أكثر من ٢٣ عاماً مضت منذ أن تم إقرار احتراف لاعبي كرة القدم السعوديين، وهو القرار الذي كان يهدف بشكل رئيسي لتصدير اللاعب السعودي إلى أقوى مسابقات الدوري في العالم وتحديداً إلى أوروبا، لكن هذا الهدف لم يتحقق، وبقيت المحاولات بعيدة عن نيل مرادها على الرغم من بعض التجارب غير المكتملة لعدد من اللاعبين السعوديين في الملاعب الأوروبية والآسيوية. المحاولات لم تنجح، وإن نجحت فالنجاح لا يدوم طويلاً، إذ سرعان ما يعود اللاعب السعودي إلى ملاعب الوطن في أمر حيّر عشاق الكرة السعودية الذين يتطلعون لرؤية لاعبيهم وهم يصنعون صورة جيدة في دول العالم الكروي الأول، لكن أسباب هذه الإخفاقات تعددت، والاتهامات توزعت بين اتحاد الكرة والأندية واللاعبين والإداريين ووكلاء اللاعبين. «الرياض» وعبر تحقيق موسع تفتح ملف القضية الشائكة مجدداً وتستطلع آراء العديد من المختصين وذوي التجربة والمهتمين بهذا الشأن. ابن ناصر: اللاعب غير ملتزم.. ويتمسك بعقوده الضخمة الالتزام أجهض محاولاتنا أرجع وكيل الرئيس العام لرعاية الشباب ورئيس لجنة الاحتراف وعضو اتحاد الكرة السابق الدكتور صالح بن ناصر عدم نجاح اللاعبين السعوديين في الاحتراف خارجياً إلى غياب عامل الالتزام وقال: «نتمنى أن يكون لدينا لاعبون محترفون في الدول المتقدمة في أوروبا أو حتى في أميركا الجنوبية، لكن هناك عوامل ومواصفات يجب أن يمتلكها اللاعب السعودي وأهمها أن يكون ملتزماً بالمواعيد ومنضبطاً في التدريبات وأن يعمل بالتعليمات الخاصة بتطويره من النواحي كافة مثل المحافظة على صحته وغذائه ونومه، بجانب الانضباط السلوكي، ومتى ما استطاع اللاعب السعودي أن يرسم صورة ذهنية جيدة تتعلق بهذه العوامل فسيكون مطلوباً للاحتراف خارجياً، من المهم أن نركّز على بناء هذه الصورة ولا بد أن يقوم اللاعب بواجباته الانضباطية قبل الفنية». وتابع: «لدينا بعض اللاعبين الذين خاضوا تجارب احترافية خارج المملكة، لكنهم عادوا سريعاً نتيجة لعدم الالتزام في أمور عدة مثل التغذية والنوم وأداء التدريبات بجدية وكل هذه العوامل يمكن وضعها تحت عنوان عريض هو الالتزام، فمثلاً من غير المعقول أن يجلس اللاعب طويلاً على الأرض ليلعب «البلوت» مثلاً والجلوس بهذه الطريقة يضر به وبركبتيه، والهدف أولاً وأخيراً هو الاستفادة وخوض التجربة بغض النظر عن العقود والأرقام المالية». ووجه الرياضي المخضرم نصائح عدة للاعبين السعوديين قائلاً: «لا يجب على لاعبينا أن يطلبوا أرقاماً كبيرة عندما تُطلب خدماتهم، لابد من التضحية وتقديم بعض التنازلات طالماً أن الطموح باللعب والاحتراف خارجياً موجود لدى اللاعب». واعتبر بن ناصر ارتفاع أسعار اللاعبين السعوديين في السوق السعودي عاملاً مهماً في الحد من إمكانية احتراف لاعبينا خارجياً، مضيفاً: «عندما يحصل اللاعب على عقد سنوي ما بين الخمسة والسبعة ملايين ريال فلن يقبل باللعب في أوروبا أو في أي مكان بأقل من هذا المبلغ، انظروا إلى ميسي وكيف بدأ منذ كان صغيراً في مدرسة برشلونة إذ كان يحصل فقط على غرفة نوم ووجبات وكان يتنقل بالدراجة حتى وصل عقده السنوي إلى مبالغ كبيرة والأمر ينطبق على كريستيانو رونالدو وبقية اللاعبين الأوروبيين، فالأمر يحتاج لإرادة وصبر». الكل يتطور ونحن نتأخر قائد المنتخب السعودي السابق فؤاد أنور الذي خاض تجربة عبر نادي شوانغ زهو الصيني موسم ١٩٩٩ ولم تكمل العام تحدث لـ»الرياض» عن أسباب عدم نجاح احتراف اللاعب السعودي خارجياً، وقال: «برأيي أن اللاعب السعودي يخوض التجربة في سن متأخرة، المفترض أن يشق طريقه خارجياً في مرحلة مبكرة من مشواره الرياضي حتى يعتاد على الأجواء هناك، والسبب الأهم هو غياب الانضباط والالتزام وعدم إجراء التدريبات الصباحية وغياب مفهوم كرة القدم كمهنة وعمل ومصدر رزق يصحو له اللاعب باكراً ويذهب لعمله مثل الموظفين، وهذا غير موجود وأصبح تداول خبر إقامة التدريبات الصباحية في فريق ما أمر غريب ودخيل على الرياضة على الرغم من أنه أمر أساسي». وألقى القائد السعودي السابق باللائمة على المنظومة كاملة بدءاً باتحاد الكرة، وقال: «اتحاد الكرة هو رأس الهرم ولا بد من مبادرات جادة وحقيقية وطموحة وهذا للأسف غائب كما، احترافنا موجود على الورق فقط، أما على الواقع فكل ما يحدث لا يختلف عن زمن الهواة، مؤسف أن جميع اتحادات الكرة المنتخبة والمعينة لم تطرق هذا الباب، أقول لهم أعيدوا لنا الاحتراف وأعيدوا الانضباط والتدريبات الصباحية حتى تعتاد الأجيال المقبلة على هذا النمط وعندها سنكون قادرين على أن نكون محترفين حقيقيين، فلا يمكن أن تمنح اللاعب الأموال والشهرة والفراغ وتطالبه بالنوم باكراً أو الانضباط السلوكي فهو معرض لارتكاب كل هذه المخالفات». وأضاف: «الجميع من حولنا يتطور، انظروا للفرق الآسيوية وكيف تطورت وأصبحنا بتراجع مستمر، نحن نعتمد على مهارة اللاعب وننتظر أن يكون في يومه حتى يصنع الفارق، الآخرون يلعبون كمنظومة ويعلمون ماذا يريدون وهم داخل الملعب، الجوانب اللياقية والبدنية عند الآخرين أصبحت مميزة ونحن لا نزال على نفس المستوى إن لم نكن في تراجع». المدلج: الحل إغراء الأندية بالمال السقف هو الحل من جانبه قال رئيس لجنة التسويق بالاتحاد الآسيوي سابقاً الخبير الرياضي الدكتور حافظ المدلج: «شكراً لـ»الرياض» على فتح هذا الملف، ويفترض ان يطرح اعلامياً بشكل مستمر حتى ينتشر الوعي ونرى لاعبين سعوديين محترفين في اوروبا مثلما نشاهد عرب شمال افريقيا موجودين في البطولات الاوروبية، وبرأيي الاحتراف الكامل لا يتحقق إلا باحتراف العقول قبل احتراف الأقدام، اليوم لدينا محترفين بمهاراتهم وادائهم بالاسم فقط وعند توقيع العقود، لكن فكرياً كثير منهم ينقصه اساسيات الاحتراف في الانضباط والأكل والابتعاد عن مدمرات الصحة والابتعاد عن الغرور والاقتراب من المجتمع، وممارسة دوره الحقيقي كلاعب محترف قدوة، كثير من اللاعبين سلموا الامر كله لوكيل الاعمال الذي ينقصه كثير من اساسيات الاحتراف، اذاً لا الوكيل محترف ولا اللاعب محترف». واضاف «عندنا نواقص كثيرة في نظام الاحتراف وفي منظومة الاحتراف بشكل كامل، فيما يخص نظام الاحتراف ما زلت اكرر واطالب بتطبيق السقف الأعلى لمجموع رواتب اللاعبين، بإمكانك الزام النادي بمجموع رواتب اللاعبين سنوياً على الا يتجاوز ٥٠ او ٦٠ مليون ريال على سبيل المثال، ويتم توزيع رواتب جميع اللاعبين داخل هذا السقف ولا يتجاوزه، بحيث لا يكون هناك دفع من تحت الطاولة وهدايا تفسد اللاعبين، اللاعبون السعوديون يتسلمون عشرات الملايين ولا يقدمون العطاء المقابل، لأنه لا يوجد سقف، هذه الأيام نسمع عقود لاعبين بسبعة وتسعة ملايين ريال سنوياً واكثر، لان النظام مطاطي ولا يخدم اللاعب ولا الاحتراف في السعودية». وحول المسؤول عن ذلك قال: «طبعاً اللائمة الاكبر تقع على النادي، اليوم هناك كثير من اللاعبين غير منضبطين، مع ذلك الاندية تتستر عليهم وتتغاضى عنهم، يخطئون ولا يعاقبون، اللوائح الداخلية في الغالب انظمة هشة ولا توفر بيئة انضباطية للاعب، لذلك شاهدنا كثيراً من اللاعبين دمروا انفسهم صحياً واجتماعياً». وعن سبب غياب اللاعب السعودي عن الاحتراف خارجياً قال: «احتراف اللاعب السعودي خارجياً متعلق بخمسة عوامل هي اللاعب ووكيل الاعمال والنادي والجمهور والاعلام، بداية الاعلام الرياضي عاطفي ويحب ان يبقى اللاعب في بلده وناديه، لذلك تجد اعلام النادي لا يحفز على الاحتراف الخارجي فالأهم لديه مصلحة النادي وان يبقى اللاعب ويخدم النادي، الجمهور مرتبط ارتباطاً كبيراً بالأعلام، لكن الادهى والامر ان الجمهور العاطفي نظرته قصيرة ومرتبطة بالنادي ومصلحته فقط، لذلك يهمه ان اللاعب يبقى ويؤدي ويخدم النادي، لا يريدونه ان يخرج خارج الوطن الا اذا صار لا ينجز للنادي ويخدمه، لكن مستحيل تجد من الجمهور من يشجع نجم فريقه على ان يغادر للخارج، ارتباط الجماهير بلاعبيهم يجعلهم يطالبون بقربهم منهم وبشعار النادي الذي يشجعونه لذلك لا يشجعونه على الاحتراف الخارجي، بالنسبة لإدارة النادي فهي تفكر في كسب المباريات، بالتالي لا يوجد رئيس يشجع لاعبيه على خوض التجربة». وحول الحلول لرؤية لاعبين سعوديين في الخارج أجاب: «اليوم نحن في زمن المال، واذا اردنا رؤية لاعبين سعوديين محترفين خارجياً لابد أن نوفر دعماً مالياً لأنديتنا، بمعنى آخر تشكل لجنة ويخصص صندوق مالي لهذه اللجنة ونقول النادي الذي يحترف منه لاعب خارجياً سيعوض مالياً، وبالتالي تحفز الأندية على السماح للاعبيها بالاحتراف ويوضع اطار معين، اذا احترف في اندية الدرجة الثانية يحصل النادي على مبلغ معين وكذلك بقية الدرجات مبلغ معين، والدوريات مختلفة لاشك الانجليزي الاغلى بعده الاسباني والالماني والايطالي والفرنسي وهكذا، لابد أن نأخذ نماذج معينة ونكثر من عرضها، رياض محرز ومحمد صلاح والنني وغيرهم من اللاعبين بالذات من لاعبي عرب شمال افريقيا نجحوا وتألقوا في الدوريات الكبرى، آخر الأمثلة محرز فاز بجائزة افضل لاعب في الدوري الانجليزي وهذه بحد ذاتها فخر لكل العرب، لدينا لاعبون في السعودية بإمكانهم ان يصبحوا مثلهم لكن لابد للواحد منهم ان يقبل بالبدء في مراحل مبكرة ويتحمل ضغوطات التدريب واجواء الاحتراف العالية والتنافسية العالية وان يبدأ من نادٍ صغير في بلجيكا او المجر مثلاً ثم ينتقل الى نادٍ متوسط حتى يصل إلى نادٍ كبير، لا ننسى هناك لاعبون حضروا لدورينا ووجدوا صعوبة في النجاح مثل المغربي يوسف العربي، هذا اللاعب لم ينجح في ملاعبنا وعندما غادر لإسبانيا نجح هناك». الوكيل بريء المدرب الوطني الدكتور عبدالعزيز الخالد طالب بترسيخ مفهوم المهنة لدى اللاعب السعودي وقال: «لابد أن يدرك اللاعب أنه يتعامل مع الكرة كمهنة والمشكلة أن لاعبينا على الرغم من أن الكرة هي مصدر رزقهم وحصولهم على عقود مالية كبيرة إلا أن معظمهم لم يدرك أن الكرة هي مهنته، وهنا نحتاج لغرس هذه الفكرة من قبل الإدارات ومسؤولي الفئات السنية، وأذكر أن تجربة عايشتها في الفريق الأولمبي في الهلال وحاولنا تثقيف اللاعبين من النواحي القانونية والانضباطية والمالية وحتى على مستوى قانون الكرة والتعامل مع الحكام والجماهير والإعلام، وأظن أن هناك عملاً جيداً وقفت عليه في أندية الهلال والأهلي والنصر وأتمنى أن يستمر حتى نحصل على جيل يتمتع بالاحترافية العالية». وذهب الخالد إلى أن وكلاء اللاعبين غير مسؤولين عن زراعة مثل هذه الثقافة وأن دورهم ينحصر في الغالب على التسويق، وتابع: «لكنهم يستطيعون تقديم النصائح للاعبيهم خصوصاً أنهم لا يتواجدون مع اللاعبين باستمرار مثل مسؤولي الأندية، فوكيل اللاعبين يرتبط بلاعبين في أندية مختلفة ومن الصعب عليه التعامل معهم جميعاً بنفس الدرجة، لكن من المهم أن يكون وكيل اللاعب ملماً بالأنظمة ومثقفاً ومتعلماً حتى يستطيع تقديم الفائدة للاعب وتوجيهه في المواقف التي يتعرض لها، لكنه في الأخير غير مسؤول عن تثقيف اللاعب طالما أن إدارات الفئات العمرية لم تقم بهذا الدور». د. صالح بن ناصر د. حافظ المدلج د عبدالعزيز الخالد سامي الجابر فؤاد أنور
مشاركة :