القصيدة الشعبية في الغناء حققت عبر تراكم الخبرات منذ أكثر من مئة عام حضورا مهما في حميمية التلقي في عموم البيئات العربية. العرب [نُشرفي2017/01/26، العدد: 10524، ص(15)] ندوة مهمة عن الشعر والموسيقى الفجيرة (الإمارات) - ما من علاقة أشد متانة وضرورة من علاقة الموسيقى بالشعر، كلاهما صوت، وكلاهما لغة خبرها الإنسان على مر القرون حتى باتا جزءا هاما من ذاته ووجوده، وكلاهما يكملان بعضهما البعض. إيمانا بالتكامل بين الموسيقى والشعر أقامت جمعية دبا للثقافة والفنون والمسرح مؤخرا ندوة بعنوان “التراث الموسيقي الإماراتي.. رحلة الكلمة والنغم”، بمقرها في مدينة دبا الفجيرة، وذلك بمشاركة الفنان إبراهيم جمعة، مستشار الفنون في مركز حمدان بن محمد لإحياء التراث بدبي، والباحث الأديب مؤيد الشيباني، وأدارها الشاعر والإعلامي خالد الظنحاني. في بداية مداخلته، طرح الملحن الإماراتي إبراهيم جمعة جملة من الأسئلة المتعلقة بالتراث الموسيقي في الإمارات، والمصير البحثي والتوثيقي لهذا التراث الغني بموضوعاته الفنية المتنوعة. ثم تحدث عن رحلات الغوص التي كانت تشهد ألوانا من الغناء الفلكلوري، بدءا بأغنيات رفع الأشرعة فوق سطح السفينة، مرورا بالغناء الخاص بدفع المجاديف. من جانبه أوضح الباحث مؤيد الشيباني أن القصيدة الشعبية في الغناء، حققت عبر تراكم الخبرات منذ أكثر من مئة عام حضورا مهما في حميمية التلقي في عموم البيئات العربية، وأسست عمقا عاطفيا يفوق ما أنجزته قصيدة الفصحى المغناة. ويعود هذا في رأي الشيباني إلى رسوخ المفردة الشعبية في الوجدان وملامستها ومحاكاتها لتلقائية الناس بكافة شرائحهم، ويلفت أيضا إلى دور تأخر التعليم في حقبة زمنية ليست قصيرة في ذلك، حيث أصبحت اللهجات المحلية بديلا دارجا في التعبير. القصيدة الشعبية كسرت حاجز التلقي وكانت سببا في تكريس الأغنية الشعبية، وقد أصبحت اليوم تمثل إرثا مهما يضيف الشيباني أن الرموز الغنائية على مدى العشرات من السنين وفي مختلف الساحات الفنية العربية، كرست اللهجات المحلية في الأغنية، وأصبح للقصيدة الشعبية عمقها المؤثر في عواطف الناس، ويستشهد هنا بفنانين عرب مؤثرين مثل فيروز وأم كلثوم وعبدالحليم والغزالي ومداح وغيرهم العشرات حيث عند هؤلاء “بين كل ثلاثين أو أربعين أغنية باللهجة العامية هناك واحدة بالفصحى”، في دلالة واضحة على دور اللهجة المحلية في خلق الانتشار وكسر حواجز التلقي بسلاستها. ويقر الباحث بأننا أمام دور حقيقي للقصيدة الشعبية في الأغنية العاطفية “عاطفة الحب أو عاطفة الوطن أو عاطفة المعتقد أو عاطفة الحياة” منذ “الطقطوقة المصرية” وحتى “البستة العراقية” ومنذ “الأوف اللبنانية” وحتى “النهمة الخليجية” ونفس الشيء بالنسبة إلى قصيدة القوالب المعروفة بالأبوذية والزهيري والونة والشلة والدان دان، والعشرات من الألوان الشعرية الفنية الموسيقية الجماعية والفردية. وذكر الشيباني أن هذه الرؤية تحيلنا إلى تجربة مهمة هي محور دراسته طيلة العشرات من السنين، متمثلة بدور القصيدة الشعبية في نشأة وتطور الأغنية الإماراتية منذ الأربعينات من القرن الماضي على يد الرواد. وشدد الشيباني على دور القصيدة الشعبية التي كانت سببا في تكريس الأغنية الشعبية الأولى بحيث أصبحت اليوم تمثل إرثا لائقا بجمعه وصونه ودراسته وتبويبه ومعرفة مكامن إبداعاته، ولا ينفي الباحث هنا أن بعض الأعمال المغناة لجأت إلى الجانب الاستهلاكي في لحظة ما، استجابة لرؤية تجارية فرضتها بعض محال التسجيلات والتوزيع، لكن ذلك ليس شائعا، مؤكداً أن قصائد الماجدي بن ظاهر وابنته الملقبة بـ”فتاة الحي” وكذلك قصائد سعيد بن عتيج الهاملي وجويهر الصائغ، وقصائد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان وصولا إلى أحمد الكندي وغيرهم، من الأشعار التي تحولت إلى أغان ورسخت في ذاكرة الأجيال، لتكون إرثا مهما، لا يمكن تجاهله أو نسيانه. :: اقرأ أيضاً السرد النسوي حالة من التمرد الأنثوي المبدعون المخضرمون العرب أفلسوا.. ابحثوا عن الشباب علاء الديب ترك وراءه رواية الدم النازف من جرح متجدد مواقع التواصل الاجتماعي تتحكم في مصائر الناس في اختيار إجباري
مشاركة :