خداع النفس، هو عملية نفسية يلجأ إليها الشخص عند مواجهته بعض المشاكل في حياته، حيث تختلف أساليب وطرق معالجة المشاكل لدى الأشخاص؛ فمنهم من يعمل على فهم المشكلة وتحليلها والإحاطة بجميع المعلومات المتوافرة عنها؛ حتى يستطيع أن يحدد موقفه منها، والبعض الآخر يتكيف معها سلباً أو إيجاباً، وآخرون يلجأون إلى التحايل أو الابتعاد عنها، وإذا سُئل عن موقفه من قضية ما يبدأ بالبحث عن إجابات بعيدة عن الموقف المطلوب؛ بهدف عدم الرد عليها، إن أعطى موقفاً منها يعطيه وهو غير مقتنع، إلا أنه يوهم نفسه بأن الجواب السليم والموقف الصائب هو موقفه. خداع النفس، هو من الحيل النفسية اللاشعورية التي يلجأ إليها الشخص لتبرير بعض السلوكيات التي قام بها، والتقليل من القلق والتوتر اللذين يتبعان هذا السلوك. يقوم الشخص، من خلال عملية خداع النفس، باتباع بعض الحيل النفسية؛ بهدف بعث الطمأنينة إلى نفسه، ولكي يحتفظ بمقدار أكبر من الثقة الزائفة بنفسه أيضاً، وهو أشبه بمن يكذب على نفسه، موهِماً إياها بسلوكه الصائب والسديد، مع قناعته الداخلية بمقدار الخطأ الذي ارتكبه. ومن هذه الحيل النفسية التي يقوم بها الشخص: التبرير جميعنا يسعى إلى التمام والكمال، وأن تكون جميع أعماله وتصرفاته صائبة، وأن يكون قوله القول الفصل والسديد، إلا أنه في أوقات معينة، تحت تأثير ظروف داخلية وخارجية، نقوم ببعض السلوكيات الخاطئة أو أن تصدر عنا بعض الأقوال الخاطئة. ومن هذه التصرفات على سبيل المثال لا الحصر: الطالب الذي يرسب في الامتحان، يبرر سبب الرسوب بصعوبة الأسئلة أو إصابته بوعكة صحية.. وما إلى ذلك من أعذار، تبدو واهية لمن يسمع الإجابة، ولكنه يخدع نفسه بهذا السبب، ويتمادى في ذلك إلى تصديق العذر؛ حتى يصبح حقيقة مسلَّماً بها. كما أنه في حالات كثيرة بالنسبة لبعض المواقف العامة التي تتطلب من الشخص موقفاً إيجابياً تجاه بلده، ينحاز نحو رأي مخالف لرغبة أهله وجماعته، متعذراً بأسباب واهية، مقنعاً بها نفسه، ويدافع عن رأيه هذا بكل ما أوتي من فصاحة وطلاقة لسان قد يفتقدها أولو الرأي السديد، فتضيع بذلك حجة أصحاب الرأي السديد، ويفوز هو بالوضع الجديد، وتقوى بها شوكته، ويصبح من أصحاب الشأن في الزمن الغائم، الذي يسود فيه أصحاب الجهالة برأيهم ويركن أصحاب الحكمة في جوانب الدهر المظلمة. الإسقاط هو من الحيل النفسية التي يستفيد منها الشخص في خداع نفسه ومَن حوله برأيه، مستفيداً من صفة أو طبع أو تصرف سلوكي يقوم به، يعطي أثراً في نفسه وصدىً في نفوس الآخرين. وهو من الحيل الدفاعية التي يلجأ إليها الشخص، بحيث ينسب الفرد ما في نفسه من صفات غير مقبولة إلى غيره من الناس، بحيث تبدو تصرفاته مقبولة؛ ومنها الغيرة والحسد والمحبة والبغض، كالفرد الذي يغار من نجاح الآخرين فهو يدافع عن نفسه بأن الآخرين يغارون منه ويكيدون له ويكرهونه بحيث يوقعونه في المطبات، أو أنهم يخدعونه فيكيدون له عند المسؤولين، مع أنهم في الواقع لا يكترثون لوجوده! فهو بذلك يقنع الآخرين ويقنع نفسه بأن سلوكه رد طبيعي للدفاع عن نفسه من الآخرين. أحلام اليقظة تشكل أحلام اليقظة الحل السحري للهروب من الواقع؛ وهي من الحيل النفسية التي يلجأ إليها الفرد؛ لكي يخدع بها نفسه، فتريح بذلك نفسه المضطربة والمكبوتة، فهو يقضي ساعات يحلم بها ويبعد عن الواقع المرير الذي يعيش به ويسبح بعيداً في أحلامه التي يعدها حلاً سريعاً لمشاكله. وأغلب الناس يقضون ساعات وساعات في أحلام اليقظة، تذهب بها أفكارهم بعيداً عن الواقع؛ لكي يحققوا في أحلامهم ما عجزوا عن عمله في واقعهم. يختلف محتوى أحلام اليقظة تبعاً لعمر الشخص وقدراته العقلية؛ فالطفل الصغير تتركز أحلامه في اللعب والحلوى، بينما الأكبر تتطور حسب عمره. فلنفرض أنك سألت طفلاً صغيراً: ماذا تفعل لو حصلت على مبلغ شهري معين لمدة شهر؟ يجيبك بأنه سيشتري به حلوى وعصيراً وشيبس. وقد يذهب بعيداً في أفكاره إلى الألعاب الترويحية، مع أن ما معه من نقود لا يكفي، وهو في هذا الوضع يبدو كمن يعيش في عالمه الخاص، بينما الأكبر سنّاً طموحاتهم أكبر وكذلك تكون أحلامهم أكبر. إبدال العدوان الإبدال من الحيل النفسية التي تتلخص في إلقاء اللوم على الآخرين لتبرير الفشل؛ وهو يتلخص في التعليل المتأتي من ذكر سببٍ ما قريب من الواقع قابل للتصديق من النفس وحتى الآخرين؛ لتبرير أسباب الفشل. ومن الأمثلة التي يمكن ذكرها على سبيل المثال: الرسوب في الامتحان، حيث يتعلل بأنه لم يستطع الدراسة نتيجة للإزعاج من الجيران، ما أدى إلى أنه لم يستطع التركيز في دراسته. وفي مثال آخر، الموظف الفاشل يتعلل بأن أهل بيته هم سبب كل ما يحدث له، وقد يعتدي عليهم؛ نتيجة لقناعته بأن الأذى الذي حدث له من الرؤساء في العمل نتيجة لطلبات أهل بيته المتكررة، ما يؤدي إلى غيابه المتكرر عن العمل. النكوص الهروب من الواقع وعدم مواجهته نتيجة لابتعاده عن المجتمع وأهله، واللجوء إلى العزلة وما يصاحبها من مشاكل صحية وأمراض قد يصاب بها مثل السكري وضغط الدم والقرحة والقلق والاكتئاب وما إلى ذلك من أمراض، يكون السبب الرئيس هو عدم مقدرته على التلاؤم مع الظروف المحيطة. الكبت يعتقد الكثيرون أن الشخص الذي لا يستطيع مواجهة الواقع يجب أن ينسى ما يحدث له، حيث يعد الكبت من الوسائل التي يلجأ إليها الفرد لإعفاء نفسه المضطربة من الصراعات والشعور بالقلق؛ فالنسيان عامل من عوامل الزمن التي يتم بها إغفال الواقع وإبقاؤه بعيداً عن الإدراك. الحيل النفسية المَرَضية تتمثل في لجوء الشخص إلى الحيل المَرَضية لإبعاد اللوم عن نفسه؛ لكي يهرب من الواقع الذي قد يتسبب في شعوره بالقلق واللوم والتقريع. من أهم الأعراض المَرَضية التي قد يلجأ إليها الأفراد؛ الغيبوبة أو التشنج والصداع وألم المعدة. الأساليب المتبعة في معالجة خداع النفس لجوء الأفراد إلى الحيل النفسية المتمثلة في خداع النفس، مسؤولية كبيرة تلقي على كاهل الأهل والمربين على حد سواء جهداً عظيماً. وفيما يلي بعض الطرق التي يمكن من خلالها مساعدة الناس في الابتعاد عن الحيل النفسية وخداع النفس: - البحث عن الأسباب التي تدفع الأطفال إلى خداع النفس ومحاولة مساعدتهم في تفهم الدوافع وراءها. - تعويد الأطفال مواجهة الحياة بحلوها ومرها، وتقبّل الواقع كما هو، والرضا بما يحدث معهم، ومنها: "القناعة كنز لا يفنى"، و"الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراه إلا المرضى". - على الآباء العدل في معاملة الأبناء وعدم التمييز بينهم، ويجب ألا يغيب عن أذهانهم أن لكل طفل قدراته ومواهبه، والابتعاد عن ذكر العيوب الفردية لكل منهم. - محاسبة النفس وتعوّدها ومعرفة الأخطاء ومحاولة إصلاحها. - تدعيم الثقة بالنفس. - الاقتناع بأنه لا يوجد إنسان على الأرض معصوم من الخطأ، وكلنا خطاءون، وخير الخطائين التوابون. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :