اهتمت الصحف العربية الصادرة الأسبوع الماضي بالحديث عن القضية السورية وتداعياتها الخطيرة، التي لا يحمد عقباها أحد، بعدما انقضى أكثر من 6 سنوات على الانتفاضة السورية والثورة الشعبية ضد نظام الأسد. فمن جهتها أشارت بعض الصحف إلى قضية النازحين السوريين، وموجات النزوح الكثيف غير المسبوقة في التاريخ المعاصر من بطش قوات الأسد بالشعب السوري، وسؤالها عن إمكانية العودة لسوريا إذا تم حل النزاع السوري. وأضافت بعض الصحف أن كل نازح ومهجَّر يأمل أن يعود إلى أرضه وأرزاقه ومسقط رأسه ومحل نشأته وحياته وذكرياته وآماله وأحلامه، وألَّا يُشرَّد براً وبحراً في هذه الدنيا، فقط لأنه أراد أن يحيا في بلده حياة حرة وكريمة وفي دولة يحكمها القانون والدستور والمؤسسات والشرائع المؤكِدة على العدل وكرامة الإنسان والأخلاق الحميدة. هذا وقد أشارت بعض الصحف إلى الدول ذات النفوذ في سوريا، المتمثلة في روسيا وإيران، وتابعت أن النفوذ الإيراني قوي جدا على الأرض في سوريا، بينما الروسي جوي وسياسي فقط. ومن جانبها قالت بعض الصحف إنه مما لا شك فيه أن نظام الأسد حقق انتصاراً في حلب، وتابعت أن هذا الانتصار أشار إلى ضعف النظام أكثر منه إلى قوته، وتابعت أن معركة حلب أُنجزت بدعم ميليشياوي طائفي على الأرض، وروسي هائل في الجو، ووفرت دليلاً قاطعاً على أن آلة النظام العسكرية لم تعد ذات وزن ملموس في الحرب. عن المفاوضات السورية في أستانة، قالت صحيفة القدس العربي، في إحدى افتتاحياتها، إننا لا نعرف كيف توافق الطرفان الروسي والتركي على اختيار مدينة أستانة، عاصمة كازاخستان، مكانا للمفاوضات السورية، وتابعت: «لكن من المؤكد أن للطرفين أسبابهما الوافرة لهذا الاختيار، فروسيا تعتبر كازاخستان، التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي قبل انهياره، حليفة موثوقة، وفوق ذلك فإن القومية الروسية نسبة تقارب %25 من مواطنيها (%70 بالمئة من السكان مسلمون وأغلب الـ%30 من الباقين مسيحيون مع أعداد قليلة من اليهود والبوذيين)، بينما يجد الأتراك في كازاخستان (كازاخ كلمة تركية تعني الحرّ، بالتالي فالبلد هو «وطن الأحرار») عشرات العلاقات التي تربطهم بتلك المنطقة، التي تعتبر منشأ البدو الأتراك الذين انزاحوا وصولاً إلى تركيا نفسها وشكَّلوا عالماً لغوياً وثقافياً كبيراً يتوزع على الكثير من البلدان، أما اسم أستانة فهو الاسم الجديد لعاصمة البلاد، لكنه أيضا أحد الأسماء قديمة التداول (التي كان يستخدمها مواطنو الدولة العثمانية العرب) لمدينة إسطنبول». وأضافت أنه بهذا المعنى فإن اختيار بلد هو حصيلة اجتماع تاريخ الإمبراطوريتين الكبيرتين لروسيا وتركيا محمَّلٌ بالدلالات التي ترضي الطرفين، وهو قد يكون رافعة تفسير للمعنى الحقيقي للمفاوضات الجارية في سوريا. وتابعت القدس: «تفيد هذه الخلفية في قراءة ما وراء التفاصيل، التي يمكن أن ينشغل بها المفاوضون السوريون، سواء كانوا من النظام أو من المعارضة، ويمكن أن تجعلهم أكثر قدرة على استيعاب ما يحصل في تلك المفاوضات والحدود التي يأملونها منها، أو التي يرغبون في ربحها على الطاولة أو في ميادين القتال». وأضافت: «لا بأس مع ذلك، من تفحص هذه الفرضية مع مجريات ما يحصل حالياً على الأرض السورية وفي كواليس السياسة، بين موسكو وأنقرة (ومن خلفهما طهران والسعودية ودمشق وعمَّان والقاهرة .. وواشنطن وتل أبيب!)، فالواضح أن موسكو تحاول تعزيز قبضتها على قوات حليفها بشار الأسد وموضعة نفوذ القوات التي تقودها إيران ضمن التسوية الجارية، فيما تقوم تركيا بضبط حدودها مع سوريا وإبعاد شبح الدولة الكردية التي كان هيكلها العظمي يتشكل بسرعة خلال فترة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، والإشراف على هندسة جديدة للنظام في سوريا تتضمن مصالح المكونات الاجتماعية والعسكري والسياسية المعارضة». وأضافت الصحيفة أن التجاذبات الحاصلة حالياً تقول إن الأتراك يتجهون أكثر فأكثر نحو الصيغة الروسية لعسكرة المفاوضات، بمعنى وضع الفصائل المسلحة وجهاً لوجه مع النظام، وإذا كان هذا قد يضمن تنفيذاً أوسع للاتفاقات على الأرض، فإنه يفقد المعارضة السورية خبرات الهيئة العليا للمفاوضات، كما يفقد الائتلاف السوري المعارض (وهو تشكيل يمثل تجمع الأحزاب والحركات السياسية السورية التي ناضلت لعقود ضد النظام)، وزنه الدبلوماسي ومصداقيته التي تعترف بها الكثير من الدول، كما أنه سيشكل اختلالاً للعلاقة مع الدول العربية الداعمة لهذه الهيئة، وخصوصاً السعودية وباقي دول الخليج العربي. الرد على هذا قد يكون بالقول إن غياب تمثيلية الدول العربية الداعمة للمعارضة السورية يقابله غياب تمثيلية إيران، وهو يعني قبولاً اضطرارياً بتفويض الدول العربية لتركيا في تلك المفاوضات، يوازيه قبول إيران بتفويض روسيا. وتابعت: «إن أغلب الأطراف السياسية السورية المعارضة لا تتوقع أن يتمكن اجتماع أستانة المقبل من تحقيق خرق كبير في مجال المفاوضات بين النظام والمعارضة، وترى أن مباحثات أستانة قد تتمخض عن اتفاق مبادئ يمهد لاجتماعات جديدة على الحلبة الدولية في جنيف». واختتمت القدس افتتاحيتها بقولها: «إنه يبقى القول إن المفاوضات بين روسيا وتركيا ستسعى لتمثل مصالح شبكة حلفائهما على الأرض السورية، ولكنها، بكل المعاني، ستكون مفتاح مفاوضاتهما أيضاً على التاريخ والجغرافيا والسياسة في أوراسيا وليس في سوريا فحسب». من جهتها قالت صحيفة الحياة اللندنية، في إحدى افتتاحياتها، لقد دمرت النكبات بعد «الربيع العربي» سوريا والعراق وليبيا، وثمة «شراكة» يسعى إليها الرئيس ترمب مع القيصر فلاديمير بوتن. وتابعت: «فإمبراطور «البزنس» لم يترك مناسبة إلا ولمح فيها إلى أنه لن يشتري ود المنطقة العربية، إن كل ما يعنيه أن بين المسلمين «إرهابيين»، تقتضي الحرب عليهم خارج الأراضي الأميركية، وإغراء القيصر بمزيد من الإعجاب، قبل مشاريع صفقات». وأضافت: «ألا يكفي التاجر «الشاطر» ترمب، أن خبراء الاختراقات الإلكترونية الروسية حرموا خصومه الديمقراطيين من فرصة لهزيمته في الانتخابات الاستثنائية، التي تنقل الولايات المتحدة من حقبة الانكفاء و»القوة الناعمة»، إلى عهد عولمة السياسة والحروب بالتجارة؟». وتابعت: «إذا كان مأزق العرب مع بوتن أنه القيصر العنيد الذي لم يعد يعترف بوجود نظام دولي يمكن أن يلجم أحلامه وأساطيله وصواريخه، ولم يعد يحسب حساباً لأسنان القوة الأميركية في العالم، فمأزقهم مع ترمب أن «ملك البزنس» المتهم باحتيالات في التجارة، لن يمانع على الأرجح في تمديد التفويض الأميركي للقيصر ليكمل في ليبيا ما بدأه في سوريا، وربما يستعيد عرضاً من المخلوع علي صالح لتوسيع حزام القواعد العسكرية إلى اليمن». وأضافت: «بعد كل ذلك، هل يكون ثمنه مجرد شراكة مع أميركا في الحرب على «تنظيم الدولة»، حتى لا يصل التنظيم ومجانينه إلى الولايات المتحدة؟ وهل يقدِّر التاجر الجاهل أن الحرب الدينية بين المسلمين واليهود هي النتيجة الحتمية لاعترافه بالقدس «عاصمة لإسرائيل»؟». واختتمت الصحيفة افتتاحيتها بقولها: «أي وعود لطمأنة العرب؟ لا تعطي شعبوية ترمب ولا فظاظته ورعونته أي مؤشر سوى إلى طيش وتخبط وارتباك، قاعدته الجهل بمعاناة العالم من الإرهاب والاستبداد والعولمة المتوحشة والطموحات القيصرية». من جهتها قال الكاتب علي نون في إحدى مقالاته بصحيفة المستقبل اللبنانية: «لقد أكمل وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف سياقاً من المحاججة المفتوحة أمام الملأ، مع الإيرانيين، كانت بدأته في أواخر (ديسمبر) الماضي صحيفة «جازيتا – رو» في موسكو، من خلال نشر شهادة استثنائية لأحد أبرز المعلقين العسكريين، عن أداء بقايا قوات الأسد والميليشيات التابعة لإيران ومعها جيش «المستشارين» و»الخبراء» الإيرانيين في الحرب السورية». وأضاف الكاتب: «لقد غرق يومها المحلل العسكري الروسي العقيد ميخائيل خوادريوفوك في تفاصيل «المحنة»، المتأتية من كون العسكر الإيراني – الأسدي غير كفء في المعارك، ولا يعرف سوى الهروب أمام أي هجوم مضاد! لكن الوزير لافروف لا يملك الوقت لذلك الترف، ولا يعتبر نفسه معنياً بشرح التفاصيل والتقنيات ذات الطابع العسكري. ومعه حق، لذلك فقد ذهب مباشرة وباختصار شديد إلى زبدة المقال وفصل الحقيقة كما تراها موسكو: لولا القوات الروسية، وتدخلها في (سبتمبر) من العام 2015 لكانت دمشق سقطت في غضون أسبوعين، أو 3 على الأكثر!». وأضاف أن هذا يعني في كل الأحوال، أن موسكو مستمرة في منحاها الذي وضح بعد معركة حلب، الذاهب إلى «حل سياسي» وليس العزف على الوتر الإيراني – الأسدي الباحث عبثاً عن أغنية «الحسم العسكري»!، والمتطلع إلى بقاء «أمجاد» و»إنجازات» على حساب غيره، الروسي!. وأضاف: «لذلك تداعيات سريعة تتصل في القريب العاجل، بمؤتمر الأستانة وحضور واشنطن من عدمه! وإعادة اكتشاف الروس «المعارضة المعتدلة» بعدما كانت لا تفرق بين كل من حمل السلاح (أو لم يحمله) ضد الأسد! مثلما تتصل على المدى البعيد والاستراتيجي، بالتصور الأخير لمآلات الوضع السوري، التي يبدو أن موسكو - وبكل وضوح - لا يمكن أن تفصلها عن واقع الديموغرافيا والجغرافيا في سوريا ومحيطها .. من تركيا إلى الخليج العربي!». وأضاف: «الواقع أن ما قاله لافروف، يكاد أن يكون من أندر الجمل الصحيحة التي أطلقها في الشأن السوري على مدى السنوات الـ5 الماضية. عدا أنه استخدم لغة مباشرة من دون تورية ولا تلوين، مما يعني أن الخطب جلل مع إيران وأتباعها! وأن قصة الثقة بين الحليفين المرحليين، لا أحد يأخذ بها، لا في موسكو، ولا في طهران. وأن الأخيرة على ما يبدو متوجِّسة إلى حد بعيد من وصول الروس إلى قناعات تتلاءم تماماً مع مصالحهم كما يرونها هم! وليس كما تفترضها إيران». واختتم الكاتب مقالته بقوله: «إن الفارق الجوهري بين تلك الادعاءات هو أن الإيرانيين يستطيعون توظيف «حزب الله» اللبناني والميليشيات المذهبية العراقية والأفغانية والباكستانية، في بناء حيثيات ومنصات نفوذ وسطوة مدعاة! لكنهم بالتأكيد لا يستطيعون إدراج العسكر الروسي في تلك الوظيفة! ولا الإيغال في استغلال مقدرات دولة بحجم روسيا لمصلحتهم، ومن دون حياء».;
مشاركة :