من مآثر النظام العالمي الجديد أننا أصبحنا نعيش اليوم في قرية كونية مترابطة الأطراف ومتشابكة المعايير، مما أدى لبزوغ عصر فريد من المنظمات الدولية، التي أصبحت تضم 34 منظمة حكومية و16 منظمة اقتصادية و8 منظمات ثقافية و7 للطاقة والبيئة والصحة و6 منظمات عسكرية. من خلال هذه المنظمات عكفت دول العالم على معالجة قضاياها المصيرية وتفاوضت بصولاتها وجولاتها لإصدار تقاريرها النافذة، فاختارت أفضل خبرائها وأكفأ مفاوضيها لتمثيلها في ميدان العولمة، وأغدقت عليهم من مواردها المالية ودعمتهم بالقدرات البشرية للدفاع عن حقوقها وتغليب مصالحها وصياغة مبادراتها لتحقيق مكاسبها وإعلاء سمعتها. من أهم هذه المنظمات، التي تمس المملكة بصفة مباشرة، منظمة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية. قبل زيارته الأخيرة للرياض، دعت منظمة العفو الدولية الرئيس الأميركي "باراك أوباما" بكسر حاجز الصمت إزاء ما زعمته من انتهاكات لحقوق الإنسان وتمييز ضد المرأة. منظمة العفو الدولية، التي أصدرت تقريرها السنوي في 27 مارس من العام الجاري، قالت إن "عدد حالات الإعدام التي نفذت في العراق وإيران أدت إلى تسجيل زيادة بنسبة 100% خلال سنة 2013 مقارنة بالعام السابق، مما تسبب في ارتفاع عدد هذه الحالات على المستوى العالمي بنسبة 15%". وذكرت المنظمة في تقريرها أن: "الصين تصدرت دول العالم بآلاف حالات الإعدام، تلتها إيران التي احتلت المرتبة الثانية بعدد 369 حالة، ثم العراق بعدد 169 حالة، والسعودية التي احتلت المرتبة الرابعة بإعدامها 79 شخصاً، بينما جاءت أميركا في المرتبة الخامسة بعدد 39 حالة، وتراجعت الصومال إلى المرتبة السادسة بإعدامها 34 شخصاً". وادعت المنظمة في تقريرها أن: "هذه الدول تسبح عكس التيار العالمي الذي يسير في اتجاه إلغاء عقوبة الإعدام، حيث إن مثل هذه العقوبة لم تطبق بحق شخص واحد في أوروبا ووسط آسيا للمرة الأولى منذ عام 2009". الملفت للنظر حقاً أن معظم هذه الدول، ما عدا المملكة والصومال، تصدت بشدة لهذه الاتهامات الصارخة، فقامت أميركا بتفنيد مزاعم تقرير المنظمة، وشددت على العراق وإيران على أن عقوبة الإعدام تعد الطريقة المثلى للمحافظة على الأمن ودحر الإرهاب، بينما امتعض المارد الصيني من تدخل المنظمة في شؤونه الداخلية، وجاء صمت الصومال نتيجة اعتزازه بتراجع عدد حالات الإعدام لديه بنسبة 56%. أما الصمت السعودي فلقد كان مستغرباً. اكتساب العضوية في المنظمات الدولية لا يعني انتهاء مهمتنا وخلودنا للراحة والطمأنينة، بل تقع على عاتقنا المشاركة الفعّالة في اجتماعاتها، وبذل المزيد من الجهد لتوضيح مواقفنا وترسيخ مبادئنا، والمثابرة في الدفاع عن مصالحنا، وإدارة دفة المفاوضات وصياغة تقاريرها لصالحنا. فالمنظمات الدولية، مثلها مثل المباريات الرياضية، التي تتطلب حضورنا القوي الفعّال لحماية شباكنا ومراوغة الفرق الأخرى للانقضاض على شباكها. ونظراً لكونها محكومة باتفاقية "فيينا" وميثاقها الأساسي، فإن هذه المنظمات تمنح الدول الفعّالة حق التصويت على قواعد سير العمل فيها وما يصدر عنها. وعليه فالدول الغائبة عن اجتماعاتها وغير الفعّالة في مفاوضاتها تصبح عضويتها عبئاً ثقيلاً عليها لعدم استخدام حقها في مناقشة تقاريرها الصادرة أو الإدلاء برأيها، مما يضطرها لاحقاً للانصياع للقرارات الملزمة بمجرد التوقيع عليها من قبل الدول الأعضاء المشاركة. من أهم أسباب تراجع قوتنا في المنظمات الدولية وضياع حقوقنا وتهاوي أهدافنا يعود لجهل أمتنا العربية بقواعد اللعبة الدولية الجديدة المعقدة، التي أصبحت تعتمد اليوم على قدراتنا الذاتية في توجيه دفة العولمة لصالحنا بدلاً من الجري في ركابها، وتحديث معلوماتنا عن دول الغير بدلاً من استقائها من مواقف المنظمات المشوهة والمشبوهة. لذا يقع علينا عبء اختيار أفضل من يمثلنا في هذه المنظمات لتوضيح مواقفنا بدلاً من صد هجماتها على شباكنا، وترسيخ نقاط قوتنا ومزايا مبادئنا في اجتماعاتها بدلاً من سكوتنا على تقاريرها واستسلامنا لقراراتها. عندما تطالبنا منظمة العفو الدولية اليوم بإلغاء عقوبة الإعدام، تقوم بذلك لقناعتها بغياب خبرائنا عن اجتماعاتها وضعف خبرتهم وتراجع قدراتهم في الدفاع عن أنظمتنا ومصالحنا. وعندما تلاحقنا منظمة حقوق الإنسان اليوم لمنح المرأة حقوقها، تغض هي نفسها النظر عن الدول الأخرى التي تسيء لمكانة المرأة، وذلك لبراعة خبراء هذه الدول في الدفاع عن شباكهم وتفاني مندوبيهم في تسليط الضوء على شباكنا القابعة في ملعب العولمة دون حسيب أو رقيب. يجب أن نلوم أنفسنا ولا ذنب لغيرنا لدى صدور تقارير المنظمات الدولية المشوهة لسمعتنا.
مشاركة :