في أيلول (سبتمبر) 2015، كسبت الولايات المتحدة دعوى قضائية ضد الهند أمام منظمة التجارة العالمية بسبب إلزام الأخيرة شركات صناعة الطاقة الأمريكية العاملة في الهند، شراء الألواح والخلايا الضوئية الهندية بدلا من الأمريكية أو المستوردة، ما اعتبرته واشنطن تمييزا ضد المُصدِّرين الأمريكيين. وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2016، خسرت الهند استئنافا ضد هذا الحكم.وهناك قضية أخرى مُطابقة تقريباً كسبت فيها الولايات المتحدة دعوى ضد كندا، بعد أن اتهمتها باتباع سياسة الحماية التجارية. وأمثلة مماثلة مع عدة دول أخرى. وفي 25 كانون الثاني (يناير) الجاري، دعا الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الشركات المُنفِّذة لخط أنابيب كيستون إعادة تقديم طلباتها للحصول على تصريح، ووعد بالتعجيل في إجراء المراجعة العامة للطلب.لكن مذكرة ترمب كانت توأمة مع مذكرة أخرى تأمر وزير التجارة وضع خطة في غضون 180 يوماً لضمان أن تكون جميع خطوط الأنابيب التي تُقام داخل حدود الولايات المتحدة، سواء كانت جديدة، أو مُعدَّلة، أو تم إصلاحها، أو توسيعها، قد صُنِعت من الفولاذ الأمريكي وأن تكون جميع المواد والمعدات المُستخدمة فيها "خام الحديد، والصلب، والمعدات المصنوعة منها" قد أنتِجَت في الولايات المتحدة.قراءة المذكرة الرئاسية هذه، بأي طريقة كانت، تعني باختصار أن الولايات المتحدة جاءت اليوم لتُطبِّق الإجراء الهندي ذاته الذي اعترضت عليه، وأدينت بسببه الهند مِن قبل النظام التجاري الدولي الذي يؤكِّد مبدأ عدم التمييز بين المنتجين المحليين والموردين الأجانب، وبين الموردين الأجانب في بلدان مختلفة، أن الواردات يجب أن تُعامل على قدم المساواة مع المنتجات المصنعة محليا، وأي انتهاك لذلك يُمثل خرقاً للقوانين الدولية. كما مطلوب من أعضاء المنظمة إعطاء نفس المعاملة لوارداتها من سائر الأعضاء، ولذلك فإن أي امتياز يُمنح لأي مورِّد من دولة ما يجب أن يُعطى الامتياز ذاته للمورِّدين الآخرين في جميع أعضاء المنظمة.وتتطلب الخطة الواردة في المذكرة الرئاسية استخدام مكونات أمريكية في خطوط الأنابيب "إلى أقصى حد ممكن"، وهي عبارة تميل إلى التشدد في الحمائية، وأقوى بكثير من التعميم الهندي.لكن المُذكَّرة تضيف أيضاً "استخدام المكونات الأمريكية إلى الحد الذي يسمح به القانون"، وهي صياغة لغوية يُعتقد أنه تم إدراجها للمساعدة على مواجهة أي تحدٍ قانوني قد ينشأ أمام منظمة التجارة العالمية، طبقاً لما قاله لـ "الاقتصادية" مختصون معنيون بعمل المنظمة.ولم تستبعد مصادر منظمة التجارة، أن يُثير اشتراط الإدارة الأمريكية أن تكون جميع خطوط الأنابيب المصنوعة داخل الولايات المتحدة مُنتَجة بمواد أمريكية، توترات مركزية للإدارة الجديدة، ورفع شكاوى تجارية أمام المنظمة، خاصة أنه يكاد يكون من المؤكد أن التعليمات التي تتضمنها مذكرة الرئيس ترمب تنتهك بشكل واضح 70 عاماً من قضايا مماثلة تمت تسويتها بموجب القانون التجاري الدولي.غير أن الأمر ليس بسيطاً وواضحا إلى هذا الحد، إذ توجد هناك إجراءات تتعلق بقاعدة موجودة في أحكام منظمة التجارة تسمى "متطلبات المحتوى المحلي". وبموجب هذه القاعدة، تجيز المنظمة في حالات وشروط معينة، للدول الأعضاء تشجيع استخدام المنتج المحلي على نظيره المستورد لمساعدة الدول على تنفيذ سياساتها في مجال التحفيز الاقتصادي.لكن الواقع يقول إن الهند سعت في استئنافها ضد إدانتها من قِبل هيئة تسوية المنازعات العام الماضي إلى الارتكاز على هذه القاعدة، غير أنها لم تفلح، فما بالك بالاقتصاد الأول في العالم.وحسب أرقام منظمة التجارة العالمية، فإن البلدان في جميع أنحاء العالم تداولت في عام 2015 أكثر من 20 تريليون دولار في البضائع والخدمات، وأن جميع هذه التحركات تقع تقريباً ضمن قواعد منظمة التجارة العالمية. "عليه من الصعب جداً قبول استثناء صريح لقواعد التجارة الدولية"، حسب مصدر مطلع بعمل المنظمة.كما توجد هناك أشكال أخرى في تقديم الاستثناءات مثل مبدأ "معاملة الدولة الأَوْلى بالرعاية" الواردة في "الاتفاق العام بشأن التعريفات الجمركية والتجارة" الموقع في عام 1947، وهو الاتفاق الذي حكم منظمة "جات"، ويحكم حالياً منظمة التجارة. هناك أيضا ما يُعرف باسم "الإلتزام بالمعاملة الوطنية" الوارد في المادة الثالثة من اتفاق الجات. لكن خطة ترمب التي تشترط بناء الأنابيب الأمريكية بالصلب الأمريكي يتعارض بوضوح مع مبدأ "الإلتزام بالمعاملة الوطنية"، حسب مختصين في عمل منظمة التجارة.وتنص هذه المادة على أن منتجات أي دولة يتم استيرادها إلى أراضي دولة أخرى ينبغي أن تُمنح معاملة "لا تقل تفضيلاً" عن تلك الممنوحة للمنتجات المماثلة ذات المنشأ الوطني فيما يتعلق بعرضها للبيع، أو الشراء، والنقل، والتوزيع أو الاستخدام.خطة ترمب التي تتطلب استخدام الصلب الأمريكي في خط أنابيب كيستون استناداً إلى "متطلبات المحتوى المحلي"، "لا تتسق" مع المادة الثالثة/الفقرة 4 من إتفاق الجات ومنظمة التجارة. ومن المفارقات أن هناك قضية رفعتها الولايات المتحدة ضد كندا في إطار "متطلبات المحتوى المحلي" عام 1982 وكسبتها في عام 1984. في هذه القضية تحدت الولايات المتحدة بنجاح قانوناً كندياً حول الاستثمار الأجنبي صدر في ذات عام الشكوى، يجعل من الموافقات على الاستثمار مشروطة بتعهدات تقدمها الشركة الأجنبية بشراء منتجات محلية معينة.وقال لـ "الاقتصادية" مختص في عمل منظمة التجارة، "إن القضية التي رفعتها الولايات المتحدة ضد كندا توازي تماماً خطة إدارة ترمب حول تصنيع أنابيب النفط الأمريكية". كما أن الولايات المتحدة كانت على الدوام معارضة شديدة لمبدأ "متطلبات المحتوى المحلي" الذي تعتبره بمنزلة تمييز ضد المصدِّرين والمستثمرين الأمريكيين.وعلاوة على الهند وكندا، تحدت الولايات المتحدة أيضاً متطلبات المحتوى المحلي التي طبقتها الأرجنتين "تراخيص الاستيراد"، والصين "في قضيتين: الضريبة المستردة، وقطع غيار السيارات"، وتركيا "الأرز" وكندا "القمح، وقطع غيار السيارات" والفلبين "قطع غيار السيارات" من بين دول أخرى.وحسب أرقام منظمة التجارة، فقد رفعت الولايات المتحدة شكاوى تتعلق بـ "متطلبات المحتوى المحلي" أكثر من أي عضو آخر في المنظمة. كما أن الولايات المتحدة الدولة الأكثر شيوعاً في استخدام نظام تسوية المنازعات في منظمة التجارة للحصول على تحسين وصول المصدرين إلى الأسواق العالمية. وهي الدولة التي رفعت أكبر عدد من الشكاوى أمام منظمة التجارة "114" مقارنة بمنافسيها الرئيسيين مثل الاتحاد الأوروبي "97"، واليابان "23"، والصين "15". Image: category: عالمية Author: ماجد الجميل من جنيف publication date: الجمعة, يناير 27, 2017 - 22:55
مشاركة :