داميان شازيل: «لا لا لاند».. متعة الكلاسيكية القديمة

  • 1/27/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

محمد هاني عطوي ربما تكون الحياة أكثر متعة وأقل يأساً بالغناء.. هذه العبارة التي قالها سابقاً الفنان الفرنسي الشهير ميشال ساردو، يمكن أن تصبح قولاً مأثوراً عندما نجدها تتجسد في فيلم لا لا لاند الذي يعرض في الصالات، ويعتبر الجوهرة الجديدة للمخرج وكاتب السيناريو الأمريكي داميان شازيل لأنه من المتوقع أن يكون أحد الأفلام الفائزة بجائزة الأوسكار. الفيلم بطولة إيما ستون التي لا يمكن أن نجد حداً لمواهبها، وراين غوزلينغ المعروف برزانته. يحاول المخرج أن يجمع بين الكوميديا، والرومانسية، وبراعة التقنية التصويرية. وفي تورونتو، في أروقة الفندق الكبير، كان الجو مريحاً لهذا اللقاء الذي أجرته مجلة بروميير الفرنسية مع المخرج الشاب داميان شازيل المعروف بهدوئه الشديد، والذي يملك موهبة تجعل من حوله سعداء، ليتحدث عن حقيقة هذا الفيلم الذي انتظره العالم والذي لم يتوقع أحد له هذا النجاح المبهر. } اعتُبر فيلمك السابق ويبلاش، على أنه يرضي الجماهير رغم سوداويته.. وهذه المرة، لا لا لاند يمنحنا الشعور بالسعادة، هل تعمدت ذلك؟ - أحب اللعب على الاتجاهين، ففيلم ويبلاش انتهى بالنصر، لكنه ترك مذاقاً مراً. ولا لا لاند لا ينتهي بالضرورة كما هو متوقع، ولكنه يضمن لنا إحساساً لطيفاً. في الكوميديا الموسيقية القديمة، ورغم النشوة التي كان المشاهد يستمتع بها، كان هناك دائماً خلفية مظلمة، أو موضوع مؤلم، مثلاً فيلم مظلات شيربورج (1964) كان ميلودراما حقيقية، وأغنية ميسوري (1944) ختم بنهاية سعيدة، ولكن مع شعور ممل يقول إن ثمة شيء مفقود على طول الطريق. أحب الكوميديا الموسيقية الكبيرة المبهجة، مع خلفية من الحزن والأسى. } طالما أن الناس يتركون الصالة مبتسمين، فأنت ربحت الجولة أليس كذلك؟ - الأمر ليس بهذه البساطة، فعندما اختبرنا لا لا لاند خلال المونتاج، وجدنا أن الناس ربما سيتركون الصالة غاضبين ويقولون ما هذه النهاية المقرفة؟، لذلك لا أعرف، ربما تكون التعديلات التي أجريت في وقت لاحق عكست هذا الاتجاه الذي جعل الناس سعداء. لم أكن أرغب في نهاية حزينة وإنما ذات نبرة متفائلة. لقد حاولنا أن نكون بين عاطفتين، فالشخصيات لها أحلام مشتركة وأخرى منفصلة ولن يتمكن كل منهما من تحقيقها بالضرورة، لذا كان من الضروري أن تكون النهاية عادلة لا مأساوية ولا مظفرة ولكن رومانسية. } هذا المشروع كان محفوفاً بالمخاطر، وكل مشهد كان يوشك أن يتعرض للإخفاق. في أي مرحلة اعتقدت أنه عمل جيد، ويجب أن تتمسك به؟ - لم أجعل من الحبّة قبّة كما يقولون، فحتى أثناء كتابة الفيلم كنت أقول لا ريب في أنه سيكون مميتاً، وفي اليوم التالي كنت أشعر بالاكتئاب والإحباط الكلي. الفترة الأصعب كانت المونتاج الذي استمر نحو عام، وكنت أقول: هناك مشاهد تأخذ وقتاً طويلاً فليس لنا إلاّ مواءمة اللقطة تلو الأخرى، ثم نقطع الجزء الذي يطول. لكن الأمر لم يحدث هكذا، فقد عملت مع مختص المونتاج بجد حتى نعثر على النغمة أو الوتيرة الصحيحة للفيلم. وفي بعض الأحيان، كنت أنظر إلى عملنا، وأقول نجاح باهر، رائع، وبعدها أغير رأيي قائلاً: إنها كارثة وعندما انتهينا من الفيلم وتوجهنا نحو المهرجانات كان لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين. } فيلم ويبلاش كان يرتكز على العلاقة بين الفن والتكنولوجيا، كيف تنطبق هذه القراءة على تطور عملك، منذ فيلمك الأول وحتى لا لا لاند؟ - الكوميديا الموسيقية كانت دائماً تستند إلى مزيج من المستوى الفني الرفيع والعفوية المطلقة، لذا لا ينبغي أن نشعر بالإرهاق فهناك الكثير من العمل الذي يجعل كل شيء يبدو عفوياً. دور المخرج هو وضع طموحاته في خط يتوافق مع إمكاناته سواء الفنية أو المالية. فبالنسبة لفيلم Guy and Madeline on a Park Bench كان من الحكمة أن لا أجرب أموراً بعيدة عن متناول يدي، وإلاّ لارتد ضد الفيلم. وعلى العكس، احتاج لا لا لاند ميزانية مناسبة وبعض الآلات ذات حجم معين للعمل. وإلاّ لكان من المستحيل تصوير البداية على الطريق السريع في لوس أنجلوس، ناهيك عن أنه كان من المستحيل تقديم نفس أجواء زمان وحجم الحملات الترويجية خلال الخمسينات والستينات عندما كانت الأجواء المرافقة لعروض السينما مكلفة؛ حيث الستائر أمام الشاشة فضلاً عن الموسيقى الافتتاحية، وكأننا في المسرح. } نشعر بأنك أردت مقاربة فيلمك مع المسلسلات التلفزيونية المنافسة، هل هذا صحيح؟ - إنه حديث متواصل منذ سنوات، لا سيما في أمريكا، فالسينما ضد التلفزيون، والتوتر بين الاثنين يكاد لا يتوقف، وأحدهما يحاول أخذ مكان الآخر بشكل يجعل تجربة السينما في خبر كان! من الواضح أنّ هذا يشعرنا بالحزن خصوصاً عندما نكون قد كبرنا ونحن نعتبر صالات السينما مقدسة، وأعتقد أن هذه المعارضة مبالغ فيها. الأفلام لا تموت وإلاّ لماتت منذ مدة طويلة، وأستطيع أن أجد لك مقالات تعود لأكثر من ثلاثين عاماً، وكلها تقول إن السينما شارفت على نهايتها. اليوم، هل المسلسلات أو المسرح المنزلي هو الذي يهددنا؟ أعتقد أن هذا يشجعنا على أن نكون أفضل لدفع الناس إلى ترك منازلهم، دون اللجوء بالضرورة إلى المؤثرات السينمائية الخاصة. كنا ندرك جيداً هذا الأمر، لذا صممنا الفيلم عمداً ليناسب الشاشة الكبيرة. } أبطال فيلمك يعرفون الرقص والغناء بحدود، فهل الموهبة الحقيقية لإيما ستون وراين غوزلينغ، هي التمثيل فقط؟ - فكرة الفيلم ترتكز على الجمع بين روح الكوميديا الكبيرة الغنائية وواقع الحياة. والنتيجة الأولى تظهر من خلال اختبارات الاستماع؛ حيث يتم اختيار الممثلين على أساس صفاتهم ككوميديين. وينصب التركيز على القصة والشخصيات، ونحن نعتبر أن اللحظات المغناة أو مشاهد الرقص هي امتداد لهذا النهج، بدلاً من أن تكون مجرد براهين لإثبات البراعة. فكيف يرقص مثلاً راين (سيباستيان)؟ وكيف تغني إيما (ميا)؟ من المفترض أن يكونا أناساً حقيقيين، لا محترفين. وهذه إحدى المشاكل التي تعاني منها الكوميديا الموسيقية في الوقت الحاضر، لأنها متأثرة بالمسابقات التلفزيونية، وربما كل شيء فيها يبدو خاطئاً، فالشخصيات تتصرف كحيوانات في السيرك لا كبشر. } رغم ذلك نجد أن أجمل مشهد هو تناول العشاء وجهاً لوجه بينهما، بلا رقص أو غناء؟ بالضبط. هذا هو بيت القصيد، فحتى لو لم يكن هناك أدنى لقطة موسيقية، إلاّ أننا من بداية الفيلم وحتى نهايته، حاولنا الحفاظ على المتعة الكبيرة للكلاسيكية القديمة وكنا مضطرين للبقاء عند مستوى الشخصيات ومراقبة اللحظة التي يبتعد فيها هذا النوع الفني عن القصة.. إن اختيار راين وإيما ساعدني على تحقيق ذلك. } التناقض بين هذين الممثلين لافت، فهي كتلة عاطفية هائلة وهو تقريباً عديم التأثّر؟ - إنها ضربة حظ، ولا أستطيع أن أقول إننا اخترناهما لهذا السبب. ولكن إذا كانا يعملان معاً بشكل جيد في الواقع، فهذا لأنهما الطباق المثالي لبعضهما البعض. فإيما منفتحة بشكل لا يصدق وتذكرني بأساطير هوليوود الكبيرة مثل إنغريد بيرغمان، مع عينين كبيرتين نود أن نغرق فيهما. وما يفعله راين من الصعب جداً تحديده، إنه يشبه غاري كوبر، أو ربما جون غابان، فهو يتميز بهذا الجانب الرزين الرائع. وعندما نقترب من وجهه، نرى كمية لا تصدق من المشاعر التي يحملها ولكن لا يمكننا وضع إصبعنا عليها ونتساءل هل هو يبتسم؟ هل يحرك شفتيه أو لا يحركها على الإطلاق؟ من المستحيل معرفة أي عضلات في وجهه تعمل، ومع ذلك فالعاطفة موجودة. يا لها من موهبة! وتدريجياً، نكتشف كيف أن الكاميرا يمكنها أن تسافر عبر وجهيهما لنرى ذلك الثراء الذي يخرج منهما. } هل وضعت عنوان الفيلم منذ البداية؟ - استغرقنا ما يقرب من عامين للعثور عليه! فالسيناريو والأغاني كانت مكتوبة بالفعل. في البداية، كنت قلقاً بسبب الدلالات الساخرة من عبارة أن تكون في لا لا لاند أي (تحوم في العالم). ولكننا اتفقنا على هذا الخيار، لأنه موضوع الفيلم. إنه يبدأ كهجاء لعالم لوس أنجلس، وللزحام، وللذين يتمنون أن يصبحوا ممثلين ويركضون وراء اختبارات الأداء، قبل أن يصبح الفيلم تحية لروح هذه المدينة ولجميع المجانين الذين يعيشون فيها. لا نسخر منها، بل نشهرها لأنه يوجد شيء شاعري رائع في فكرة هذه المدينة المأهولة بأكثر الأحلام جنونية، والتي لا يتحقق معظمها أبداً. } في أفلامك تصور كثيراً أيادي الممثلين ليس فقط لأنهم موسيقيين، ونجد هذا التركيز الرائع على الأيدي عندما تتلامس برقة، ما السر؟ - لم أذهب يوماً إلى الحرب، ولا إلى الفضاء، ولم يسبق لي أن عشت مغامرة خارجة عن المألوف. إن ما يجذبني هو تلك اللحظات القليلة التي تأخذ أبعاداً أسطورية على المستوى العاطفي، وأجد أنه من الطبيعي تصويرها لتبدو هائلة. في مدرسة السينما، عرض علينا فيلم وثائقي عن المزارعين الذين تم تصويرهم بألوان حقيقية، كما عرض علينا غروب الشمس، وأجزاء من أفلام هوليوودية كبيرة، وأراد المعلم حينها أن يرينا أنه يمكننا تصوير الأشياء الصغيرة بزاوية معينة لنجعلها كبيرة، لذا فالتركيز على الأيادي التي تتلامس هو تجسيد لهذا الأمر. } لا تتبع قواعد الكوميديا الموسيقية، مثلاً هناك مشهد لبرودواي مع أربعين دقيقة من دون موسيقى؟ - القاعدة الوحيدة بالنسبة لنا هي احترام الشخصيات ووتيرة الفيلم. ففي الدقائق العشر الأولى، هناك مشهدان موسيقيان كبيران، ومن ثم يأتي التتابع السريع، ونجد أربعين دقيقة من دون أي موسيقى أو رقص.. هناك الكثير من هذا النوع في الكوميديا الموسيقية الحديثة، كما ينبغي على الجمهور أن يطالب بالمزيد لا أن يشعر بأنه قد تشبع من هذه الأفلام. } ما الذي يجعل الفيلم يأتي في الوقت المناسب؟ وهل المخرج يمكنه أن يتنبأ بذلك؟ - إنه أمر معقد للغاية. كتبت هذا الفيلم منذ سنوات، ويظهر الآن على الشاشات في وقت مضطرب وقلق لمجتمعاتنا. أحياناً أقول لنفسي، تباً، لا معنى لصدور مثل هذا الفيلم المنقطع عن العالم، لكنني أجد نفسي أكثر حماسة له الآن لأنني اكتشفت أنه ربما يستجيب لبعض الاحتياجات ولبعض التطلعات التي لا يمكن للمعلومات ولا لغالبية الأفلام الأخرى أن تجيب عنها. خلال فترة الكساد الكبير، كان الناس يذهبون ليشاهدوا فريد أستير وجنجر روجرز. لذا نعم، يمكن أن يكون للأفلام هذا المكان، وسأكون سعيداً وفخورًا بأن أكون جزءاً من هذا التقليد.

مشاركة :