إسطنبول بداية الدهشة أو أن يكتشف سوريون كم كان بلدهم سجناً مطبقاً

  • 1/24/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

ليست إسطنبول مدينة عادية مر عليها السوريون في دروب لجوئهم منذ أن اشتدت الحرب في بلادهم واضطرتهم ظروفها القاسية إلى مغادرتها. فهم وعلى رغم عدم معرفتهم بها وبتركيا عموماً على نحو كاف، كوّنوا نظرة سلبية جداً عنها وعن أهلها، نتيجة لتربية تعبوية في مناهج التاريخ والجغرافيا تلقوها في مدارسهم على مدى عقود ولم تسمح لهم برؤية الأتراك وبلدهم إلا على هيئة غزاة بطاشين لا يمتون إلى الحضارة بصلة. كان ذلك من أسباب تردد السوريين في زيارة المدينة على رغم العروض السياحية المغرية، وخط القطار الذي أعيد تشغيله بين إسطنبول وحلب في فترة الدفء القصيرة التي شهدتها علاقات البلدين. يقول رامي، وهو شاب من حلب نزح إلى إسطنبول في خريف العام 2013: «فكرة لجوئي إلى تركيا كانت صعبة جداً علي، لكن وضعي في مدينتي أصبح مهدداً، وكنت مضطراً إلى ذلك، عندما رأيت العلم التركي الضخم على معبر باب السلامة شعرت بغصة كبيرة لأني سأمر إلى تلك البلاد، لا أملك شيئا تجاه الأتراك، لكن ما ترسخ في ذهني جعلني أشعر أني أخون بلدي إن عبرت هذه الحدود». لكن نظرة رامي لم تستمر بعد فترة وجيزة. ويقول لـ «الحياة»: «حين رحنا نعبر القرى والمدن التركية في طريقنا إلى إسطنبول كنا نرى البلاد جميلة ومتطورة بشكل لا يقارن بسورية، هل يعقل أننا كنا نكره إلى هذا الحد شيئاً لم نعرفه إطلاقاً، وحين وصلنا إلى إسطنبول وعبرنا جسر البوسفور كانت الصدمة أكبر، ندمت كثيراً على موقفي السابق». رامي الآن في النمسا بعد أن هجر إسطنبول لظروفها المعيشية القاسية، لكنه يشعر بالندم على مغادرة المدينة، ويقول: «البلاد هنا باردة جداً، وعلى رغم كل ما توفره لنا لكنها أيضاً قاسية. مع كل تفجير جديد في إسطنبول أحزن لقرار المغادرة، وأحزن على المدينة، لا تستحق ذلك، هي أجمل من ذلك بكثير». شبان سوريون آخرون عاشوا في إسطنبول فترات متباينة، وغادروها إلى أوروبا، لا يملكون ندم رامي، لكنهم يحنون إليها كثيراً. يقول حسام وهو لاجئ في هولندا الآن: «إسطنبول علمتني كيف أعيش، كيف أستغل حياتي وأحبها، جعلتني أرى أن حياتنا في سورية كانت أشبه بحياة المتقاعدين، لكني لا أندم الآن على مغادرتها، فالظروف السياسية جعلت وضعي كلاجئ مهتز جداً، ولا يمكن أن أبني مستقبلي فيها، على رغم محبتي لها». يشارك جوزيف الذي هاجر من إسطنبول إلى النرويج قبل عام وعرف إسطنبول نظرة حسام القلقة والمتغيرة إلى المدينة ويعبر عن صدمته للاختلاف الذي طرأ عليها في هذه الفترة القصيرة، ويقول: «قبل محاولة الانقلاب كنا نمشي وأصدقائي في شارع الاستقلال وفي تقسيم بكل حرية وثقة، بعد الانقلاب نظرات الناس أصبحت قلقة، والشارع أصبح أشبه بثكنة عسكرية». لكن مع ذلك، جوزيف متيقن من أن لا أحد يستطيع تغيير المدينة: «هذه فترة وتمضي، الحياة في إسطنبول أقوى من كل الظروف التي تطرأ عليها، لولا التأشيرة المفروضة على السوريين، لكنت زرتها غداً!». أما يحيى، الذي يحاول بناء مستقبله الآن في ألمانيا، بعد إقامته في إسطنبول لمدة عامين بلا عمل، فيقول: «مشاعري لإسطنبول مختلفة، من جهة أحببتها، ومن جهة أخرى جعلتني دائم المقارنة بينها وبين سورية، بخاصة حلب، في ظني أن حلب ومن دون البوسفور أحلى من إسطنبول، لكن تم دفنها وناسها بسياسات مجحفة». هذه المقارنة تبدو للكثير من السوريين اليوم مؤلمة جداً، فهي تعيد إلى أذهانهم بلادهم التي كانت أشبه بالسجن، وحياتهم فيها. يقول جينار، الذي يقيم الآن في السويد: «لا تستطيع مقارنة سورية ومدنها بإسطنبول أو بأي مدينة أوروبية، سورية، لا تقارن إلا بعراق صدام حسين، وبعد خروجي من سورية اكتشفت أننا لم نكن مواطنين في بلدنا ولا في أي مكان، نحن كنا لاجئين في بلدنا، اللجوء لم نعشه بسبب الحرب لا في إسطنبول ولا أوروبا، نحن كنا لاجئين من زمان!». وجوه الحياة التي تزخر بها مدينة إسطنبول كانت محفزاً للكثير من الشباب السوريين ليعيدوا اكتشاف ذواتهم، ويتعلموا عيش حرية لم يتمكنوا حتى من تخيلها عندما كانوا في بلدهم. يقول جينار متأسفاً إنه لم يعرف إسطنبول في عمر أبكر: «بالنسبة الينا كسوريين، كانت إسطنبول بداية الدهشة، عوالمها الغريبة المتناقضة، خليط البشر بأحلامهم وقصصهم، روحها الآسيوية وأناقتها الأوروبية، آفاق الحياة المفتوحة فيها، كلها كانت صدمة كبيرة، جعلتنا نعيد اكتشاف أنفسنا واكتشاف الحياة كلها، ونستميت في طلب اللجوء الأوروبي لنغتنم ما تبقى من أعمارنا بعدما خسرنا الكثير منها في سورية». شبان آخرون لم يعرفوا من إسطنبول إلا عملهم الذي كان يأخذ حوالى 14 ساعة من يومهم ليتمكنوا من تأمين متطلبات المعيشة المرتفعة فيها. يقول ياسر، وهو غادر إلى السويد منذ عامين: «أحببت إسطنبول وأردت اكتشافها، لكن ساعات العمل الطويلة والضغط النفسي والاستغلال الذي كنت أتعرض له في عملي لم تسمح لي بذلك، لم تعطني إسطنبول شعور الأمان والاستقرار». واللافت إن الحنين إلى إسطنبول لدى الشباب الذين هاجروها إلى أوروبا أكبر من حنينهم إلى سورية لما اختبروه فيها من هوامش حرية وإمكانات مفتوحة. يقول جاك وهو يقيم الآن في هولندا بعد محاولات قاسية لبناء حياة له في إسطنبول: «منذ البداية عرفت أن إسطنبول ليست لنا، نمط الحياة فيها لا يقارن بحيويته وجماله بأي مدينة أخرى في العالم، لكن هذه المدينة قاسية جداً علينا كلاجئين، إنها جميلة لأهلها وسائحيها، أما نحن، فكان لا بد لنا من مغادرتها».

مشاركة :