‫الموقف من الشعر في الشعر الشعبي الحديث (1 - 6) - شعر

  • 1/27/2017
  • 00:00
  • 13
  • 0
  • 0
news-picture

اختلف موقف الشعراء في النظر إلى القصيدة، فمنهم من رأى أنها تطابق عقلاني مع الواقع، وهم الكلاسيكيون غير أن الرومانطيقيين أغفلوا جانب العقل وأعلوا من شأن العاطفة، وأن النص الشعري ناتج عن انفعال العاطفة، ومن خلال هذه الزاوية ارتفع منسوب الخيال في هذه الحركة، وتعتبر المدرسة الرومانسية أم المدارس الأدبية، وهي التي نقلت التفكير الإنساني والذوق الأدبي نقلات عظيمة. هذا الموقف من الشعر جعل الشاعر الحديث يهتم بالشعر بشكل أكثر خصوصية، لا من حيث ارتباطه بالعاطفة والخيال، بل من حيث كونه معشوقاً يناجيه الشاعر بين سطور الدفاتر، وقد تكلمت باستفاضة عن علاقة الشاعر سعد الحريص مع الشعر، وذلك في بحث أدبي مستقل، ليس هذا مجال الحديث عنه في هذا المبحث المرتبط بقصيدة التفعيلة. تظهر اللغة كوحدة أساسية للسياق الشعري بشكل لافت لدى عدد لا بأس به من الشعراء، وكأنها المحرك الذي يدير عجلة الكلام لديه، أو لعلها النقطة التي ينطلق منها الشاعر في هذا المضمار، كما هو الحال مع طلال حمزة الذي يبدو حزينًا في هذا المقطع، والحزن في الأساس محفز على الإبداع ومحرض على الكتابة. حزين حزن لا صادق ولا كذاب حزين وأجهل الأسباب آه... أدري والله إن اللغة أم المشاعر... بس اللغة... أصغر كثير من الحزن لما الحزين يكون شاعر فهو في هذا الكلام يدرك بأن اللغة «أم المشاعر» وهي مفتاح الكلام الشعري لديه، وهنا يوحي الشاعر بأنه بحاجة لأكثر من لغة أو إلى لغة من نوع خاص لأن اللغة «أصغر كثير من الحزن» وهذا ليس على سبيل الإقرار بالشيء بل على سبيل الإيحاء برغبته بأن ينفتح على عالم اللغة السحري لديه ليكتب عن ذاته كل ما يريد. الله يا هي أتعبتني هالقصيدة كل ما أكتب شطبت وكل ما أشطب يحرضني وأعيده في هذا المقطع يحاول الشاعر تغيير علاقته مع اللغة من حيث كونها علاقة متواصلة من الشطب، أي الشعور بالقلق وعدم الاستقرار، وكأن هذا الشطب المتواصل إذعان بعجزه أمام اللغة، فهي عنده غير قادرة على اكتشافه وغير قادرة على التواصل معه، لهذا يشعر بأن الشعر متعب بالنسبة له، فهو في دوامة مع الشعر لا يعرف مكانه في هذه الدوامة، وذلك لأنه غير قادر على تحديد أولويات الشعر عنده إذ إنه متمرجح في هذا الصراع. الشعر ما هو يقين ولا هو بعد ريبة الشعر نذر علي وما علي إلا أني أوفي به هذه المقاطع المتناثرة في عدد من نصوصه الشعرية توحي بأن كل مقطع يوصلنا إلى الإمساك بصاحبه وكأنه شخصية متبعثرة بين هذه المقاطع الشعرية، فهذا الشعور بعجز اللغة لديه كما في المقطع الأول، مما يؤكد لدينا اعتقاداً بأنه يعيش حالة من القلق والذهول في تعامله مع الشعر، وها هو في هذا المقطع ينقلنا إلى طقوس دينية نكاد نلمسها في هذا المقطع وذلك بتوارد كلمات ذات صلة بالطقوس الدينية كاليقين والريبة والنذر ،غير أنه ينفي علاقة الشعر بهاتين الصفتين وهما اليقين والريبة، إلا أنه وبطريقة غير مباشرة يربطه بأمور الغيب أو انتظار ما وراء المجهول «الشعر نذر علي وما علي إلا أني أوفي به» وذلك أن الشعر مرتبط بمؤثرات خارجة عن سيطرة الشاعر ولا يقوى إلا على التسليم لها والإذعان لها، وهذا ما سنراه في مقاطع أخرى: والله إنه لا بكى الشاعر يميل كل ما في الأرض من عشب ونخيل أو يقول في موضع آخر من نصوصه الشعرية التي وقفنا عندها لكتابة هذا المؤلف الموجود بين أيديكم: إذا انطفى الشاعر من يشعل الجمهور من يدق الباب من يصحي هالقلق ويوتر الأعصاب التعامل هنا تحول من الشعر إلى من يكتب الشعر، وبمعنى آخر أن الطقوس المواكبة لكتابة الشعر انعكست على من يمارس هذا المسلك وهو الشاعر الذي إذا طرأ له موقف ما أثر هذا الموقف على مكونات الطبيعة من حوله، لا سيما في حال بكاء هذا الخالق للشعر، وهنا حري بنا تذكر علاقة الحزن كما في أول هذا المبحث، حيث إن الحزن والبكاء يعتبران عاملين ضروريين لتمام خلق القصيدة وبث الروح فيها من عالم العدم، لأن الشعر كلما اقترب من الحزن والشعور بالمأساة صار أكثر جدية وأكثر فاعلية، باعتبار أن أروع القصائد هي التي تكتب عن الحزن والموت على حد تعبير أدغار ألان بو, وفي نظرة على المقطع التالي يكاد يتوافق مع المسار الذي خطه الشاعر في هذا المقطع الذي قبله من حيث كون انطفاء الشاعر عن قول الشعر أو كتابته يؤثر على الإنسان الذي رمز له بالجمهور غير أنه ربط الشعر بالقلق وتوتير الأعصاب، وهما أمران يوحيان بالمأساة والشعور بالحزن ويحرضان على الدموع والبكاء. تختلف هذه الحالة مع سعود الصاعدي الذي أحس بأن الشعر ليس تعبيرًا عن الذات فحسب بقدر ما هو رسالة إنسانية ذات طابع اجتماعي: وابتدا موال شاعر موسمه عاف الحصاد كل همه غترته / ميلة عقاله حيث تتحول الرؤية لدى الشاعر هنا من التركيز على جوهر ما يطرحه من شعر إلى تأمل المسلك الذي انتهجه في عرض قصيدته، ومن ناحية أخرى يعكس لنا هذا الكلام مدى الفراغ المزدوج الذي يعيشه بعض الشعراء الشعبيين، وهو فراغ الجوهر وفراغ المظهر، إذ إن الاهتمام الزائد بالمظهر الخارجي ليس دليلاً على الأناقة بقدر ما هو تصنع مفتعل لهذه الأناقة، أي أنها أناقة مزيفة، أناقة مهزوزة، وهذا بدوره انعكس على ذات الشاعر الذي تطرق له الصاعدي في هذا المقطع، رغم أنه غير حريص على عرض نتاجه الأدبي لأنه منشغل بما هو أهم من الشعر في اعتقاده.

مشاركة :