المحمود: معركة تعديل قوانين «الأحوال الشـخصية» أهم معارك المرأة لتحقيق المساواة

  • 1/29/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

شدَّدت الباحثة الاجتماعية هدى المحمود على أن «معركة تعديل قوانين الأحوال الشَّخصيَّة في البلاد العربيَّة والإسلاميَّة تشكّل أهمّ المعارك الَّتي تخوضها المرأة خاصّة، والمجتمع عامَّة، لإزالة الغبن الذي يلحق بالمرأة». جاء ذلك في المنتدى الحواري الذي أقامه الاتحاد النسائي يوم أمس السبت (28 يناير/ كانون الثاني 2017)، في نادي العروبة في الجفير، تحت عنوان: «المرأة في صراعها الطويل، هكذا يريدونني وهكذا أريد نفسي». فيما قال المدير بالإنابة لمركز الأمم المتحدة للإعلام سمير الدرابيع «من المهم الاستثمار في البلدان العربية في تعليم المرأة، فالمجتمع يخسر كثيراً من عدم عمل المرأة». أما مدير إدارة الإعلام في المجلس الاعلى للمرأة محمد الحمادي فأشار الى أن «الصورة النمطية للمرأة ليست وليدة اليوم، وأعتقد أن أغلب الحلول التي قدمت عن المرأة كانت فاشلة؛ لأنها تنظر الى الصورة النمطية ذاتها بشكل مباشر، ولا تعالج جذورها». وأضاف الحمادي «حتى في قنوات التواصل الاجتماعي نرى تشويها للمرأة، ونحن في المجلس الاعلى المرأة قمنا بالإعلان قبل ايام، عن خطة تعتمد على اقامة ندوات تخصصية لمعدي البرامج والكتاب، لمساعدتهم على تغيير الصورة النمطية للمرأة». وتابع «بالنسبة الى الجانب الانتخابي الخاص بالمرأة البحرينية، فاعتقد أنه ينبغي على المرأة أن تقنع الناخب بقدرتها، ويجب عليها ان تكسر حاجز الخوف عنها، حتى تبرهن للمجتمع على جدارتها في القيادة وتحظى بالتصويت لها». فيما ذكرت الناشطة النسوية شهزلان خميس، أن «الرجل والمرأة مسئولان بالقدر ذاته عن الصورة التي تحاط بها المرأة في مجتمعاتنا الشرقية، نحن في الانتخابات نادينا بأن تجمع الجمعيات النسائية قواها لترشيح امرأة تمثلها في الانتخابات النيابية، وهذا الامر لم يحدث بالشكل الذي تمنيناه للأسف». وفي ورقتها قالت الباحثة الاجتماعية هدى المحمود في ورقتها: «صورة المرأة في الموروث الديني والواقع الزمني»، أن «الباحث في هذا الموضوع دائماً ما يسير في بؤرة من الألغام بين المقدس والمحظور، وفيهما معا تضيع المرأة بين من «يغبطها حقها» وما كُرمت به، وبين من «يحرمها» مجرد حق الحياة، وبين هذين الرأيين، تبقى المرأة غائبة داخل كل هذه التناقضات، وعلى هذا تأرجحت ردود فعل المرأة على مدى الزمن، بين خنوع وعداء لا مبرر له، وإقصاء للرجل لا مبرر له أيضاً». وأضافت «الإسلام أعطى المرأة حقها ورفع من قيمتها، وجاء بتشريعات عادلة ترسم لكل فرد في المجتمع ذكراً كان أو أنثى ما له من حقوق وما عليه من واجبات، أقر للمرأة مكانة مرموقة داخل المجتمع. منحها ما تستحقه، بالحض على معاملتها معاملة حسنة مثلها مثل الرجل، لها من الحقوق مثل ما له، فمن حقها وهي وليدة الابتهاج بمقدمها، وهي ابنة التربية والنفقة والميراث والتملك والتصرف وحرمة الدم والمال والقِصاص والإجارة وإعطاء الأمان واختيار الزوج». وتابعت «ولها كزوجة حقوق مشتركة مع زوجها كحق الوراثة والمعاشرة بالمعروف، ومن حقوقها، كأم البِر والإحسان وحُسن الرعاية والنفقة والميراث، وللمرأة من الواجبات ما على الرجل، مثل العبادة والجهاد بالنفس والمال والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتعلم واجب والعمل اختياري، كتاب الله العزيز يزخر بالسور الكاملة التي خصصها للنساء بما يؤكد الاهتمام بمكانة المرأة مثل: (سورة البقرة، آل عمران، مريم، والنور، والممتحنة، والطلاق، والأحزاب والقصص والنمل، والنساء)، وهذه السورة الأخيرة (النساء) هي الأكثر تجسيداً للمرأة، بحيث وضعت الأُسس القويمة للنظام الاجتماعي من خلال تكريم المرأة والرجل في الكسب في حدود الطاقة، وحرية المرأة في ذاتها وأموالها، وبذلك وضع منظومة شاملة ومتكاملة سعت إلى رسم الخطوط العريضة التي من شأنها أن ترقى بالإنسان وتحافظ على المرأة». وأفادت «منح الإسلام المرأة حقوقاً أُسرية لم تكن تحظى بها عند العرب؛ حيث جعلها المسئولة الشرعية عن تدبير شئون البيت والإشراف على تدبير أموره، كما احتفظ لها باسمها الشخصي بعد الزواج، وأعطاها حقوقاً مدنية وسياسية، واعترافا بهذا الحق أباح لها التصرف في مالها بالبيع والشراء والأخذ والعطاء، ولم يجعل ذلك متوقفاً على إذن الأب أو الأخ أو الزوج، فهو تصرف لا يحده إلا ما تقتضيه قواعد الرشد العامة للجميع، كما أعطاها حق حضانة أطفالها في حالة الوفاة أو الشقاق أو الطلاق، وقدمها على الرجل تقديراً لعاطفة الأمومة، وثقة بكفاءتها بأداء هذه المهمة الإنسانية، إضافة إلى تخويله لها الحق في المشاركة في الاجتهاد وإبداء الرأي في مشاكل المجتمع». وواصلت المحمود «في العهود التي تلت عهد النبي (ص)، حافظت المرأة على مكانتها، في العصر العباسي كانت المرأة تذهب إلى القتال على صهوات الجياد، وفي عهد المأمون كانت تناظر الرجال في الثقافة، وهو ما كان له أبعد الأثر في حياة المجتمع، كما ذكرت بعض الكتب الكثيرات ممن كن يشاركن الرجال في مهن مختلفة كالتدريس والطب والقضاء وشغل الوظائف الهامة في الخدمة المدنية، وفي نفس العهد حدثت أكبر ثورة وأطلق عليها اسم ثورة الحريم، وهذا يدل على التأثير السياسي للجواري على الخلفاء، وهو ما كان له الأثر الكبير في صياغة قرارات الدولة العباسية وغيرها، وتعتبر الخيزران وشجرة الدر مثالا لتلك المرتبة السامية التي وصلت إليها المرأة المسلمة، فقد شاركت الخيزران في صياغة القرارات في أكبر دولة إسلامية، وقد ذكر جل المؤرخين أنها حكمت وقادت الإمبراطورية الإسلامية خلال عهود ثلاثة، هي حكم زوجها المهدي وابنيها الهادي وهارون الرشيد، وقد أبدت مهارة فذة في إدارة الأمور، كما استطاعت خمس عشرة امرأة أن تصل إلى سدة الحكم وتحكم بشكل مباشر في بلدان إسلامية، خلال فترات متعاقبة وقد حصلن على امتيازات إلقاء الخطبة وضرب السكة بأسمائهن، وهما علامتان تدلان على الحكم». وأردفت «وقد حكمت راضية في دلهي سنة 634 ميلادية، واعتلت شجرة الدر عرش مصر سنة 648، كذلك ثلاث نساء في جزر المالديف، وقد استمر حكمهن أربعة عقود، وحكمت أربع نساء في اندونيسيا بين القرنين 16 و17م، وهذا إنما يدل على نفي إقصاء المرأة المسلمة من صناعة القرار، لكن من حيث حصلت النساء على السلطة فقد مارسن فظاعات لا يحسدهن الرجال عليها، مما يثبت أن سطوة السلطة على البشر واحدة ولا شأن لها بجنس من يمارسها». وأكملت المحمود «للأسف أن المرأة لا تكتسب هذه النَّظرة إلاَّ في أوساط محدَّدة وقليلة، فيما تسود عنها النَّظرة السَّلبيَّة في القطاعات الأوسع والأشمل من الأمة، والَّتي تحمل ثقافة تقليديّة تحوي المتناقضات في النّظرة إليها، مرَّة تصفها بالكاملة وأخرى بالنَّاقصة وبنصف عقل، ومرَّة باللّينة ثم الصُّلبة، مرَّة تكون مقدَّسة ومرَّة مدنسة، وهي في تعبير علم النَّفس: حياة وقتل، خصوبة واندثار، حنان وحرمان، نقص وكمال، خير وشرّ وربما شكل هذا شخصيات البشر المتناقضة حتى اليوم، والغريب في الأمر أن وضع المرأة الاجتماعي الآن ادنى بكثير مما أقره لها الإسلام، مقارنة مع نظيرتها في الغرب». وأردفت «لقد تم اختزال المرأة في الجسد الجميل الذي يمنح اللذة ويحقق الإمتاع، ولذلك، استُحسنَ فيها الجمال مع قلة التفكير وغياب العقل؛ لأن التفكير يجهد النفس ويذهب بنضارة الروح وطراوة الجسد، فمن نصائح ابن المقفع «لا تملكن امرأة من الأمر ما جاوز نفسها، فإنَّ ذلك أنعم لحالها وأرخى لبالها وأدوم لجمالها، وإنما المرأة ريحانة وليست بقهرمانة»، فرضت هذه النظرة عدم تمكين المرأة من وسائل المعرفة لكيلا يرتفع وعيها، فيصعب التحكم فيها والسيطرة عليها؛ إذ أُثر عن عمر بن الخطاب «رغم عَدله» في معرض النصح حول «سياسة النساء» قوله: «لا تسكنوا نساءكم الغرف، ولا تعلموهن الكتاب، واستعينوا عليهن بالعري، وأكثروا لهن من قول لا، فإن نعم تغريهن على المسألة». وأشارت الى أن «هذه النظرة عملت على تكريس صفات الأنوثة المُبخسة، التي تقضي على إمكانات المرأة الذهنية والإبداعية، كما تغذي لديها الإحساس بالنقص والاستعداد لتقبل وضعية القهر والمهانة المفروضة عليها من قبل مجتمع ذكوري متسلط، تقدم بعض النصوص التراثية صورة لامرأة منقوصة، فـ «إذا كان جسد الرجل هو محور العقل والكمال والتقدير، فإن جسد المرأة يمثل محور النقائص، إنها «الضلع العوجاء» كما يصورها حديث ينسبه ابن قتيبة إلى الرسول الكريم». وقالت «النظرة التبخيسية للمرأة تثير دهشة أي قارئ لكتاب النساء لابن قتيبة؛ لأن مصدرها فقيه سني كبير، ومفكر إسلامي مرموق، وإذا كان من الممكن التماس العذر لابن قتيبة، باعتبار هذه «النظرة للمرأة هي التي كانت سائدة في عصره، فإننا نعجب لإغفال هذا الفقيه السني الكبير لأحاديث وأخبار تتحدث عن الوجه الآخر للمرأة، وهو وجه كان مرئيا ومنوها به في عصره وفي العصور السابقة له، وجه المرأة الأم والمرأة المقاتلة والمرأة الشاعرة والمرأة المالكة والمرأة الزاهدة والمرأة المغنية». وتساءلت «كيف تعاطى النَّصُّ الدّينيُّ والفكر الَّذي أنتجه الفقهاء مع واقع المرأة على امتداد التَّاريخ العربيّ؟ هذا سؤال مازال يحتل أهمية واقعيَّة، حيث تلتصق كلمة الحرام بالمرأة وتتعدَّد التَّفاسير حولها منذ القدم، وتشهد عليها الكتابات في جميع الحضارات وفي جميع الكتب الدّينيَّة، والحرام والمقدَّس مرتبطان ومتكاملان في موضوع المرأة، فالمرأة حرمة، ونقول إنَّها حرم فلان، والمرأة تتَّسم بالقداسة وفق الأساطير؛ لأنَّها تُخيف «أو تُخشى» وتُنتج في الآن نفسه، وهي الأقوى سحريًّا، وبالتَّالي فهي حرام أو يحرَّم لمسها إلاَّ بعد طقوس، تصبح الأنثى حرمة كاملة أو حرامًا بعد أوَّل حيض، ومن بين ألوان الحرام كون العمل الجنسيّ يولّد النَّجاسة، من ثمَّة فحرام عليهما الأكل، أو لمس الخبز، والإتيان بالأعمال العاديَّة عمومًا، قبل إزالة تلك النَّجاسة بالماء الَّذي يرفع الحرام، أي يطهّر». وتابعت المحمود «كما أنَّه إبّان الحيض يكون الحرام ضاربًا المرأة، فتمنع من لمس الخبز وما يتَّصل أو يرمز للحياة، كما يضربها الحرام في فترة النّفاس، إذا قرئت النُّصوص الدينية كتعبير على درجة تطوُّر المجتمع في المرحلة الَّتي نزلت فيها النُّصوص، فيمكن القول إنَّها كانت تعكس نمط العلاقات الاجتماعية السَّائدة والثَّقافة المهيمنة الَّتي كانت تعطي الموقع المركزيَّ للرَّجل، وهي بهذا المعنى ترتبط بمرحلة زمنيَّة محدَّدة تجاوزتها تطوّرات المجتمعات ودرجة التَّقدم الَّتي حصلتها، بما فيها إزالة، أو الحدّ من هذا التَّمييز». وذكرت «أمَّا إذا ظلَّت المؤسَّسات الدّينيَّة تنظر إلى هذه النُّصوص بإطلاقيتها وكونها صالحة لكلّ زمان ومكان، يصبح هذه الموروث الديني مسئولاً وبقوّة عن التَّمييز بين الرَّجل والمرأة». وأفادت المحمود «يؤشّر مسار تطوّر المجتمعات إلى تجاوز هذه النُّصوص واعتبارها تقادمت مع الزَّمن، فوُضعت قوانين وتشريعات تتَّسم بالمساواة بين الجنسين في بعض البلدان، وفي الاقتراب من هذه المساواة في بلدان أخرى». وشددت «في كلّ الأحوال على أنّ معركة المساواة هذه لاتزال مندلعة بأشكال مختلفة بحسب واقع كلّ بلد، وهي معركة عنوانها وضع قوانين مدنيَّة تحكم وضعيَّة المرأة على حساب ما هو موروث من قوانين لها الصّفة الدّينيَّة». وبينت أن «تشكّل معركة تعديل قوانين الأحوال الشَّخصيَّة في البلاد العربيَّة والإسلاميَّة أهمّ المعارك الَّتي تخوضها المرأة خاصّة، والمجتمع عامَّة، لإزالة الغبن الذي يلحق بالمرأة والمستند في هذه القوانين إلى نصوص دينيَّة، (من قبيل تعدُّد الزَّوجات والتَّمييز في الإرث وحضانة الأولاد، ومسائل الطَّلاق وغيرها)، حيث تصرُّ بعض المؤسَّسات الدّينيَّة على التَّمسك بها لاعتبارها تستند إلى النَّص المقدَّس، تقترن الثَّقافة الدّينيَّة في المجتمعات عامَّة، وفي المجتمعات العربيَّة خصوصًا، بثقافة محليَّة عمادها العادات والتَّقاليد الَّتي تكرّس التَّمييز بين الرّجل والمرأة، وتقف حاجزًا في وجه تجاوز الفروقات بينهما». وأوضحت «ترتبط هذه الثَّقافات بطبيعة البُنى المجتمعيَّة الَّتي تحكم العلاقات بين أبناء المجتمع، وهي بنى أساسها سيطرة النّظام البطريركيّ (الأبوي) بكلّ مفاعيله الاجتماعيَّة والثَّقافيَّة والسّياسيَّة والمدنيَّة، وهي عناصر لا تقلُّ هيمنة عن التراث الدّينيّ، ويجعلها تحتلُّ مركزًا مهمًّا في الإعاقة المجتمعيَّة نحو الوصول إلى قوانين مدنيَّة تحقّق المساواة وعدم التَّمييز بين المرأة والرَّجل». ولفتت المحمود الى أنَّ «الوصول إلى الدَّولة المدنيَّة مشروط بنزع الإعاقات عن موقع المرأة نحو تكريس مساواتها بالرَّجل، وخلاصة القول، إن الإسلام أحدث ثورة فعليه عند ظهوره، فأعطى للمرأة كامل الاعتبار والصلاحية مثلها مثل الرجل، وإذا كان التاريخ قد سجل لها مواقف شريفة ومساهمات فعالة فإن صفتها داخل المجتمع تتأرجح بشكل أبدي بين مؤيدين ومعارضين، وإذا كان لابد من الحديث عن امرأة مناضلة تشبعت مرارة الظلم وحيف الزمن الذي شلها عن الحركة فإنه لا مناص من دعم هذه المرأة وتحت لواء ديننا الحنيف». وأكملت «نخلص إلى أن أي مجتمع أراد الرقي فلابد أن يخلق توازناً مجتمعياً تلعب فيه المرأة إلى جانب الرجل دوراً يمكن أن يبوئها مكانة تستحقها وتتماشى مع وظيفتها ودورها داخل المجتمع، إلا أن هذه المعركة رهينة بمدى قدرة المرأة نفسها على التحرر من مجموعة من التابوهات التي رسمت حولها». وأردفت «إذا كان الموروث التراثي والفكر الديني من حيث التَّوصيف الدوني للمرأة يستسيغه الرّجال كثيرًا بحكم السَّيطرة الذُّكوريَّة في مجتمعاتنا، فالوقائع الرَّاهنة باتت تدحض هذه الثَّقافة التَّقليديَّة النَّابعة من تربية سائدة وفكر هو انعكاس لتخلّف مجتمعاتنا بشكل رئيسيّ». وختمت المحمود «وليس أدلَّ على ذلك من الموقع الَّذي تحتله المرأة اليوم في كلّ الميادين العلميَّة والفكريَّة والفنيَّة والإداريَّة والتَّعليميَّة، والَّذي باتت المرأة فيه توازي الرَّجل في هذه المجالات، بل تتفوَّق عليه أحيانًا، إن قدرة المرأة على القيادة الإداريَّة تتجاوز قدرة الرَّجل وفق كثير من الدّراسات الغربيَّة منها والعربيَّة، كما أنَّ أبحاثا سوسيولوجيَّة ونفسيَّة ترى أنَّ المرأة تتعاطى مع القيم وتمارسها بشكل أكثر جدّيَّة من الرَّجل». وفي ورقتها قالت الكاتبة باسمة القصاب «يقوم المجتمع بـ«تذويت» أفراده، أي جعل ذواتهم جزءاً من ذاته، فالتذويت في اللغة هو جعل الشيء جزءاً من الذات، وفي الفلسفة يعني إنتاج الذات عبر إخضاعها لمعايير، هذه المعايير تجعل أفراد المجتمع جزءاً من ذاته، أي صور متكررة لما يريدهم أن يكونوا عليه». وأضافت القصاب «ولأن المجتمع الخليجي هو مجتمع ذكوري تقليدي، فهو يضع المعايير التي تلبي تطلعاته الخاصة، ليجعل كل شيء جزءاً من ذاته (ضلعه)، والمرأة التي تنشأ في هذه البيئة التقليدية تُنتج نفسها وفق هذه المعايير، وتنوع طرق تشكيل ذاتها وفق النموذج الذي يرضاه لها، إنها تخضع لمعايير المجتمع ومبادئه المُلزمة حيال نفسها وحيال الآخرين، فعندما يرسّخ المجتمع مثلاً، معيار أن الزوجة الفضلى أو الأم المثالية هي تلك التي تجعل كل وظيفتها في الحياة التضحية من أجل زوجها وأبنائها وأن تفني حياتها كاملة لهم، حتى لو كان ذلك على حساب طموحها وذاتها ووجودها، فإن المرأة الممتثلة لمعيار هذا المجتمع والمتماهية معه، تقوم بتشكيل ذاتها لكي تكون وفق نموذج تلك الأم المثالية والزوجة الفاضلة، والتي لا هدف لها في الحياة غير الذوبان الكامل في أسرتها، مقابل الإنكار الكامل لذاتها». وتابعت «المرأة التي تهتمّ بذاتها وكيانها ووجودها وطموحها الشخصي ومشاركتها المجتمعية إلى جانب أسرتها، تبدو وفق هذا النموذج وكأنها أنانية، أو مستخفة بالدور التضحوي العظيم الذي خلقت له وخُصّت ومُجّدت». وأكملت «إنه نموذج منتج عرفيّاً وتاريخيّاً؛ يحدّد لتلك المرأة مقاييس الأنوثة والقيمة والأخلاق والشرف والستر والتدين والالتزام، ويؤطر حركتها وسلوكها العام، كما يحدّد نظرتها تجاه نفسها والآخرين، يقدّم هذا (النموذج) وكأنه ميزة ممنوحة للمرأة أو كأنه تفضيل يقدّمه المجتمع للمرأة عرفاناً لها بدورها الحقيقي ومهمتها المقدسة». وواصلت القصاب «وكأمثلة أخرى على التوقعات القيمية التي تضاف إلى النماذج المصاغة، يصف هذا المجتمع المرأة التي تلتزم بلبس العباءة السوداء والنقاب بأنها نموذج للعفة والستر والشرف، والتي لا تختلط بالرجال بأنها جوهرة مصونة، والتي لا يُسمع لها صوت أو رأي بالحياء، والتي تخضع لأذى زوجها وسوء طباعه وكأنه نصيبها المحتوم بالمجاهدة، والتي ترضى بواقعها المرّ (الذي يمكن التمرد عليه وتغييره) بالصبورة، وهكذا». وذكرت «في العام 2014 كنت في زيارة لمتحف البحرين الوطني، وعند خروجي قريباً من مواقف السيارات لفتني منظر امرأة من الخلف، كانت تتربع على الأرض مشغولة بقراءة كتاب، فيما طفلاها الصغيران يلعبان حولها، بدا لي مظهر المرأة من الخلف وكأنها أجنبية، وخاصة مع شعرها الأشقر القصير والقميص الصيفي القصير الذي ترتديه مع بانطلون (جينز)، حسناً، هذا ليس كافياً لأظنّ ذلك، لكن ربما كان كافياً بالنسبة لي أنني لم يسبق أن شاهدت امرأة خليجية تجلس في هكذا وضع وتقرأ عند مدخل مكان عام، وهي ممارسة قد تكون طبيعية في المجتمعات الغربية، لكنها ليست كذلك في مجتمعاتنا العربية، باختصار، أحببت المشهد وسعدت به كثيراً ولم أفكر أن منع كاميرا هاتفي وهي تلتقط بعض الصور بهدف وضعها في (الانستغرام) والتعليق عليها». وأكملت «كانت التقاطاتي من الخلف وكانت بعيدة بعض الشيء، لكني تفاجأت عندما أدارت المرأة رأسها بعد أن سمعت صوت الكاميرا، وقالت بلهجة خليجية: ماذا تصورين؟ ولماذا تصورين؟ بدت في غاية الانزعاج، وبابتسامة محرجة قلت: «هل أزعجتك؟ اعتذر... لقد أسعدني منظرك وأنت ذاهبة في القراءة». ردت علي بانزعاج أكثر: «وهل غريب أن يقرأ أحدهم؟!». قلت معتذرة: أوه ليس غريباً طبعاً، إنه جميل وملهم فحسب، إنه مشهد لا يتكرر في بلداننا لهذا يبدو غريباً ويسحق الاحتفاء. أضفتُ مبررة: لم أعرف أنك عربية ولم أصورك من الأمام، لا تقلقي سأمسح الصور فوراً». وقالت «هدأ انزعاجها بعد أن أدركت حسن نيتي، ولم يطل الأمر حتى تعارفنا، وعرفت أنها روائية من إحدى الدول الخليجية، سعدنا من تلك الصدفة التي جمعت بين امرأتين لهما اهتمام ثقافي متقارب، ودخلنا في حوار ممتع عرفت من خلاله أنها كانت تبحث في مكتبة المتحف حول موضوع يخصّ عملها الإبداعي القادم، ودللتها بدوري على بعض المكتبات العامة في البحرين حيث يمكنها الحصول على كتب قد تفيدها». وأكملت القصاب «لاحقاً، عرفت سبب انزعاجها الشديد من الصور التي التقطتها، فهي لا تظهر في بلدها بالهيئة التي شاهدتها عليها في البحرين، بل ترتدي العباءة السوداء مع غطاء الشعر (الشيلة) وبهما تحضر جميع الفعاليات الثقافية التي تشارك فيها، وهي ترتديهما لأن عرف مجتمعها وبيئتها يفرضان عليها ذلك، لا لأنه لديها أي قناعة دينية بلبسهما، لذلك حين تسافر خارج بلدها إلى بلد آخر أكثر تسامحاً مع لباس المرأة، أو وسط غريب عنها، فإنها حينئذٍ فقط تصير ذاتها الحقيقية كما تريدها وكما تقتنع بها». وشددت «ليست تلك حالة استثنائية، وليس سرّاً أننا نعلم أن فئات كثيرة من النساء الخليجيات يتعاملن مع نمط اللباس المفروض عليهن، والحجاب خصوصاً باعتباره فرضاً عرفيّاً لا دينيّاً، وأن أعداداً كثيرة من النساء الخليجيات، خصوصاً من يأتين من بيئات أكثر تشدداً، يلقين حجابهن ونقابهن بلا تردد، عندما يضعن أولى خطواتهن خارج بلدانهن، لكنهن ما زلن غير قادرات على فعل ذلك في مجتمعاتهن، بسبب إما سياسة الدولة التي تفرض عليهن غطاء الشعر أو النقاب، أو بسبب بيئاتهن المحافظة وأوساطهن التي تعتبر خروج المرأة سافرة بلا حجاب أو عباءة تمرداً على الشرع ومخالفة للدين وخدشاً لحياء المجتمع». وذكرت القصاب «في أوساطنا المجتمعية عايشنا كثيراً من الصراعات التي خاضتها بعض النساء، فتيات صغيرات أو نسوة بالغات، مع عوائلهن وأوساطهن تمردن على ارتداء الحجاب أو النقاب أو حتى العباءة السوداء، اعتبرن ذلك تقييداً لحرياتهن وتعارضاً مع قناعاتهن الشخصية والفكرية، البعض تمكنّ من فرض إرادتهن وسط تحفظ عوائلهنّ، والبعض الآخر عجزن عن ذلك واضطررن إلى المسايرة والخضوع للضغط الاجتماعي، وأخريات تصالحن مع الوقت مع هيئتهن العامة وتعايشن معها، فيما ظلّت فئات كبيرة من النساء يبتكرن طرائق مختلفة لجعل ارتداء الحجاب أقل تعقيداً وإحكاماً، ليقف عند حد الاحتشام العام. وبالطبع هذا لا ينفي أن الغالبية العظمى من النساء الخليجيات يرين في الحجاب فرضاً دينيّاً ويحرصن طوعاً على ارتدائه مع تباين التعاطي الشكلي معه بين تشديد أو تخفيف». وأفادت «تخف حدّة الصراع حول ارتداء الحجاب داخل الدول الخليجية الأكثر تسامحاً مع حرية المرأة مثل البحرين والكويت، وتتلاشى إلى حد كبير داخل البيئات الثرية والليبرالية داخل هذه الدول بشكل خاص، لكنه يبقى موضوعاً صعب الولوج فيه داخل البيئات القروية والمتدينة المتشددة، وبشكل عام تلتزم النسوة الخليجيات بحدود من الحشمة، كلٌ بالقدر المقبول في وسطها الأسري والاجتماعي». وبينت أن «التحولات الاقتصادية التي شهدتها المجتمعات الخليجية، وانتشار التعليم وحصول المرأة على الشهادات الجامعية والشهادات العليا بشكل واسع، فرض حضور المرأة في المشهد الاقتصادي حتى صارت مشاركتها أمراً طبيعيّاً ومفروغاً منه بعد أن كانت مرفوضة في كثير من الأوساط، لكن، هل صاحب ذلك تحول على الصعيد الثقافي فيما يتعلّق بالأعراف وأسلوب الحياة؟ هل التحولات الاقتصادية واكبت في بلداننا الخليجية تحولات فكرية وثقافية؟». وأجابت القصاب «مازال الفصل بين الجنسين في العمل هو السائد في الدول الخليجية، ولاتزال بعض المجتمعات الخليجية أو فئات عريضة منها، تفضل أن تعمل المرأة في المهن التي تفصل بين الجنسين مثل التعليم، ولاتزال المرأة التي تعمل في الحقل التعليمي مفضلة كزوجة عند فئات كبيرة من الشباب الخليجي المقبل على الزواج». وواصلت «تؤكد القاصة السعودية أمل البشراوي أن أغلب مجتمعها «ينظر إلى المهن المختلطة كإثم تقوم به الأقليات المنفتحة ولا يجري فيها العُرف القبلي»، وعلى رغم الانفتاح النسبي للمجمتع البحريني، ترى الشاعرة البحرينية منى الصفار أن «المجتمع البحريني كأي مجتمع خليجي ذكوري لا يزال ينظر إلى الاختلاط بمنظور متحفظ رافض، ولاتزال الزوجة المدرّسة هي المفضلة في المقارنة مع الوظائف الأخرى وخصوصاً لما تمثله شريحة المجتمع القروي الأكثر محافظة من مجتمع المدينة على الأغلب والتي تمثل غالبية من نسبة السكان في البحرين». وأفادت «وفي حين صارت المجتمعات الخليجية تحرص على تعليم أبنائها في المدارس الخاصة بدلاً من الحكومية، وهي ظاهرة غزت هذه المجتمعات خلال العقود الأخيرة بعد أن كانت تختص بأبناء الجاليات الأجنبية والطبقة الثرية غالباً، فإن هذه المجتمعات كيّفت، أو لنقل ذوّتت، هذه المدارس بما يتلاءم مع واقعها الذي تريده فيما يتعلّق بمسألة الاختلاط، فالمدارس الخاصة نشأت في أصلها مختلطة في الغالب على خلاف المدارس الحكومية التي تفصل بين الجنسين، وقد أنشأت أجيالاً جديدة أكثر انفتاحاً على الحياة واختلاطاً بالجنس الآخر وقدرة على التعامل معه ومع ذاتها، لكن المجتمعات الخليجية التي تريد لأبنائها إتقان اللغات الاجنبية من أجل (التواصل) مع العالم، لا تقبل لبناتها (التواصل) مع الجنس الآخر، فعملت على (مواءمة) هذه المدارس مع بيئتها بإنشاء مدارس خاصة تفصل بين الجنسين، وفي الوقت الذي تسمح فيه عائلات لأبنائها الذكور إكمال دراستهم في المدارس الخاصة المختلطة، فإنها تقوم بنقل بناتها بعد الصف الدراسي الثالث (مع بلوغ الفتاة سن التكليف) أو بعد المرحلة الابتدائية إلى مدارس خاصة غير مختلطة أو إلى مدارس حكومية». وتابعت «أيضاً، تحرص المجتمعات الخليجية، خاصة الطبقة الوسطى والثرية منها، على ابتعاث أبنائهم وبناتهم لإتمام دارستهم الجامعية وتحصيل الدراسات العليا في الجامعات الغربية، وهو أمر يفترض أن يساهم في تحريك وعي جديد عند الجيل الجديد عموماً، وعند الفتاة الشابة تجاه نفسها ووجودها، عبر مقارنة تكوينها الشخصي والفكري والاجتماعي بمثيلاتها في هذه الدول وإعادة انتاج ذاتها وفق معايير إنسانية عامة أكثر تفتحاً». وختمت القصاب «لكن إلى أي مدى نجح ذلك فعلاً في إحداث تغيير نوعي في ذات المرأة؟ يبقى سؤالاً يثيره استاذ علم الاجتماع باقر النجار في كتابه: «المرأة الخليجية وتحولات الحداثة العسيرة»: «على رغم انخراط المرأة في التعليم العالي في البلدان الخليجية، إلا أن التساؤل المطروح هو «هل استطاع هذا الانجاز أن يغير من ذات المرأة في شيء؟ أو أن يدفعها من دائرة الرجل وقيمه وأعرافه؟» ويردف: «التعليم قد ساعد الرجل كما المرأة في ولوج سوق العمل الحديث والتخفيف نسبيّاً من قيود الموروثات الاجتماعية القائمة، إلا أنه فشل في إحداث تغيير نوعي في ذات المرأة كما الرجل، ما زال الاثنان ولربما المرأة بصورة أكبر، مشدودين للذات التقليدية الحافظة لتوزيع القوة في المجتمع، فلا الرجل يرغب في أن يثور عليها، إذ بها تتحقق استمرارية هيمنته، ولا المرأة تتجاسر بالتمرد». أما الناشطة زينب الدرازي، فأفادت في ورقتها «الطرفة والإعلانات التجارية تكريس للمنظومة النمطية في شخصية المرأة»، أن «الصور النمطية للمرأة تتعدد في الاعلام الى 3 صور رئيسية، هي «المرأة الأم، والمرأة الجميلة، والمرأة المغرية». وأضافت الدرازي «مازلنا نرى يوميا عبر الكاريكاتير في الصحف والمجلات العربية والإعلام و الدعاية والاعلان كيف توصم المرأة وكيف يتم تكريس الصورة النمطية التي ينظر بها اليها». وذكرت أن «النكتة فن وابداع وتتوافر فيها «ثلاثة عناصر، هي توقد الذكاء وسرعة الخاطر والشعور بالانتصار على الضغط والحرمان، وهي من الفنون القديمة التي تتشارك البشرية في كل انحاء العالم بها، فهي عامل مشترك لحرية التعبير وخاصة وقت الازمات السياسية و الاقتصادية». وأشارت الى أن «النكت على المرأة اكثر بروزا وانتشارا وخاصة مع نضال المرأة الدؤوب من اجل نيل حقوقها الطبيعية ومساواتها مع الرجل، وقد عبر المجتمع عن موقفه بوضوح من هذه القضية من خلال النكتة». وختمت الدرازي «النكتة سلاح مهم ضد المرأة؛ لأنها سلاح اجتماعي، فالنكتة صوت للمجتمع في تنظيم صفوفه لترسيخ فكرة سياسية أو اجتماعية».

مشاركة :