ترافق مرور العيد السادس لثورة الحرية والكرامة في تونس التي انطلقت في 2011 وسميت "ثورة الياسمين" بالخيبة والشعور بالمرارة مع معاناة الكثير من التونسيين من الفقر والبطالة والاقصاء والتهميش ليزيد البرد القارس وتساقط الثلوج في الفترة الاخيرة الوضع سوءا. تمر تونس بموجة برد حادة وتساقط للثلوج في مناطق عديدة منها. وتطال موجة من البرد الشديد المناطق الأشد تهميشا من الناحية التنموية في تونس، حيث تزيد وضعيتها الصعبة اجتماعيا واقتصاديا من عزلة ساكنيها، في مثل هذه الظروف المناخية السيئة. يمثل تساقط الثلوج في تونس لدى البعض خبرا سارا، وفرصة لالتقاط الصور بالمرتفعات المكسوة برداء أبيض ساحر لكنه يتحول الى نقمة لأهل الجهة وخاصة محدودي الدخل والفقراء. ويتحول الثلج الى كابوس يؤرق المناطق الجبلية لأبناء عين دراهم وجندوبة والكاف وسليانة. فتساقط الثلوج بكميات كبيرة يزيد من حجم معاناتهم في ظل تدهور البنية التحتية وقلة التدفئة ونقص الملابس والطعام. ولعل ما يزيد من حجم المعاناة أن المناطق التي تشهد تساقط الثلوج بكثافة هي المناطق الأكثر فقرا في تونس والأقل تنمية، من محافظات جندوبة والكاف والقصرين وسليانة. واشار مسح صادر عن المعهد الوطني للإحصاء في تونس بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعيّة، أنّ نسب الفقر والبطالة والأميّة في تلك المناطق هي ضعف المعدّلات الوطنيّة. وتبلغ نسب الفقر في مدن الشمال الغربي والوسط الغربي أرقاما مفزعة تتراوح بين 30% و40%. ويعاني اهالي المناطق التونسية المهمشة من تهالك البنى التحتيّة من طرقات وجسور وسط غياب شبه تام للدولة أو للمستثمرين الذّين يرون فيها مناطق غير مغرية. ومثل وفاة طفلة تونسية تدعى رانية ضيفلّي جراء موجة برد شديدة ضربت تونس في الفترة الاخيرة، صدمة داخل المجتمع. وأطلق عدد من النشطاء مبادرة "كلنا رانية"، وطالبوا السلطات بالتدخل لإيجاد حلول عاجلة للمناطق المحرومة والمهمشة في البلاد. كما أطلق البعض الاخر على رانية لقب "بائعة الكبريت التونسية"، في إشارة إلى الرواية العالمية الشهيرة. وتوفيت الطفلة رانية (10سنوات) نتيجة إصابتها بنزلة برد شديدة، حيث عجزت عائلتها التي تسكن في كوخ في منطقة عين دراهم التابعة لمحافظة جندوبة (شمال غرب تونس)، عن إسعافها إلى أحد المستشفيات بسبب ظروفها الاجتماعية الصعبة. وكتبت مستخدمة تدعى شيماء "كنا نسمع عن بائعة الكبريت حتى رأيتها في بلدي…بلد الكفاءات الأربع!". وأضاف مستخدم آخر "كلنا رانية، رانية دمعة وذنب وضحية وشهيدة، وأمثالها موجودون بكثرة، وقد يقاومون البرد والفقر أو ربما يموتون بسببهما". وكتب المدوّن ياسين العيّاري "دم رانية لا يأتي بـ500 ليتر بنزين". وأضاف: "لقبوها بـ"بائعة كبريت تونس" لأنهم يخالون أن البرد هو الذي قتلها، لكن في الواقع رانية ضحية نظام بأكمله، ضحية فقر وحاجة وخصاصة وغياب للعدالة الاجتماعية، رانية ماتت لأن والدها لم يستطع توفير غطاء يحمي جسدها المحموم". وغرد بعضهم "يموت الأطفال والنساء في تونس بالبرد في أكواخ قصديرية، وتنتفض محافظات كاملة مطالبة بالتشغيل والعيش الكريم". كما توفيت في الاونة الاخيرة امراة تونسية تدعى عائشة الضيفلي، وهي امرأة مسنة من المنطقة ذاتها، بسبب البرد والجوع أيضاً. وخلفت الحادثة حالة كبيرة من الاستياء. كما سجلت وفاة رجل مسن بسبب شدة البرد وسوء الاحوال الجوية والمرض. واجبر سوء احوال الطقس وتساقط كميات كبيرة من الثلوج في مناطق تونسية أكثر من 800 تونسي إلى قضاء ليلتهم في الشارع في منطقة عين دراهم بسبب انسداد الطرقات، حيث علقت نحو 200 سيارة هناك. وعملت فرق الإغاثة في تونس على فك عزلة المئات من المواطنين العالقين في سياراتهم لليلة كاملة في مدخل المدينة بسبب تساقط الثلوج. وافاد وزير الشؤون الاجتماعية التونسية محمد الطرابلسي انه من الضروري الوقوف على حقيقة الإشكاليات المطروحة في المناطق التي تعاني من الفقر وسوء الاحوال الجوية بهدف تحسين البنية التحتية وتطوير وسائل الإنقاذ. واعتبر ان لجنة مجابهة الكوارث تتابع الوضع، وبين ان تم توزيع ما يقارب 260 ألف قطعة ملابس وحوالي 2500 حاشية و15 طنا من الأغذية وكميات من الأغطية الصوفية والأحذية. واعلنت وزارة التجهيز التونسية عن وضعها لعدد هام من المعدّات على ذمة الجهات المنكوبة منها تخصيص شاحنات لإزالة الثلوج. وتعتبر المجهودات التي تقوم بها الدولة التونسية دون المأمول. ويعيش ملايين التونسيين في اوضاع اجتماعية واقتصادية صعبة بعد ثورة الربيع العربي، ويلجأ اغلبهم الى التداين والقروض لسد حاحياتهم. واظهرت دراسات أن الفوارق الاجتماعية في تونس تعمقت بشكل حاد ومفزع خلال السنوات الماضية بعد أن زادت نسبة ثراء طبقة معينة مقابل ارتفاع معدل الفقر والبطالة لعموم الشعب التونسي. وعكست الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها تونس وكان بعضها عنيفا جدا حالة الغضب الشعبي من غياب العدالة الاجتماعية من حيث توزيع التنمية في جهات البلاد التي توصف بأنها جيوب للفقر وفي المناطق داخل العاصمة التي تعد ايضا حزاما للفقر والتهميش. وتصنف تونس حاليا في المرتبة 85 من اصل 100 دولة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط الأكثر اقتراضا. وأكدت الناشطة السياسية مريم البريبري أن "الوضع الاقتصادي والاجتماعي في تونس في هذه الفترة الحاسمة يعكس الفشل التام لكل الأطراف الفاعلة في البلاد في تأسيس بلد ينعم فيه المواطن بأبسط مقومات الحياة الكريمة". واضافت: "لا حلول مجدية في ظل مواصلة الدولة سياسة الإقصاء ضد الكفاءات الشابة والاعتماد على وجوه سياسية أثبتت فشلها في إدارة شؤون البلاد منذ سنوات وساهمت في تفكيك الحراك الشبابي والتعتيم على الأصوات المنادية بضرورة إجراء إصلاحات عاجلة". واردفت "ما تمر به البلاد اليوم هو بداية أزمة قادمة ستضع السلطة ربما أمام ثورة حرية وكرامة جديدة من المحتمل أن يطلق عليها تسمية "ثورة الجياع". وافاد مراقبون ان منسوب الثقة تجاه الحكومة شهد نسقا انحداريا وهو ما يبرر الاحتجاجات التي شهدتها المناطق الداخلية التونسية في ظل عدم ايفاء الحكومة وكل الحكومات التي سبقتها بوعودها. وبين الناشط السياسي رضا الشكندالي أن حكومة الشاهد تواجه هامشا ضيقا جدا للتصرف، وعليها اليوم العودة الى الحلول اي منح ابناء الجهات نسبة من ثروات جهتهم واشراكهم في المسؤولية، مؤكدا ان لكل جهة بالتراب التونسي خصوصيتها التي يجب استثمارها، وبالتالي سينقص الضغط على الحكومة ويصبح بامكانها توفير الدعم والتنمية لباقي الجهات.
مشاركة :