تبدو روسيا على عجلة من أمرها في انتظار ما سيفعله دونالد ترامب. هذا ما يفسّر الاتفاق الذي وقعته مع النظام السوري في شأن «مراكز الامداد المادي والتقني الروسي في طرطوس». الملفت ان الاتفاق الذي يعني توسيع وجودها في طرطوس وقّع قبل 48 ساعة من دخول ترامب الى البيت الأبيض. إضافة الى ذلك، سارعت موسكو الى نشر بنود الاتفاق عبر وسائلها الإعلامية من بينها موقع «روسيا اليوم». مدة الاتفاق 49 عاما قابلة للتجديد. تريد موسكو توجيه رسالة فحواها انّها في سورية لفترة طويلة وانّ طرطوس تعني لها الكثير وان لا بدّ من صفقة معها تحفظ لها مصالحها. نجد روسيا تقدم على خطوات معيّنة استعدادا لعهد الرئيس الاميركي الجديد الذي يحضر لكل أنواع المفاجآت. الكلام عن مفاجآت كلام جدّي، أقلّه لسبب واحد. هذا السبب هو ان ليس هناك من يستطيع التكهن بما ستقدم عليه الإدارة الجديدة، لا في الداخل ولا في الخارج. الامر الوحيد الأكيد انّ ترامب يؤمن بـ «اميركا اوّلاً». هاتان الكلمتان كانتا الكلمتين الاهمّ في خطاب القسم الذي يشبه خطاب مرشح للرئاسة يريد تعبئة الناس حوله، اكثر بكثير من خطاب رئيس للقوّة العظمى الوحيدة في العالم. لدى مراجعة خطاب ترامب، لا تظهر دلائل تشير الى انّه قرّر ما الذي يريده فعلا. ما زال يطلق شعارات لا ترجمة لها على ارض الواقع من نوع إعادة فتح المصانع الأميركية المقفلة التي أكلها الصدأ، خصوصا مصانع السيّارات في ولاية ميتشيغن. يدعو مواطنيه الى شراء البضاعة الأميركية وتوظيف اميركيين. هل نسي انّه ابن النظام الاميركي الذي يؤمن بقوانين السوق والمنافسة وانّ العالم تغيّر الى درجة ان الرئيس الصيني يذهب الى منتدى دافوس من اجل الدفاع عن العولمة وعن الأسواق المفتوحة. هناك وعود ووعود يطلقها ترامب الذي ثبّت الكونغرس وزير الدفاع الذي رشحه لهذا الموقع وهو الجنرال جيمس ماتيس. يمتلك ماتيس على العكس من ترامب رؤية واضحة ومعرفة عميقة في الشرق الوسط ومنطقة الخليج والدور الايراني في كلّ مجال من المجالات، بما في ذلك العراق وسورية ولبنان. بالنسبة اليه، يمكن التعامل مع روسيا ولكن من دون الاستخفاف بالدور السلبي الذي تلعبه، لكنّ الخطر الأكبر بالنسبة اليه هو سياسة ايران التي تلعب دورا في زعزعة الاستقرار في الشرق الاوسط. لا ينطلي الكلام الذي يطلقه المسؤولون الايرانيون عن «محاربة الإرهاب» على احد، خصوصا على وزير الدفاع الاميركي الجديد الذي لا يؤيد التخلّص من الاتفاق الذي توصلت اليه مجموعة الخمسة زائد واحدا. كلّ ما يريده هو ان تلتزم ايران حدودها وتتصرّف كدولة طبيعية ولا تستغل الاتفاق في شأن ملفّها النووي من اجل تغطية الممارسات التي تقوم بها على الصعيد الإقليمي. باعت ايران ملفها النووي لادارة باراك أوباما التي اختزلت كل مشاكل الشرق الاوسط والخليج بهذا الملفّ. ليس لدى الروسي ما يبيعه. لم يخلق اقتصادا قابلا للحياة. لا يزال رهانه على عقد صفقة مع الإدارة الجديدة تمكنّ الرئيس فلاديمير بوتين من القول لمواطنيه انّه استعاد امجاد روسيا وانّه اعادها قوّة عظمى يحسب لها حساب في كلّ العالم. فات بوتين انّ الاقتصاد كان من بين اسباب انهيار الاتحاد السوفياتي. لا ينفع اقامة القواعد العسكرية في مختلف انحاء العالم في غياب الاقتصاد القوي. هذا لم يمنع الرئيس الروسي من العودة الى ممارسات الماضي والدفع في اتجاه تكريس الوجود الروسي على المتوسط عبر قاعدة طرطوس والاتفاق الجديد في شأن توسيعها استنادا الى معاهدة الصداقة والتعاون الموقعة بين سورية والاتحاد السوفياتي في العام 1980، وهي معاهدة ارتبطت بشعور النظام السوري في تلك المرحلة بتهديدات داخلية مصدرها المعارضة الشعبية له فضلا عن المواجهة مع الاخوان المسلمين، وهي مواجهة توّجت بمجزرة حماة في فبراير 1982. من بين ما تضمنه الاتفاق المتعلّق بتوسيع قاعدة طرطوس بنود تظهر الى ايّ حدّ استسلم النظام لروسيا. لا يشبه هذا الاستسلام سوى الاستسلام الآخر لإيران في دمشق والمناطق المحيطة بها، خصوصا على طول الحدود مع لبنان. مما جاء في الاتفاق الروسي ـ السوري المتعلق بطرطوس وقاعدتها البحرية: «يحق للجانب الروسي ارسال ايّ أسلحة وذخيرة وأجهزة ومواد لضمان عمل مركز الامداد المادي والتقني ولضمان امن العاملين في مركز الامداد وافراد عائلاتهم وافراد طواقم السفن ولتنفيذ مهام السفن الحربية الروسية. ولا يفرض الجانب السوري أي رسوم على ادخال المواد المذكورة الى الأراضي السورية. العاملون في مركز طرطوس الذين يصلون الى سورية على متن سفن حربية لا يجوز تفتيشهم من قبل أجهزة حرس الحدود والجمارك للجمهورية العربية السورية. يتمتع مركز الامداد المادي والتقني بحصانة كاملة من القانونين المدني والإداري للجمهورية العربية السورية». هذا غيض من فيض ما ورد في نصّ الاتفاق الذي يكشف نصّه اوّل ما يكشف الى ايّ حدّ انهار النظام السوري. كذلك يكشف ان لروسيا أهدافها في سورية وان رهانها على ان الصفقة مع إدارة ترامب ستحصل، فيما والوجود الايراني الى تقلص. هل الحسابات الروسية في محلّها؟ الجواب على مثل هذا السؤال معقّد. هذا عائد الى ان النظام السوري يعرف انه ليس قادرا على الاتكال على روسيا وحدها كي يضمن بقاء بشّار الأسد في دمشق. لذلك عليه التمسّك أيضا بالورقة الايرانية. دفعه ذلك الى توقيع سلسلة اتفاقات أخرى مع الجانب الايراني شملت رخصة ثالثة للهاتف الجوّال. في كلّ الأحوال، تبدو روسيا متمسّكة بالورقة السورية اكثر من أي وقت. في استطاعتها فرض شروطها على النظام السوري. يبقى المهمّ ان تكون إدارة ترامب نفسها مهتمّة بالورقة السورية بغض النظر عن الطرف الممسك بها. من خلال تصرفات الرئيس الاميركي الجديد ومواقفه، يتضح انّ من بين الأشياء التي تهمّه استرضاء إسرائيل. سورية مهمّة لادارته من الزاوية الإسرائيلية. هذا ما يفسّر العلاقة العميقة بين بوتين وبنيامين نتنياهو والتنسيق بينهما. مثل هذه العلاقة وهذا التنسيق سيسهلان الى حدّ كبير الصفقة الأميركية ـ الروسية في شأن سورية. انّها صفقة لا يمكن الّا ان تشمل رأس الأسد الابن في مرحلة ما تنتفي فيها الحاجة اليه والى الاعيبه التي تجاوزها الزمن. هذا ما بدأت تستوعبه تركيا التي أعلنت بلسان نائب رئيس الوزراء فيها محمد شيشمك حديثا انّ «علينا ان نكون براغماتيين وواقعيين. الوضع تغيّر على الأرض الى درجة كبيرة. لم يعد يسع تركيا ان تصرّ على تسوية من دون الأسد. هذا غير واقعي». مثل هذا الكلام ليس تغييرا في الموقف التركي بمقدار ما انّه استعداد للمرحلة المقبلة ولصفقة ليس معروفا كيف ستواجهها ايران.
مشاركة :