما المصرية هي الأكثر ارتباطا بالتغيرات التي تواترت على مصر وعلى المنطقة العربية. وفي هذا الصدد يصبح الحوار مع المخرج المصري علي عبدالخالق مفيدا من زاوية أهميته في تلمس مشكلات السينما المصرية، ودور الدولة في الرفع من منجز القطاع، وأيضا في انعكاس الهموم العربية على اللغة السينمائية المصرية. العربمحمد الإشعابي [نُشرفي2017/01/20، العدد: 10518، ص(12)] سينما تتأثر بالواقع وتسعى إلى تغييره القاهرة - لا يذكر اسم المخرج المصري علي عبدالخالق، إلا وتقفز إلى الأذهان على الفور، أفلام، “أغنية على الممر”، و“إعدام ميت”، و“بئر الخيانة”، و“الكافير”، و“يوم الكرامة”، و“ظاظا رئيس جمهورية”. سجل الأعمال المذكورة يبين أن الهاجس الوطني وتجسيد البعد المجتمعي، هما المسيطران علي عقل عبدالخالق، وهو ما ظهر جليا منذ بداية عمله الإخراجي، مع الأفلام التسجيلية قبل الروائية، ففيلماه التسجيليان “أنشودة الوداع”، و“السويس مدينتي”، كرّسا أوضاع المدن الواقعة على قناة السويس المصرية (شرق مصر)، بعد العدوان الثلاثي الذي شنته بريطانيا وفرنسا وإسرائيل على مصر في عام 1956. يعتبر عبدالخالق، الذي أُدرج على قوائم الاعتقال في بداية عهد الرئيس المصري الراحل أنور السادات نتيجة هجومه الشديد عليه، في حوار مع “العرب”، أن الدولة المصرية كانت في الماضي ضامنة لصناع السينما، من خلال تأمين قروض ميسرة من البنوك الحكومية، تكفي لإنتاج الفيلم بعد الاطلاع على السيناريو، لكن هذا الدور تضاءل كثيرا مع وصول الرئيس الأسبق حسني مبارك إلى سدة الحكم، وهكذا عندما غاب دعم الدولة، غابت صناعة السينما. السينما في أي دولة هي مرآة للمجتمع؛ تعكس آراءه وتنظم اتجاهاته وتعبر عن قيمه وحضارته، وإذا كانت السينما عالميا، يُنظر إليها على أنها “القوة الناعمة” الأهم للدول، فإن الأمر لم يعد كذلك في مصر، على الرغم من الدعم الحكومي الظاهر، لكن الواقع يعكس صورة مغايرة تماما. وبيّن عبدالخالق أنه رغم أن الحكومة المصرية رفعت مخصصات الدعم الموجه لصناعة السينما إلى 50 مليون جنيه (نحو 2.5 مليون دولار) بدلا من 20 مليون جنيه (نحو مليون دولار)، إلا أن هذا الرقم لا يمثل سوى نقطة في بحر التكلفة الإنتاجية للأفلام خلال عام واحد، في الوقت الذي تشهد فيه أجور الفنانين ارتفاعا ملحوظا مقارنة بالأعوام الماضية، إضافة إلى ازدياد تكلفة التقنيات الحديثة في معدات التصوير. حنين إلى عبدالناصر “لم تشهد مصر على مر العقود الماضية دعما للحركة الفنية كما شهدت في عصر الرئيس الراحل جمال عبدالناصر”، تلك عقيدة يؤمن بها المخرج علي عبدالخالق، فالمعاهد الفنية، كمعهد السينما والكنسرفاتوار والباليه، إضافة إلى المسارح، القومي والاستعراضي والغنائي، هي من روافد دعم الدولة خلال تلك الفترة. بعد انتكاسة مصر في حرب 1967، طغت على الكثير من الأعمال السينمائية القضايا والمسائل الوطنية، ما رفع من الروح المعنوية لدى الجندي المصري، وكذلك عند الرأي العام ويرى أن غياب دعم الدولة ساهم بشكل لافت في التأثير على المحتوى المقدم للجمهور المصري والعربي على حد السواء، فالكثير من الأفلام التي قدمتها دور العرض السينمائية في الأعوام العشرة الأخيرة، عبّرت بشكل مسيء عن الواقع الذي يعيشه الكثير من المصريين. وقال عبدالخالق “لا توجد دولة ترفع يدها عن تلك الصناعة كما هو الحال في مصر الآن”، واستشهد بالحالة الأميركية، حيث تخصص وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) ما يزيد على 3 مليارات دولار سنويا لدعم الصناعة السينمائية. وبهذا الدعم ضرب الأميركيون عصفورين بحجر واحد، حيث استطاعوا جني أضعاف تلك المبالغ على المستوى التجاري من ناحية، ومن ناحية أخرى ربحوا حروبا فكرية وثقافية، وكانت السينما أيضا أداة لإيصال أفكار سياسية، ولقياس تأثيرها في الرأي العام، أميركيا ودوليا. وتابع المخرج السبعيني أنه “بعد انتكاسة مصر في حرب 1967، طغت على الكثير من الأعمال السينمائية القضايا والمسائل الوطنية، ما رفع من الروح المعنوية لدى الجندي المصري، وكذلك عند الرأي العام، كما لعبت الثقافة الجماهيرية في تلك الفترة دورا في نشر الوعي السينمائي”. وأوضح “نحن نرى اجتماعات هنا، ومناقشات هناك، لكن النتيجة صفر”، ومن ثم، فهو يطالب بضرورة عودة الريادة للفيلم المصري، والدفع بتأثيره في المحيط العربي والإقليمي والدولي، وحمايته من المرض المتفشي في هذا الوسط، وهو القرصنة، كما يدعو إلى إعادة هيكلة الرقابة. وفي العام الماضي، ورغم القليل من الاهتمام من جانب الأوساط التنفيذية، لا سيما رئيس الوزراء المصري السابق شريف إسماعيل الذي وعد بضرورة تدشين شركة قابضة لإدارة أصول السينما، ومدينة ومتحف للسينما المصرية، ومساندة الصناعات الإبداعية من خلال بنك الاستثمار القومي بقيمة 150 مليون جنيه (نحو 7.5 مليون دولار)، وتعديل النظام الضريبي، وإنشاء صندوق لصناعة السينما، إلا أن الكلام والوعود النظرية طغت كثيرا على الواقع العملي تجاه تنفيذ تلك الوعود، ولم تأت التوصيات العشر لمؤتمر النهوض بالسينما، الذي عقد في يونيو 2015، بأي نتيجة. وبدا علي عبدالخالق خلال حديثه متأثرا بالفكر الناصري، فهو يرى أن الدولة مازالت غير مدركة لقدرة السينما على التأثير على الشعوب، ويتذكر أنه في العام 1968، سافر عدد من الفنانين المصريين إلى بيروت، ليعملوا هناك، وأطلق عليهم البعض آنذاك “الطيور المهاجرة”، وعلى الفور أدرك النظام السياسي وقتذاك خطورة هجرة المبدعين المصريين، فطالب بعودتهم ودعمهم ماديا ومعنويا. ويُلقي عدد من صناع السينما باللائمة على سياسة الانفتاح الاقتصادي، التي انتهجها الرئيس الراحل أنور السادات في منتصف سبعينات القرن الماضي، ويقولون إنها أسهمت في حالة الركود السينمائي، والابتعاد عن الانخراط في الحراك المجتمعي وتشكيل وجدان أفراده، وانحدار المستوى المهني الذي وصلت إليه صناعة يقترب عمرها من 100 عام. السينما الجديدة في السبعينات من القرن الماضي، شكلت “جماعة السينما الجديدة”، وكان من بين أعضائها، علي عبدالخالق ومحمد راضي ورأفت الميهي وأشرف فهمي وداوود عبدالسيد، دفعة قوية لتغيير مجرى التوجه السينمائي في ذلك الوقت، حيث سعت إلى إيجاد سينما جديدة، تتسق وحالة الغليان التي عاشها المجتمع المصري، تزامنا مع اعتلاء أنور السادات رئاسة البلاد للمطالبة بالحرب، وأنتجت الجماعة فيلمي “أغنية على الممر” و“الظلال على الجانب الآخر”. عبدالخالق في سطور مخرج مصري ولد في مدينة القاهرة في 9 يونيو 1944، ينتمي إلى أسرة متوسطة تهتم بالثقافة والفنون. بعد أن أنهى دراسته الثانوية التحق بالمعهد العالي للسينما في اختصاص الإخراج. تخرج من المعهد العالي للسينما عام 1966 ثم عمل مساعدا لفترة ثم اتجه إلى إخراج الأفلام التسجيلية، ومن أشهرها فيلمه التسجيلي “أنشودة الوداع” الذي حصل على العديد من الجوائز الدولية. وتحصل فيلمه “السويس مدينتي” على الجائزة الأولى من مهرجان وزارة الثقافة الأول للأفلام التسجيلية عام 1970. تأثر علي عبدالخالق بالفكر اليساري في صباه، وهو تأثر انعكس على أفلامه الأولى، وأدى أيضا إلى انتمائه إلى “جماعة السينما الجديدة” التي كانت تهدف إلى إرساء ثقافة سينمائية جادة، وحية ذات طابع تقدمي. قدم عبدالخالق أول أفلامه الروائية الطويلة عام 1972 وحمل عنوان “أغنية على الممر” من بطولة محمود مرسى وصلاح قابيل ومحمود ياسين وأحمد مرعي وصلاح السعدني، وحقق الفيلم نجاحا فنيا هائلا، أهله للحصول على الجائزة الثانية من مهرجان كارلو فيفاري، وجائزة من مهرجان طشقند السينمائي. واعتبر فيلمه “أغنية على الممر” واحدا من أهم أفلام السينما المصرية، حيث يؤرخ العديد من نقاد السينما ومؤرخيها بداية حركة التغيير الكبرى في السينما المصرية انطلاقا من صدور هذا الفيلم. وخلال فترة الثمانينات، شكل علي عبدالخالق ثنائيا مع المؤلف محمود أبوزيد في عدة أفلام سينمائية ناجحة مثل “العار” عام 1982، و“الكيف” عام 1985، و“جري الوحوش” في العام 1987، و“البيضة والحجر” عام 1990. وبداية من التسعينات قل عدد الأفلام التي قام بإخراجها عبدالخالق واتجه مع بداية الألفية الجديدة للدراما التلفزيونية. يعد علي عبدالخالق واحدا من أهم مخرجي السينما المصرية في الـ40عاما الأخيرة، وهو من أبرز أبناء جيل التغيير في السينما، قدم خلال مشواره السينمائي الذي امتد لـ40عاما ما يناهز 40 فيلما قدم فيها مختلف الأنواع السينمائية. وشكّل عبدالخالق ثنائيا مع المؤلف محمود أبوزيد في عدة أفلام سينمائية، منها “العار” و“الكيف” و“جري الوحوش” و“البيضة والحجر”، تركزت مضامينها على قضايا مجتمعية سيطرت على وجدان الرأي العام وقتها. ولفت عبدالخالق إلى أن أحد العوامل الرئيسية في التأثير على صناعة السينما، هو النقد الفني، الذي يمر بحالة من التخبط، حيث يقول إن “النقاد كانوا بمثابة معايير جودة العمل السينمائي حتى نهاية ثمانينات القرن الماضي، لكن اتساع المجال الإعلامي في مصر فتح المجال أمام غير المختصين”. نقاد السينما في مصر، يعود إليهم رفع جودة مضامين العمل السينمائي، وكانت حالة الشغف لكل ما يكتبه هؤلاء هي المسيطرة على وجدان صناع وأبطال السينما في ستينات وسبعينات وثمانينات القرن الماضي، ومن بينهم سامي السلاموني وسمير فريد وفتحي فرج ورفيق الصبان وأحمد الحضري وأحمد صالح، وغيرهم. كما كان لمؤسسة السينما المصرية الحكومية، دور مهم، حيث أنتجت العشرات من الأفلام، اختير من بينها 40 فيلما، من بين أفضل 100 فيلم في السينما المصرية، ما أسهم في تشكيل وجدان الشعوب العربية. وفي عام 2010، نشر كتيب توثيقي أصدره مهرجان دبي السينمائي بعنوان “تحت الضوء 2010، مستجدات سوق السينما العالمية”، تضمن تحليلا للمشهد السينمائي العربي والدولي، وجاء فيه أنه “على الرغم من أن مصر قلصت إنتاجها السينمائي من 100 فيلم إلى 35 فيلما فقط، إلا أنها تبقى محور إنتاج الأفلام الناطقة باللغة العربية، وتوزع أفلامها في العالم العربي كله”. وأشارت إحصاءات الكتيب إلى أن أعداد الجمهور المصري المتابع للسينما، تبلغ حوالي 26 مليون متفرج، لكن عبدالخالق يرى أن هذا العدد تضاءل كثيرا عقب ثورة 25 يناير 2011، فالحالة المزاجية للجمهور المصري تغيرت كثيرا، ورغم أنه قرر اعتزال السينما بعد الفشل الذي لحق بفيلمه الأخير “يوم الكرامة”، وتوجه بعدها إلى الدراما، إلا أنه يرى أن الرهان الأخير في نهضة السينما المصرية هو المشاهد المصري. واختتم علي عبدالخالق حواره بالتأكيد على أن “طوق النجاة لإنقاذ السينما، يظل في تفعيل دور الدولة في علاج ما تفشى من أمراض أصابت القطاع، فالتركيز على الشكل التجاري للأفلام السينمائية المقدمة في الأعوام الأخيرة، أفقد السينما بريقها، وبالرغم من كل تلك الأحداث التي لحقت بعالمنا العربي منذ 2011، إلا أن تقليدية مخرجات تلك الصناعة مازالت قائمة، والسينما التي تبتعد عن قضايا مجتمعات شعوبها وهمومها لا يكتب لها البقاء. :: اقرأ أيضاً

مشاركة :