منصور البقمي - تربة لم يكن أمام أبناء البادية في الماضى عند حلول شهر رمضان المبارك من خيار سوى الصيام في بيوت الشعر أو الخيام، مع درجات حرارة مرتفعة للغاية بعيدًا عن مقومات الراحة الحالية، بلا كهرباء أو مكيفات أو ثلاجات، ولا ساعات، وأوضح عدد من كبار السن الذين عاشوا تلك الحياة لـ «المدينة» أنهم كانوا يعتمدون على أنفسهم في تحديد المواقيت، أما خلال ساعات العمل تحت أشعة الشمس الحارقة فكانوا يقومون برش الشراشف بالماء والتحافها لتبريد أجسادهم وتخفيف وطأة الحرارة، ولكن الشراشف المبللة سرعان ما تجف بفعل الهواء الساخن فيستيقظ الصائم لرشها مرة أخرى وهكذا، بينما كان عصيرهم الأقط المنقوع في الماء وثلاجتهم القربة، ويمسكون مع الشفق فجرًا ويحددون مواقيت الصلاة وفقًا لارتفاع قرص الشمس بعصا تغرس في الأرض ويتابعون ظلها. إشعال النيران: ويقول الشيخ حمدي البقمي وعمره 98 عامًا: كان لشهر الصوم عند أبناء البادية في الماضي طابعه الخاص والمميز حيث يتناول أفراد القبيلة الإفطار مجتمعين بعد صوم يوم شاق في درجة حرارة عالية، حيث لم نكن نعرف الكهرباء ولا أجهزة التكييف ولا الساعات لتحديد الوقت كما نواجه صعوبة في معرفة بدء شهر رمضان وفي ليلة العيد لعدم توفر وسائل التواصل والإعلام، وكان أبناء البادية ينتظرون مندوب الإمارة الذي يقوم عند رؤية هلال رمضان بركوب الجمل والمرور على أهل القرى والبادية، بينما يقوم الأهالي عند وصول الخبر بإشعال النار في قمم الجبال حتى تراها القبيلة المجاورة والتي بدورها تشعل النار وهكذا ينتشر الخبر ثم بعد ذلك ظهر المذياع، ولم يكن يملكه إلا رجل واحد فقط من أبناء القبيلة يعرف بالصدق والأمانة، وحينما يسمع خبر دخول الشهر يقوم بإطلاق أعيرة نارية في الهواء وبذلك ينتشر الخبر بين القبائل. ظل العصا: وعن تحديد مواعيد الإمساك والإفطار يضيف البقمي: كنا نعتمد على معرفتنا بمواقيت طلوع الفجر حيث نمسك مع الشفق الأول للفجر ونفطر مع اختفاء قرص الشمس عند الغروب، فيما نقوم بتحديد مواقيت الصلاة وفقًا لارتفاع قرص الشمس فاذا بلغت كبد السماء وانحسر الظل إلى أصل الجسم دخل وقت صلاة الظهر، أما إذا تساوى طول الجسم مع طول الظل فقد حان وقت آذان العصر ويتم تحديد المغرب بغروب الشمس وظهور الغسق الأحمر، أما آذان العشاء فيكون في الربع الأول من الليل، وفي الغالب يقوم أبناء البادية بغرس عصا تساعدهم على تقدير الظل وفقًا لحركة الشمس. وفي السياق يوضح بجاد البقمي وعمره 85 عامًا أنهم كانوا يصومون رمضان في الماضي دون تكييف أو مراوح ويعملون طوال اليوم تحت أشعة الشمس الحارقة، ويقطعون مسافات طويلة لرعي الماشية والإبل وجلب المياه من الآبار، ويضيف: كنا سعداء بتجمع أفراد القبيلة لتناول الافطار سويًا، ويتشكل عادة من التمر والقهوة إضافة إلى السمن والزبدة والمضير (الأقط) مع الشربة، ولم نكن نعرف في ذلك العصر أطعمة مثل السمبوسة والقطايف والشعيرية والمعكرونة والكاستر والحلويات المتنوعة وحتى العصائر لم تكن متوفرة حيث كنا نقوم بتنقيع المضير في الماء حتى يذوب ثم نشربه مع الإفطار. جلسات المساء: وعن تبريد الماء يقول البقمي: كنا نقوم بتبريد الماء في القربة وهي مصنوعة من جلد الضان أو الماعز تعلق في عمود بيت الشعر أو يخصص لها مكان في زاوية البيت يسمى بالصفيف توضع عليه حتى تتعرض للهواء وتبرد، وبعد صلاة العشاء نتناول قليلًا من الأرز واللحم إن وجد مع اللبن والمرق ثم نتسامر ونتبادل القصص والحكايات والأشعار حول النار المشتعلة والتي تحيط بها دلال القهوة العربية وأباريق الشاي والحليب، بالإضافة إلى قرص الملة من البر الحجازي حيث يقومون بعجن الطحين ثم يفرد على شكل رغيف سميك ثم يوضع على الرماد الحار (الملة) ويغطى بالجمر حتى ينضج وعند إخراجه ينفضون عنه بقيا الرماد العالق ويسكبون عليه السمن البري والعسل أو يفرك باللبن ويطلق عليه المفروك. ويضيف: في ليلة السمر يتحدث أولًا كبار السن وينصت إليهم الجميع دون أن يقاطعهم أحد، وفي وجبة السحور يتناول البدو الأرز مع لحم الضأن أو مع اللبن والزبدة المحلية، كما يفضلون المرقوق والعصيدة، وأكد أن الرعاة الذين يبيتون مع الماشية في المراعي البعيدة عن المضارب كانوا يفطرون على الماء ويأكلون ما معهم من مؤونة مثل الدقيق والسمن والتمر أو يرسلون أحدهم إلى المضارب لإحضار وجبة الإفطار. ألعاب الماضي: وعن الألعاب الشعبية التي كان يمارسها الشباب في ليالي رمضان يقول سعود البقمي وعمره 82 عامًا: كان أبناء البادية الشباب يمارسون لعبة «عظيم ساري» في ليالي رمضان وهي من أقدم الألعاب الشعبية وأشهرها وتمتاز بعدم وجود وقت محدد أو عدد معين ومتطلبها بسيط فهو مجرد عظم أبيض ناصع حتى يسهل العثور عليه، ويتوزع اللاعبون على فريقين متساويين في العدد ويتم في البداية اختيار لاعب لرمي العظم بقوة في الظلام ثم يقول: «عظيم ساري وين طاح» بعدها ينطلق آخر ليعثر ثم يطلق عبارة (سرى) وينطلق باتجاه نقطة البداية ويحاول الفريق الخصم منعه من الوصول إلى النقطة المحددة وأخذ العظم منه فيما يقوم هو إذا أحس بالخطر برميه إلى أحد زملائه حتى الوصول به للنقطة المتفق عليها مسبقًا وبذلك تحسب نقطة للفريق. ويضيف سعود البقمي: أما اللعبة الأخرى فهي «لحوة» ويمارسها الكثير من الشباب بحب وشغف يقطعون المسافات الطويلة للمكان المعد لإقامتها وتمتاز بالحماس والحيوية، وتتكون من فريقين كل فريق مكون من 6 إلى 8 أشخاص وتوضع دائرة كبيرة يدخل بها أفراد الفريق الأول وهو الفريق المدافع بينما يبقى الفريق الثاني خارج الدائرة وهو الفريق المهاجم ويحاول أفراده لمس أي شخص داخل الدائرة دون الدخول إليها فيما يتجمع داخلها الفريق المدافع حتى يمنع الفريق المهاجم من الوصول وعندما يلمس أحد أفراده شخصًا ينطلق من قام باللمس في اتجاه نقطة متفق عليها تبعد عن الدائرة حوالى 100 متر تسمى (الماد) وينطلق الفريق الآخر خلفه للإمساك به قبل الوصول للنقطة فيما يحاول زملاؤه منعهم من اللحاق به وفي حالة وصوله تحسب للفريق نقطة ويبقى خارج الدائرة أما إذا امسكه الخصم فيخسر نقطة ويدخل داخل الدائرة وهكذا حتى يصلوا للنقاط المتفق عليها. المزيد من الصور :
مشاركة :