النسخة: الورقية - سعودي بت مقتنعاً أن وزارة الإسكان فقدت الرغبة في حل مشكلة الإسكان، التي غدت المشكلة رقم واحد في المجتمع السعودي اليوم، وهي سبب إعادة إنشاء هذه الوزارة من جديد. وفقاً لهذه القناعة، فإن الوزارة أصبحتْ تدرك أن المشكلة أكبر بكثير من قدراتها، على رغم أنه مُودَع في حسابها لدى مؤسسة النقد 250 بليون ريال منذ الأشهر الأولى لولادتها. وتبعاً لهذه القناعة التي سيطرت عليها فإن الوزارة أصبحت «تذيهن» علينا، عبر حرصها على تقديم إنجازات ملموسة، تتمثل في وحدات سكنية وأراضٍ وقروض. لكنها (أي تلك الوحدات والأراضي) أقل بكثير من أن تؤدي إلى حل المشكلة العتيدة. كيف وصلت إلى هذا النتيجة؟ سآخذ إحدى المدن التي تشهد مشكلة سكانية وأقدِّم عرضاً لواقع المشكلة فيها وحلول الوزارة لها لأدلل على قناعتي تلك. قبل ذلك يتوجب عليَّ التأكيد على أن الأرض أو سعرها هما العامل رقم واحد في الأزمة السكانية التي نعيشها، بحسب عدد من الدراسات، من ضمنها دراسات وزارة الإسكان نفسها، فأسعار الأراضي أصبحت خارج قدرة غالبية الفئات الاجتماعية الراغبة في تملك سكن، ولا يبين هذا الواقع مثل حقيقة تمنع عشرات الآلاف من مستحقي قروض صندوق التنمية العقارية عن تسلم قروضهم بسبب عدم قدرتهم على تأمين أرض للبناء عليها. وليست هذه المشكلة - كما يروّج - بسبب الزيادة السكانية، فأكبر مدن المملكة من حيث السكان الرياض، يتوافر في نطاقها العمراني حوالى 700 ألف قطعة أرض تكفي لتوفير مليون ومئتي ألف وحدة سكنية، بحسب دراسة للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض (1433هـ). سآخذ مدينة الرياض مثالاً يبين يأس الوزارة من حل المشكلة. تقول الأرقام الحقائق الآتية: بحسب تقديرات الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض لعام 1433هـ، يوجد في مدينة الرياض 919 ألف أسرة. وبحسب أرقام مصلحة الإحصاءات العامة فإن 62 في المئة من أسر الرياض هم من المواطنين. أي حوالى 580 ألف أسرة سعودية في مدينة الرياض. وبحسب تعداد مصلحة الإحصاءات للسكان والمساكن لعام 1430هـ فإن 52 في المئة من الأسر السعودية القاطنة في مدينة الرياض لا تملك الوحدات السكنية. أي أن هناك 300 ألف أسرة سعودية تقطن في مدينة الرياض لا تملك المسكن. وليس صحيحاً أن أسعار الأراضي مرتفعة بسبب ندرة الأراضي أو زيادة السكان، فبحسب دراسة للهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض (1433هـ) يوجد في مدينة الرياض أراضٍ سكنية بيضاء تكفي لبناء870 ألف قطعة سكنية. أي أكبر بكثير من الحاجة الفعلية. بناءً على الواقع أعلاه، يفترض أن وزارة الإسكان تعمل على تمكين 300 ألف أسرة في الرياض (جلّها على الأقل) من تملك مسكناً، عبر حزمة من البرامج تتضمن تقديم «مسكن جاهز» و «أرض وقرض»... . لنلقي نظرة على مشاريع الوزارة في مدينة الرياض، بحسب موقع الوزارة، لنعرف مدى ملاءمة برامجها لواقع الحال. تقول الوزارة إنها تعمل الآن على تنفيذ مشروع وحيد في مدينة الرياض باسْم «مشروع إسكان مطار الرياض». سيوفر 5600 وحدة سكنية. إضافة إلى هذا المشروع يقال إن الوزارة ستطور موقعاً بمساحة 14 مليون متر مربع لتوزيعه. ستوفر هذه المساحة حوالى 24 ألف قطعة أرض، ربما توزّع ضمن برنامج «أرض وقرض». إذاً سيلبي المشروعان حاجة 30 ألف أسرة من ضمن 200 ألف، يقدر أنها لا تملك مسكناً، أي 10 في المئة من الحاجة الفعلية. وإذا أضفنا الزيادة السنوية في عدد الأسر 3 في المئة بحسب تقديرات الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض فإن الـ10 في المئة ستقل كثيراً عند اكتمال مشاريع الوزارة. إذاً ثمة فجوة واضحة بين مشاريع الوزارة وواقع الحال. طبعاً مسؤولو وزارة الإسكان يعرفون هذا أكثر مني، لكن لماذا نَهَجُوا هذا النهج؟ سأتقدم بإجابتي. يتمثل الحل الحقيقي لمشكلة الإسكان بخفض أسعار الأراضي، لتتمكن الأُسر من شراء منزل أو أرض للبناء عليها. وضع الدكتور صالح السلطان في مقالة له في صحيفة «الاقتصادية» (30-5-1435هـ) ثلاثة أسباب تؤدي إلى انهيار أسعار الأراضي هي: انهيار أسعار النفط مدة طويلة. فرض ضرائب على الأراضي غير المستغلة. زيادة العرض بفعل برامج الدعم الحكومي. لا نرغب في السبب الأول، وهو مستبعد بحمد الله. السبب الثاني، الوزارة تحدثت عنه كثيراً، من دون أن تتقدم خطوة واحدة بهذا الاتجاه. السبب الثالث، ما في حوزة الوزارة في مدينة الرياض من أراضٍ أقل من أن يحل المشكلة. هل في يد الوزارة حل؟ أظن أن هناك حلاً سهلاً أستغرب تغافل الوزارة عنه، على رغم توافر المبالغ المالية لديها لطُرق هذا الحل. ذاك هو تطوير أراضي المنح، ففي مدينة الرياض مواقع مُنحت منذ عقود ولم تطور، مثل: عريض، نمار، الخير، رماح، وربما مواقع أخرى. تضم هذه المنح عشرات الآلاف من القطع السكنية، أظنها تتجاوز مئتي ألف متر مربع. ما الذي سيحدث لو طورتها الوزارة؟ ستتوافر عشرات الآلاف من القطع السكنية في العرض، وهو ما يؤدي حتماً إلى هبوط أسعار الأراضي. تستطيع الوزارة أن تدفع بهذه القطع للبيع، إن هي فرضت «رسوم تطوير» على الأرض التي لا تُبنى خلال مدة معينة. هذا تنويع على السبب الثالث الذي طرحه الدكتور السلطان. تستطيع الوزارة أن تؤثر في سوق العرض ليس عبر مشاريعها المتواضعة رقماً، بل عبر التصدي لجوهر المشكلة وعمقها، ما دام أنها غير قادرة على فرض ضرائب. لكي يتحقق حل مثل هذا. يجب أن تتغلب الوزارة على «شهوة التمنع» التي تلازم البيروقراطيين. تبرز هذه الحالة حين يتحجج أحد داخل الوزارة بأن قضية الوزارة توفير السكن وليس مد الخدمات إلى أراضٍ ممنوحة، والتحجج بأن هذه مسؤولية البلديات. مخطط عريض مُنح للمواطنين قبل 35 عاماً، ولم تفكر أمانة مدينة الرياض في مده بالخدمات. هل تتحمل مشكلة الإسكان سجالاً مثل هذا بين أمانة مدينة الرياض ووزارة الإسكان؟ * كاتب سعودي. salam2323@yahoo.com salamalwail@
مشاركة :