النور الساطع في مهد اللحظات الأولى لسكون القلب يصيبه بالعمى، يضعف من إحساسه؛ ليتحول من دوره السامي في الحفاظ على أقفاله سليمة لمن يستحق؛ ليتركها لمن لا يستحق؛ ليمارس نزواته وهروبه المستمر من الحقيقة. خلق الله العقل ليستريح البشر، جعله مفراقاً بين الحق والباطل، استناداً لما يقع في مكنونه من صواب، لكن كيف للمفراق أن يعمل مع تخبطات ميزانه الداخلي؟ يعمل الطبيب لمداواة جروحنا الجسدية، لكن من ذا يداوي جروح الروح؟ لماذا؟! عاد بعد انقطاع كاد أن يقتلني.. تذكرت خلواتي مع نفسي.. تدبرت في آلامي وجراحي.. بعد اجتماعي الأخير أصبح قرار البعد بين قاب قوسين أو أدنى لم ظُليمات تتراكم فوق الأحداث.. كشف للأقنعة وخيبات كبار يستطِع لساني قولها.. لحظات من الصمت يتخللها مزيج من الرهبة والفضول، إنه المتهم جاء ليدافع عن صاحبه، جاء ليبرر قراراته واندفاعاته، إنه قلبي جاء معلناً سيطرته أملاً في إعطائها فرصة من أجل إثبات الذات ومحو الذكريات. رعب انتشر في أرجاء المكان وسط سخرية من تبريراته الواهية وسذاجته، لا أحد ينكر تحسنها وتغير سلوكها لكنها ليست هي.. كلمات عقلي كادت أن تقتلني، لم أشعر بذاتي إلا بفيض من دموعي يستثير شعوري لأوافق على طلبات قلبي.. لماذا أرضخ؟! سؤال أطرحه في كل كتاب. لِمَ المعاملة بدون مقابل؟ أسئلة تقتل مكنوني الفضولي، لكن لا أملك إلا الانتظار لفصل آخر، وكلي أمل أن أبدأ في كتابة قصتها بقلمي الآخر. لكن انتظار الفصل الآخر يحمل في طياته دلالات تقطع الشك الذي يسيطر على الأجواء؛ لتعلم عندها أنه منذ البداية ما كان سوى طرق طفولية تسيطر ليس أكثر من هذا، طرق طفولية حركت سواكن مشاعر جمهورية قلبي المتحدة؛ لتقف جيوشها منتصرة على بطش حراس أبواب تفكيري، لتتباهى أنها كانت أول من يهزمني؛ لتبقى دائماً في خاطري ورحلت فقط؛ لأتذوق وللوهلة الأولى مرارة الهزيمة من امرأة. تتداخل المشاعر تباعاً؛ لتولد جيلاً من الانكسارات والهزائم، إن لم تستطِع السيطرة على جيشك، فأنت لا تستحق شرف قيادة روحك للأفق. همهمات الثقة بعد الانكسار ما هي إلا عجرفة من كبار السن، ما هي إلا مسكنات قد تسلمناها من صيدلي خوفاً من الذهاب إلى طبيب يداوي جروحاً عاشت لسنوات فينا، لم نكن ندرك أن الطبيب هو امرأة جاءت لتحرر الفكر، ويستنير القلب من جديد، ولكن هيهات له أن يستريح من طوفان ذكرياته المرير. شبح الذكريات لا يتخلى عن الروح بمكنوناتها الفكرية والجسدية، رغم المحاولات الدامية والحروب العنيفة في هذا الصدد، قد يكون ترياق الحياة بيد امرأة، ولكن ليس لتعافي الروح كلياً يمكنها أن تكون نزوة أو فترة قصيرة، ومن ثم تعود مرة أخرى. مع توافد الأقاويل والأساطير بهذا الصدد صمدت مقولة واحدة: "إنما الحب للحبيب الأول"، لكن لماذا يسعى الكل له؟! بعد تفكير طويل لم أجد إلا أنه مجرد سد للنقص وجبر للخواطر، ليس إلا، وأنه مجرد نزوات شيطانية تم تجميلها بمسمى الحب؛ لتبقى في منظور الكل أنه يسعى لتكوين أسرة تدفع نحو غد مشرق، ولكن في داخله يعلم أنها ليست له، وأن فراقهم تمت كتابته في ميعاد لا يعلمه إلا هو. "ما الحب إلا للحبيب الأول" صدقت المقولة، وكذبنا نحن، في المرة الأولى يكون القلب بكراً خالياً من النفاق والكره، فيحب حباً نقياً صادقاً خالياً من الشوائب، ولكن نحن من ندخل عليه السموم؛ ليتحول من نقاء إلى ما نسميه تخبطات ليس لها مدلول، وتبقى مضغة داخله لا تتغير أبداً، فمنها ينبع الحب الصادق إن خرجت للنور. وهنا يبقى السؤال: أي طبيبة ماهرة تستطيع انتزاع هذه المضغة لتنميها وتنشئتها على حبها المستقبلي؟! لم أجد طبيبة أمهر من تلك التي ولدتني، إنها منبع ذلك الصافي النقي المجرد من الأهواء في مكنوني، إنها تستحق أن تكون هي المسؤولة عن تخريج تلك الطبيبة الماهرة، فأنا ها هنا أنصبها عميدة ورئيسة لتلك المهمة الصعبة. إن الطفل إذا تألم ابتعد، هذا هو حال قلوبنا عندما تتألم تغلق؛ لتتشكل من جديد على يد من كتبت لنا نصيباً، ليس لعيب فينا، ابتعدوا ولو لعيب، فليس كل عيب يصنفه العاقل عيباً. "أحبوا هوناً فقد أفرط أقوام في حبهم فهلكوا". ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :