بأي نسخة من مارتن لوثر كينغ تحتفل أميركا اليوم؟

  • 1/25/2017
  • 00:00
  • 34
  • 0
  • 0
news-picture

في الاثنين، الثالث من يناير (كانون الثاني) من كل عام يحتفل الأميركيون من كل الأعراق والخلفيات الاجتماعية والآيديولوجيات الثقافية بالدكتور المبجل مارتن لوثر كينغ. وهو محتفى به وذو مكانة عالية لدى المواطنين من البيض، كما هو تمامًا كذلك عند الأفارقة، ولدى الجمهوريين سواءً بسواء كما هو عند الديمقراطيين. ومن السهولة نسيان ذلك، حتى وقت قريب إلى حد ما، عندما تعرض قطاع كبير من المواطنين الأميركيين البيض بالاحتقار إلى الدكتور كينغ. ووصفوه بأنه مثير الفتن ومحرض الرعاع، لدرجة احتفاء البعض منهم بحادثة اغتياله في أبريل (نيسان) من عام 1968. وانتقالهم من مشاعر البغض إلى مشاعر المحبة هي أقل قصة يمكن روايتها عن ارتفاع مستويات التسامح وتدني درجات العنصرية، وهي تدلي بالمزيد حول الطرق التي تطهر بها، وقد تنقح، إرث الدكتور كينغ التاريخي. تجيء ذكرى الدكتور كينغ اليوم، ونحن على مفترق طرق عجيب إزاء دوره الراديكالي المعروف في السنوات الأخيرة من حياته. ففي عام 1967 استنكر وبشدة استمرار حرب فيتنام وحذر المواطنين الأميركيين من أن بلادهم باتت قاب قوسين أو أدنى من الدخول في حالة «الموات الروحي». وفي بدايات عام 1968، العام الذي شهد مقتله، خطط ونظم حملة المواطنين الفقراء، والتي تدور حول احتشاد الملايين من المواطنين الأميركيين الفقراء - من البيض والأفارقة واللاتينيين - في العاصمة واشنطن في مظاهرة لم تشهد البلاد مثيلاً لها في تاريخها الحديث. كما أنه دعا إلى تخصيص مبلغ 30 مليار دولار من ميزانية الدولة سنويًا للإنفاق على الفقراء ومكافحة الفقر، وطالب الكونغرس الأميركي بضمان الدخل الشهري الثابت لكل مواطن أميركي يعيش على أرض الولايات المتحدة. أمضى الدكتور كينغ أيامه الأخيرة في مدينة ممفيس بولاية تينيسي، متظاهرًا مع عمال النظافة المضربين عن العمل. وفي 28 مارس (آذار) من عام 1968، تحول بعض من المتظاهرين خلفه إلى أعمال العنف. واعتقد نقاده أن العمال المضربين قد أثبتوا حجتهم - وأن دعوات الدكتور كينغ إلى انتهاج مبدأ اللاعنف كانت بادية وجلية للغاية. ووصف رونالد ريغان، الذي شغل في وقت لاحق منصب حاكم ولاية كاليفورنيا وقتذاك، مقتل الدكتور كينغ بأنه: «مأساة عظيمة بدأت عندما بدأنا كشعب المساومة مع القانون والنظام، وبدأ الناس في اختيار أنواع القوانين التي يتجرأون على مخالفتها». ولكن إرث كينغ بدأ في التغير بمجرد رحيل الرجل نفسه عن عالمنا على نحو مفاجئ. ومع دعوة جماعات كمثل «الفهود السوداء»، و«ويذرمين» إلى اعتماد المقاومة المسلحة للسلطات كانت أساليب الدكتور كينغ السلمية أكثر جاذبية لدى الجماهير. وركز الكثيرون من المواطنين الأميركيين البيض على عبارة الدكتور كينغ الشهيرة «لديَّ حلم» من خطابه - وأنه يشتاق إلى اليوم الذي لا يُحكم على أطفاله فيه بسبب لون بشرتهم، ولكن بمحتوى شخصيتهم وأفعالهم - وألزموه قالبًا صلدًا من قوالب عمى الألوان الاجتماعي المزمن. وكان يوم عطلة الدكتور كينغ بمثابة السبب والنتيجة لهذا الاستئثار التلقائي. فلقد كان النائب جون كونيرز، الديمقراطي من ولاية ميشيغان، هو أول من اقترح تحديد يوم عطلة الدكتور كينغ بقانون رسمي في عام 1968، وظل يعرض القانون على الكونغرس في كل دورة تشريعية سنوية بعد ذلك. وفي عام 1983، اقترب ذلك القانون من المصادقة عليه. غير أن السيد ريغان، الذي كان رئيسًا للولايات المتحدة وقتها، قد عارض تمرير هذا القانون، وأدرك النواب الجمهوريون في الكونغرس أن تأييد تمرير هذا القانون، سوف يساعد في تلميع حسن النيات لأجندة الحقوق المدنية الخاصة بالحزب. ونجح مجلس النواب في الكونغرس في تمرير القانون ولكن بهامش تصويت ضئيل. لكن مناقشة القانون في مجلس الشيوخ لم تمنح المعسكر الجمهوري أية أفضلية. حيث ماطل السيناتور جيسي هيلمز، الجمهوري من ولاية نورث كارولينا، في تمرير مشروع القانون، ونشر السيناتور حزمة من الأوراق بلغ عددها 300 صفحة يفصل فيها خيانة الدكتور كينغ المفترضة للولايات المتحدة. ثم أنهى السيناتور هليمز في نهاية المطاف مماطلته القانونية، وفي يوم 19 أكتوبر (تشرين الأول) من نفس العام صادق مجلس الشيوخ الأميركي على مشروع قانون العطلة. ولم ينته المعارضون للدكتور كينغ عند هذا المستوى فحسب. حيث جمع أعضاء من المحافظين 43 ألف توقيع على التماس يدعو الرئيس رونالد ريغان إلى استخدام حق النقض (الفيتو) على قانون العطلة. ولكن الرئيس صادق على القانون على أية حال - ويرجع ذلك في جزء كبير منه، وباستثناء السيناتور هيلمز، إلى أن الكثير من المحافظين كانوا قد «اكتشفوا»، ثم تبنوا، نسخة ذات فائدة من الدكتور كينغ. ولقد اشتد اعتماد وتبني هذه الرؤية خلال المعركة الدائرة حول «العمل الإيجابي». ففي 15 يناير من عام 1986، أي قبل أيام من عطلة الدكتور مارتن لوثر كينغ السنوية، اقترح السيد أدوين ميس النائب العام الأميركي وقتئذ إلغاء أهداف توظيف أبناء الأقليات من قوائم المقاولين الفيدراليين. ومستخدمًا كلمات وعبارات لا تنسى، بصورة أو بأخرى، في جميع مراحل مناقشات العمل الإيجابي، زعم السيد ميس أن مقترحه كان «متسقًا تمام الاتساق مع رؤية ومبادئ الدكتور كينغ». وفي عام 1996، وقع حاكم ولاية لويزيانا أمرًا تنفيذيًا بوقف برامج العمل الإيجابي. وقال السيد مايك فوستر، الجمهوري، وحاكم الولاية: «يبدو أن معتقداتي والسيد كينغ يجمعها قدر من الاتفاق. فإنني لا أجد في كتاباته ما يدعو أبدًا إلى عكس تيار العنصرية داخل المجتمع الأميركي». (يبدو أن السيد فوستر قد أغفل في بحثه كتاب الدكتور كينغ بعنوان (إلى أين نذهب من هنا؟)، وفيه أوضح الدكتور كينغ قائلا: (إن المجتمع الذي انتهج سياسة خاصة معارضة ضد الزنوج لمئات السنين، لا بد أن ينتهج سياسة خاصة ومغايرة لصالحهم الآن)». وهذا الاستئثار «المعاود» يستمر متواصلاً حتى يومنا هذا. ففي هجوم على كولين كيبيرنيك، لاعب خط الوسط في فريق (49) لكرة القدم من مدينة سان فرانسيسكو، لركوعه «احتجاجًا» أثناء عزف السلام الوطني الأميركي في إحدى المباريات، قال دابو سويني مدرب فريق كليمسون لكرة القدم إن الناس من شاكلة كيبيرنيك ينبغي أن يعيشوا في دولة أخرى غير الولايات المتحدة. واقترح السيد سويني أن المتظاهرين يلفتون الانتباه إلى مثال الدكتور كينغ المشرق: «أعتقد أن حل مشكلاتنا لن يكون إلا بالطريقة التي دعا إليها الدكتور مارتن لوثر كينغ، عندما تمكن من تغيير العالم من خلال الحب، والسلام، والتعليم، والتسامح حيال الآخرين» - كما لو أن الدكتور لم يوجه الانتقادات اللاذعة ضد بلاده أو تسبب في شلل أوجه الحياة العامة في المدن الأميركية عبر التظاهرات العارمة وحملات العصيان المدني. مات الدكتور كينغ مدافعًا عن إضراب عمال النظافة ودعا حكومة بلاده لحماية الفقراء والضعفاء. وكانت لديه رسالة لأولئك الذين يستهدفون المهاجرين أو يدعون إلى عزلة الولايات المتحدة عن بقية دول العالم. وفي خطابه عام 1967، أعلن الدكتور كينغ قائلاً: «لا بد لولائنا أن يكون عالميًا بدلاً من أن يكون وطنيًا». ودعا الدول إلى «تنمية الوعي والولاء للبشرية بأسرها» بدلا من تأمين وحراسة حدودها الوطنية. غير أن البديل المطروح غير مقبول بالمرة. «يمتلئ التاريخ بذكريات حطام الدول، والأفراد، التي انتهجت هذا السبيل من الكراهية المدمرة للذات وللداخل». حتى نحتفي فعلاً بالدكتور مارتن لوثر كينغ، لا بد وأن ننتهج مسارًا مغايرًا بالكلية.

مشاركة :