في عصر التواصل فائق السرعة، لامس التحول الرقمي كافة جوانب العالم، بما فيها حياة كل مواطن وطريقة عمل جميع المؤسسات، وحتى الحوكمة في الدول، حيث يشهد الوقت الحالي فجر ثورة جديدة، وهي الثورة الصناعية الرابعة، والتي عرفت بالتحول الرقمي، إلا أنها أثارت تساؤلات عدة، منها كيفية انسجام العمالة معها، وما هو دور التحول الرقمي في هذا السياق؟ ولماذا يعد التعامل مع هذا التحدي في غاية الأهمية بالنسبة للحكومات؟. ففي هذا الصدد أشارت بعض الإحصاءت والأرقام، أن أكثر التخصصات طلباً اليوم، لم يكن لها وجود قبل عشر أو خمس سنوات. ووفقاً للمنتدى الاقتصادي العالمي فإن 65% من تلاميذ المرحلة الابتدائية، سيشغلون في المستقبل أنماطاًَ من الوظائف لا وجود لها اليوم.وأظهرت دراسة أجرتها جامعة أكسفورد، أن ثمة احتمالاً كبيراً، في أن تتعرض بعض الوظائف للمعاناة، بسبب الأتمتة والتحول الرقمي، وكشفت الدراسة، أن اختصاصيي المعالجة بالترفيه، والأطباء سيكونون في المنطقة الآمنة، وتقل احتمالية استبدالهم عن 1%، فيما ترتفع تلك الاحتمالية إلى 17% بالنسبة لرجال الإطفاء و43 % لعلماء الاقتصاد، وبحسب الدراسة فإن الفئتين المعرضتين للخطر أكثر من غيرهما، هما فئة المحاسبين 94% وفئة العاملين في التسويق عبر الهاتف 99%. ورغم أن الذكاء الاصطناعي سيطيح بالعديد من الوظائف والأعمال حالاً مكانها، إلا أن الاقتصادات التشاركية ستواصل سيرها، حيث ستنتزع شركات التكنولوجيا حصة سوقية ضخمة من الصناعات التقليدية.كما أن التباين بين احتياجات النمو والمهارات المتاحة، أكبر عقبة على درب النمو، ويتعين على الحكومة تذليلها، وبحسب تقديرات منظمة العمل الدولية، فقد بلغت البطالة العالمية رقماً قياسياً، قدر ب 200 مليون نسمة حول العالم، غير أن أرقام البطالة وحدها ليست كافية لرؤية الصورة بأكملها، فقد قدرت شركة ماكينزي لاستشارات الأعمال أن حوالي 30-40 % من العمالة العالمية غير مستغلة على النحو السليم. ولا تعد تقديرات منظمة العمل الدولية إثارة للقلق عندما ذكرت أن 60% من القوة العاملة العالمية التي قوامها 1.7 مليار نسمة، في مواقع وظيفية معرضة للخطر، وتقع المسؤولية في ذلك على ضعف التعليم، وعدم التوافق بين الوظائف الحالية والمهارات المتاحة، والنمو الاقتصادي البطيء، الذي يحول دون خلق فرص عمل ملائمة، حيث تفضي الوظائف الشاغرة إلى مزيد من معيقات النمو. وستشهد القوى المحركة لسوق العمل تغييرات جذرية خلال السنوات القليلة القادمة، وسيحدد نمو الدولة وقدرتها على التنافس، اعتماداً على موهبتها لا على رأس مالها، فمشهد التوظيف في العالم يتغير بسرعة كبيرة، وهذا يتطلب وضع سياسة تعاونية، تستند إلى معلومات فورية من سوق العمل، ومشاركة الحكومة والشركات والمعلمين والمواطنين بشكل عام، فمثل هذا التآزر أصبح ممكناً، بفضل التحول الرقمي.
مشاركة :