لا شك أن حماية الأوطان والحفاظ على سيادتها واستقلالها ومقدراتها والحفاظ على سلامة أراضيها وأجوائها ومياهها الإقليمية مهمة لا يحملها إلا العظماء الذين وهبوا أنفسهم من أجل هذا الواجب المقدس دينيًّا ووطنيًّا ودستوريًّا. ومن يقرأ السجل التاريخي للقوات المسلحة المصرية يجده مليئًا بالمآثر البطولية والمواقف النضالية، ويحظى الجيش المصرى على مرّ الأزمان والعصور بمكانة عظيمة واحترام شعبي ودولي كبيرين لتاريخه العريق ودوره الوطنى داخليًّا وإقليميًّا بل وعالميًّا أيضًا. ويُعد الجيش المصري من أقدم الجيوش النظامية في العالم، حيث تأسس قبل أكثر من 5200 عام، فقبل ذلك العام كان لكل إقليم من الأقاليم المصرية جيش خاص به يحميه، ولكن بعد حرب التوحيد المصرية أصبح لمصر جيش موحد، وفقًا لما جاء بموقع mawtney.com. وكان الجيش المصري من أقوى الجيوش وبفضله أنشأ المصريون أول إمبراطورية في العالم، وهي الإمبراطورية المصرية الممتدة من تركيا شمالًا إلى الصومال جنوبًا ومن العراق شرقًا إلى ليبيا غربًا، وكان المصريون هم دائمًا العنصر الأساسي في الجيش المصري، فهو جيش وطني وليس مرتزقة من جنسيات أخرى، مثل بعض الجيوش الأخرى، ومازالت بعض الخطط الحربية المصرية القديمة تُدَرَّس في أكاديميات العالم ومصر العسكرية. وقدمت العسكرية المصرية القديمة العديد من القادة العظماء، وكان أنبغ هذه العقول العسكرية هو الإمبراطور (تحتمس الثالث)، أول إمبراطور في التاريخ، وهو الذي أنشأ الإمبراطورية المصرية. ومن العقول النابغة أيضًا الملك أحمس، قاهر الهكسوس. وكان الجيش المصري قديمًا يتكون من الجيش البري (المشاة والعربات التي تجرّها الخيول والرماحين وجنود الحراب والفروع الأخرى)، والأسطول الذي كان يحمي سواحل مصر البحرية كلها إضافة إلى نهر النيل، لتحمي المياه الإقليمية، وفقًا لما جاء بموقع mawtney.com. من جابنه قال الأستاذ الدكتور محمد حمزة إسماعيل الحداد، عميد كلية الآثار، جامعة القاهرة، لـ«المصري لايت» إن أول جيش نظامي أنشئ في التاريخ كان في عهد الفراعنة، وكان هدفه طرد الهكسوس من مصر والذين احتلوها لمدة قرنين، حتى نجح الملك أحمس الأول في طردهم وبناء الإمبراطورية الفرعونية. وتابع عميد كلية الآثار: «محاولات طرد الهكسوس وتحرير الأرض من احتلالهم بدأت في عهد سقنن رع وكامس (الأسرتين الـ15 والـ16) في الفترة من 1650 قبل الميلاد إلى 1550 قبل الميلاد، ثم جاء الملك أحمس الأول (الأسرة الـ 18) الذي حكم مصر لمدة 25 سنة (1549 ق.م/ 1524ق.م)، لينجح في قهر الهكسوس وتحرير البلاد وبناء الإمبراطورية المصرية القديمة». كما أكد د. عبدالرحيم ريحان، خبير آثار، لـ«المصري لايت»، أن الفراعنة كانوا أول من أنشأ جيشًا نظاميًا في التاريخ. وتابع خبير الآثار أن لوحة توحيد مصر فى عهد الملك مينا، مؤسس الأسرة الأولى، المعروفة بلوحة نارمر أو نعرمر، تشهد بأن مصر أول دولة تتوحد بالشكل السياسى والحضارى فى التاريخ وشكلت جيشًا وطنيًّا كان له دور محوري فى هذه الوحدة، وكانت بداية تكوينه كجيش وطنى مواكبة لوحدة مصر السياسية سنة 3200 قبل الميلاد، ووقتها تم إعلان أول جيش وطنى لدولة فى التاريخ، وقد قام هذا الجيش بقيادة أحمس بطرد الهكسوس من مصر، وفى عهد تحتمس الأول وصل الجيش المصرى لنهر الفرات. ويضيف د. ريحان لـ«المصري لايت» أن تحتمس الثالث كان أعظم ملوك الأسرة الثامنة عشرة وفاقت عبقريته العسكرية كل تصور فى تاريخ العسكرية القديمة والحديثة، وقد أجمع المؤرخون العسكريون على أن تحتمس الثالث أول قائد حربى فى التاريخ وضع خطة تقسيم الجيش إلى قلب وجناحين، وهو أول من وضع فكرة تكوين مجلس أركان حرب من كبار الضباط للتشاور فى وضع الخطط الحربية. كما أشار المؤرخون للتماثل والتطابق الحَرْفي بين الخطط الحربية التى وضعها تحتمس الثالث والخطط الحربية التى طبقها دهاة العسكريين فى الإمبراطورية البريطانية، طبقًا لما جاء فى كتاب «أم الحضارات» للكاتب مختار السويفى، تقديم الدكتور جاب الله علي جاب الله، أمين عام المجلس الأعلى للآثار الأسبق. ويوضح الدكتور «ريحان» أن الأدلة الأثرية تؤكد أن تحتمس الثالث قاد 16 حملة عسكرية على مدى عشرين عامًا، كان من نتيجتها تكوين أول إمبراطورية مصرية واسعة فى تاريخ العالم القديم، تمتد جنوبًا حتى الشلال الرابع ببلاد النوبة وشمالاً وشرقًا حتى مناطق آشور وشمال سوريا ولبنان وبلاد النهرين (العراق) ومملكة بابل وخيتا، وجميع موانئ البحر المتوسط الواقعة فى مناطق سوريا ولبنان وفلسطين أصبحت قواعد حربية لجيوشه. ويشير د. ريحان إلى أن الخطة الحربية البارعة التى ابتدعها تحتمس الثالث فى عبور ممر (عرونا) بالمناطق السورية، هى نفس الخطة التى اتبعها القائد الإنجليزى، لورد اللنبي، فى عبور هذا الممر الضيق وفاجأ بها جيش الأتراك أثناء الحرب العالمية الأولى 1918؛ وأن الخطة الحربية التى وضعها تحتمس الثالث لنقل سفنه الحربية نقلًا بريًا وهى مجزأة كقطع مفككة وأجزاء قابلة للتركيب السريع والتجهيز الفورى حتى يتمكن من العبور بها فى نهر الفرات والوصول بجيشه لبلاد النهرين لضمها للإمبراطورية المصرية، وهي خطة غير مسبوقة فى التاريخ العسكرى، هى التى أوحت إلى القائد العسكرى مونتجومرى بخطة نقل سفن العبور الحربية برًّا من فرنسا إلى ألمانيا، حتى وصل بها إلى الأماكن المحددة لعبور قواته نهر الراين أثناء الحرب العالمية الثانية. وينوه د. ريحان إلى أن خطط تحتمس الثالث مِن أخذ أبناء أمراء وحكام وملوك البلاد التى فتحها كرهائن وإرسالهم معززين مكرمين إلى مصر لتنشئتهم وتعليمهم بالمدارس المصرية وتربيتهم طبقًا للتقاليد والعادات والثقافة والأخلاق المصرية ليصبحوا مجهزين سياسيًّا لحكم بلادهم حين يؤول إليهم الأمر وفي أعناقهم هذا الدَّين الحضارى لمصر، طبقتها الإمبراطورية البريطانية فى الهند وفى معظم المستعمرات التى كانت خاضعة لها، حيث أجبرت أبناء الأمراء والحكام وعلية القوم على الالتحاق بالكليات الإنجليزية لينهلوا من الثقافة البريطانية وينشأوا على تمجيد بريطانيا العظمى. واكتشفت وزارة الآثار المصرية آثارًا تمثل مقر الجيش المصري في عصر الدولة الحديثة، التي يطلق عليها علم المصريات عصر الإمبراطورية (نحو 1567- 1085 قبل الميلاد)، في شمال سيناء، وفقًا لما أعلنته وزارة الآثار. وقال ممدوح الدماطي، وزير الآثار السابق، في بيان، إن بعثة مصرية اكتشفت بمنطقة تل حبوة، شرقي قناة السويس، ثلاث كتل حجرية من البوابة الشرقية لقلعة ثارو، التي كانت مقر الجيش المصري القديم، إضافة إلى مخازن ملكية مبنية من الطوب اللبن، كانت تخص الملكين تحتمس الثالث ورمسيس الثاني، وأختام عليها اسم تحتمس الثالث. وأضاف أن الكتل الحجرية المكتشفة عليها نقوش لرمسيس الثاني، وطول كل منها ثلاثة أمتار، وهو الأمر الذي يؤكد ضخامة البوابة التي كانت تمثل نقطة الانطلاق للجيوش المصرية لتأمين حدود مصر الشرقية، عبر طريق حورس الحربي، بين مصر وفلسطين. وكان طريق حورس الحربي منذ عصر الدولة الوسطى (نحو 2050 1786 قبل الميلاد)- يبدأ بقلعة «ثارو» في منطقة «تل الحبوة»، ومن القلعة كانت الجيوش المصرية تنطلق عبر سيناء إلى شمال بلاد الشام، لتأمين الحدود الشمالية للبلاد. ويرى أثريون أن طريق حورس «أقدم طريق حربي في العالم» واكتشفت فيه قلاع وأسوار وأبراج للمراقبة في السنوات الأخيرة، وفق ما جاء بموقع «سكاي نيوز عربية».
مشاركة :