عاطفتنا رفيعة المستوى وحكايات الاستعطاف المحلية تتحدث عن رفعة هذه العاطفة، وتفصح عن مجتمعات طيبة جداً، ولا حرج إن كنا طيبين بالفطرة، لكن طيبتنا تمضي أحياناً بلا وعي، وفينا المتحمسون من دون تثبت، الرامون بالتهم على عجل، وقد نكون في لحظات كثيرة في حال انصياع عاطفي كامل، فما نراه في دقائق العرض والطلب وجمل التنظير كافٍ لنزيل ملامح الشك، ونؤمن بأن مشاهدات ومعاينات اللحظة لصيقة بالحقيقة وممتلئة بأورام التفاصيل ومنزوعة من الكذب والتضليل، ونتجاهل أن هناك مخادعين يرون في المحاولات الاستعطافية حلاً مناسباً وعلاجاً لإنجاح الخطط الهابطة، فإن لم تنفع فلن تضر ولو أن نفعها كان هائلاً ومؤكداً في أن العاطفة ذهبت بنا - عن غير قصد - للمجهول. يجب ألا نقذف بعواطفنا سريعاً ونندفع معها بلا وجهة ولا اتجاه وإلى الدرجة التي نتحول فيها إلى فريقٍ ترويجي، فنحن نرتدي ملابس العاطفة وننسى معها أزرار الصدق على رغم الأسئلة البريئة عن سر ولادة هذه الحالات في هذا الوقت تحديداً في ظل أن عمرها كحالات ليس قصيراً. أخشى أن نستغل كمجتمعات بالغة الطيبة لمشروع شحاذة ألكتروني أو ميداني، ويختلط في هذا المشروع الصدق والحاجة مع عكسها الذي لا يخفى على كل قارئ نبيه وتسرق جيوبنا جبراً لمصلحة مخططات من التخوين وترويج التضليل والطعن في أرواحنا. تتوافر في بلدي نوافذ رسمية لبذل المعونات والمساعدات والتبرعات، وهي معلنة وواضحة لمن كان فعلاً يرغب في الذهاب إلى منطقة الخير، وهو خالٍ من الشكوك والحيل والاستغلال الموجع. المرحلة تتطلب أن نكون أكثر وعياً وإدراكاً لحجم الأخطار المحيطة، والإيمان التام بأن هناك من استغلنا سنوات من أجل تمرير ألعابه وجرائمه لأنه أدرك أن فينا الطيبين حد الخجل، وفينا الذين يمكن خداعهم ببضع جمل وعبارات وهم لا يعلمون ما في بطن هذه المحاولات الخادعة من مرارات متفاقمة وجراح بالغة الإيلام. وبصدق نحن في حاجة للحذر والانتباه تماماً لمن يتاجر بعواطفنا ويحيلنا إلى مجتمعات تهب لمن يسأل من دون تدقيق في السائل ولا حصوله على الإذن الرسمي في زمن بات من السهل فيه أن نبحث عن حقيقة هذين الشيئين. لا بد أن ننزع من رؤوسنا جملة «أن وراء كل عنوان إنساني فعلاً إنسانياً حقيقياً»، لأنها لم تعد صالحة لهذا الزمن المخيف والمتقلب.
مشاركة :