"مطلوب للدولة الإسلامية"..هذه العبارة وضعها التنظيم المتشدد على صور نشرها على الإنترنت لضباط في الجيش والشرطة بمصر ونشر بجانبها شعاره والرتب والعناوين الخاصة بأصحابها داعيا أتباعه إلى ملاحقتهم وقتلهم. وكل هؤلاء الضباط لا يخدمون في محافظة شمال سيناء التي ينشط فيها التنظيم والتي تتاخم إسرائيل وغزة إنما يخدمون في أنحاء أخرى من البلاد. ونشر التنظيم الصور في تيليجرام وهو نظام للرسائل الفورية المشفرة يستخدمه في الاتصال بأتباعه. وواكبت حملة نشر تلك الصور أكبر هجوم شنه التنظيم خارج شمال سيناء استهدف الكنيسة البطرسية الملحقة بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس بالقاهرة في ديسمبر كانون الأول وهو الهجوم الذي أوقع 28 قتيلاً. وتوضح الحملة أن التنظيم مد عملياته إلى أنحاء أخرى من البلاد. ومصر حليف رئيسي للولايات المتحدة وينظر إليها باعتبارها حصنا ضد التشدد الإسلامي في المنطقة. وعندما يمد التنظيم بصره إلى أنحاء أخرى في مصر فإنه يزيد الضغط على حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي ويفرض تحديات إضافية على الأجهزة الأمنية ويهدد بضربة أخرى للسياحة التي تمثل حجر زاوية لاقتصاد مصر الذي يعاني بالفعل من صعوبات شديدة. كانت الدولة الإسلامية قد أعلنت مسؤوليتها عن سبعة هجمات في القاهرة العام الماضي بعد أن شنت أربعة هجمات فيها عام 2015. وقال ها هيليار كبير الباحثين في المجلس الأطلسي بواشنطن "جعلت الدولة الإسلامية من مصر ـ وليس سيناء فقط ـ هدفا لها وذلك في إطار خطابها منذ فترة طويلة..ويبين محللون أمنيون مستقلون وكذلك بيانات رسمية صادرة عن الدولة المصرية أن الهجمات خارج سيناء زادت خلال العامين الماضيين". * توسيع الهجمات قتل مئات من أفراد الجيش والشرطة في هجمات تنظيم الدولة الإسلامية بشمال سيناء الذي زادت قوته بعد منتصف 2013 الذي شهد إعلان السيسي ـ عندما كان وزيرا للدفاع وقائدا للجيش ـ عزل الرئيس السابق محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين بعد احتجاجات حاشدة على حكمه. كانت جماعة أنصار بيت المقدس المتشددة ـ التي تعززت بانضمام مجندين إلى صفوفها من القبائل البدوية التي تشعر بالحرمان ـ تقاتل السلطات قبل عزل مرسي. لكن الجماعة كثفت هجماتها بعد عزله وأعلنت في 2014 البيعة للدولة الإسلامية وغيرت اسمها إلى ولاية سيناء. وانتخب السيسي رئيسا في نفس العام. وعندما أعلن التنظيم مسؤوليته عن هجوم الكنيسة حمل بيان إعلان المسؤولية اسم "الدولة الإسلامية في مصر" وليس ولاية سيناء. وقال هيليار "عندما يصدر إعلان المسؤولية باسم الدولة الإسلامية في مصر وليس ولاية سيناء فإن هذا تعبير واضح منهم عن أنهم ببساطة يعتزمون استهداف مصر الأوسع وليس سيناء". ونفى السيسي أن يكون قصور أمني السبب في الهجوم الذي وصفه بأنه عمل يائس. بعد عزل مرسي تعرضت جماعة الإخوان المسلمين وإسلاميون آخرون لحملة اتسعت لتشمل نشطاء وصحفيين معارضين.وتقدر منظمات مدافعة عن حقوق الإنسان أنه جرى اعتقال ما لا يقل عن 40 ألف سجين سياسي. ولا يفرق السيسي بين جماعة الإخوان المسلمين التي تقول إن نشاطها سلمي والدولة الإسلامية. وتنفي جماعة الإخوان أي صلة لها بالعنف لكن الحكومة تربط كثيرا بينها وبين هجمات بما في ذلك هجوم الكنيسة. وفي العادة يقدم تنظيم الدولة الإسلامية في دعايته صورة سلبية للإخوان المسلمين ووصف مرسي بالمرتد. تغيير التكتيكات يقول محللون إن استراتيجية الدولة الإسلامية في سيناء تعكس تكتيكاتها في سوريا والعراق.فالتنظيم يقاتل تحت هيكل قيادة واضح ويستخدم العبوات الناسفة التي تزرع على الطرق والمفجرين الانتحاريين والقناصة. ومع ذلك فإن عملياتها في مصر خارج سيناء تشبه بدرجة أكبر خلاياها في تونس أو أوروبا.فهي تعتمد في هجماتها على مجموعات صغيرة تنشط في سرية ولا تتصل ببعضها البعض.وتستخدم في تنفيذ تلك الهجمات وسائل فنية تنشرها على الإنترنت مثل كيفية صناعة القنابل محليا. وبعد ذلك تشن الخلايا أو المهاجمون الفرادى الهجمات باسم تنظيم الدولة الإسلامية ويعلن التنظيم الرئيسي مسؤوليته. وقال خالد عكاشة الخبير الأمني والعقيد المتقاعد في الشرطة في اتصال هاتفي مع رويترز "انت هنا بتتكلم عن مجموعة من الخلايا الصغيرة اللي عايشين وسط السكان بشكل طبيعي وبيمارسوا حياتهم بشكل طبيعي بتبقى خلايا صغيرة في قدر كبير من السرية..ما يؤكد أن هذا نمط جديد أن الأمن أوقع خلايا مماثلة بعضها لم يستطع تنفيذ هجمات خلايا مشابهة...وكان فيه إعلان من وزارة الداخلية بخلايا مماثلة في الدقهلية ودمياط والمرج البعض منها كان قبل (هجوم) الكنيسة البطرسية والمجموعات تتفق في النمط المشابه ومفيش خلية بتتواصل مع الأخرى". وأضاف "هذا النمط قريب من اللي بيحصل في أوروبا وفي تونس..مسألة زرع الخلايا الصغيرة وده اللي بتعمل عليه داعش وربما تستمر في العمل عليه داخل القاهرة...الأمن شغال ومقدر أن داعش لن يكتفي بسيناء وبيراهن على الداخل". ويقول بعض المحللين الأمنيين إنه مع فقدان تنظيم الدولة الإسلامية لأراض في سوريا والعراق وليبيا من المنطقي افتراض أن يتحول اهتمامه صوب مصر أكبر الدول العربية سكانا. ووقعت هجمات في القاهرة في العامين الماضيين شملت هجمات على حافلة سياحية وعربة للشرطة ونقطة تفتيش أمنية والقنصلية الإيطالية ومبنى تابع لجهاز الأمن الوطني وضابط كبير في الشرطة. ويحاكم القضاء العسكري حاليا 292 شخصا يشتبه بكونهم متشددين تابعين لتنظيم الدولة الإسلامية واتهم بعضهم بالتخطيط لاغتيال السيسي.وتحتجز السلطات 151 منهم فقط. وتشير بيانات للجيش إلى أن قواته قتلت ما لا يقل عن 2000 عضو في جماعة ولاية سيناء منذ أن بايعت الجماعة تنظيم الدولة الإسلامية في نوفمبر تشرين الثاني. "رصد المرتدين" وحث تنظيم الدولة الإسلامية أنصاره على الانترنت قائلا "أعينوا المجاهدين وأخبروا عن معلومات المرتدين في محيطكم..عسكري..مخبر..فرد أمن..أمين شرطة ضابط..عقيد..مدير بنك..رأس نصرانية كافرة..صليبي أو صهيوني مقيم بين ظهرانيكم". ويعرض طريقة يمكن بها لأنصاره إرسال المعلومات المطلوبة.ويروج التنظيم لحملة "رصد مرتدي مصر" كبديل متاح لأنصاره الذين لا يستطيعون الانضمام للقتال في سيناء. لكن ستيفاني كارا محللة شؤون الشرق الأوسط لدى ريسك أدفايزوري في لندن قالت إن الاحتفاظ بوجود قوي في سيناء أولوية لتنظيم الدولة الإسلامية فيما يبدو. وقالت "قدرات خلايا تنظيم الدولة الإسلامية داخل القاهرة وحولها لا تقارن على الإطلاق بقدرات خلاياه في سيناء". وأضافت "لكن يجدر بنا أن نضع في الاعتبار أن الدولة الإسلامية استخدمت استراتيجية في بلدان أخرى تقوم على شن هجمات خارج مناطق سيطرتها لتخفيف الضغط العسكري على التنظيم". ولم يوجه تنظيم الدولة الإسلامية أي مطالب للحكومة المصرية التي يستهدف الإطاحة بها.ويقول التنظيم إنه يقاتل لتطبيق الشريعة الإسلامية وإقامة خلافة عالمية يرغب في ضم مصر إليها.وتقول الحكومة إن التنظيم حاول اغتيال السيسي أكثر من مرة. ضغوط على السيسي ووصف السيسي المتشددين الإسلاميين بأنهم يشكلون تهديدا وجوديا وجعل من فرض الأمن أولوية للدولة التي يقطنها أكثر من 90 مليون نسمة والتي ترتبط بمعاهدة سلام مع إسرائيل وتتلقى مساعدات عسكرية كبيرة من واشنطن. وخاض الحملة الانتخابية في 2014 استنادا بشكل كبير إلى وعود بمكافحة الإرهاب وكثيرا ما يقول للمصريين إنهم نجوا من الصراعات التي تضرب سوريا والعراق وليبيا عندما عزل مرسي. ومن شأن وقوع مزيد من الهجمات أن يؤدي إلى تفاقم معاناة قطاع السياحة المتداعي وهو أحد أكبر مصادر العملة الصعبة للبلد الذي يعتمد على الواردات ويعاني شحا في الدولار. وتلقت منتجعات مصر السياحية وكنوزها الثقافية الأخرى بما فيها الأهرامات ضربة قوية بسبب الاضطراب السياسي الناجم عن انتفاضة 2011 التي أنهت حكم حسني مبارك الذي دام 30 عاما. ومني القطاع بانتكاسة أخرى في أكتوبر تشرين الأول 2015 بعد تفجير طائرة ركاب روسية فوق سيناء مما أودى بحياة 224 شخصا كانوا على متنها.وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته عن الواقعة. وجرى تعليق الرحلات الجوية البريطانية إلى منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر والذي أقلعت منه الطائرة كما علقت الرحلات المباشرة من روسيا إلى جميع أنحاء مصر. ويقول مسؤولون إنهم يقتربون من استئناف الرحلات الجوية لكن تصعيد حملة تنظيم الدولة الإسلامية في القاهرة وغيرها من المناطق من شأنه أن يخلق مزيدا من العقبات في طريق أي تعاف لقطاع السياحة.
مشاركة :