من بين محاسن الحوار مع سيد القمني، أنّه انشغل بممارسة النقد على مستوياته المتعدّدة، فهو لم يستثن الأحداث التاريخية، خاصة ما تعلق بالفضاء المصري، فوضع على طاولة النقد، الفتح الإسلامي لمصر، معتبرا إياه حركة مناقضة للرؤية الإسلامية. العربربوح البشير [نُشرفي2017/01/29، العدد: 10527، ص(11)] بما أنّ الحوار مع أهل الحدث وفق التوصيف الطريف لبول ريكور، هو مجازفة فكرية، ومخاطرة على درجة عالية من العسر، فإنّ الالتقاء بهم ومحاورتهم ونشر أفكارهم أعسر وأخطر؛ فالحدث العظيم الذي يسأل عنه الجميع، أو ما يسمى بالخطب العظيم، يفعل فعله في الذهنيات التي انخرطت فيه، وتورطت في متابعته، لأنّ الحدث هو سيل يجرف في طريقه كلّ الأفكار والمعتقدات والأحكام السابقة والرؤى التي سكنت في المناطق السفلى من ثقافتنا، التي رشح فيها ما تبقى منها في دركها الأسفل، باعتباره العلبة السوداء لتاريخنا. لم يكن الحوار مع المفكر “المصري” سيد القمني، وأريد هنا، أن أشدّد على وصفه بالمصري وليس بالعربي، حوارا متعدّدا لا ينشغل بالقضايا الفكرية في صورتها الأكاديمية الصارمة فقط، بل ينهمم بكلّ الأسئلة في ضروبها الحياتية اليومية التي تشغل ذهن الإنسان اليومي، الذي يعاني هو وبمفرده، دون سند من أحد، من العنف والاستبداد والإكراه والابتزاز القاتل، وكأنّ زمن الرعاية الإلهية قد ولّى، وبقي هذا الإنسان الأخير، عاريا لوحده وسط العواصف والزلازل الفوقية، ففي الحوار إشارات واضحة الدلالة على تعفّن الوضع المصري، حيث الانتشار الرهيب للذهنية الخرافية، سواء عند المسيحيين، وحديثهم عن النبي إشعياء، الذي يُقرأ فيه مصير مصر التراجيدي، وعن التوافق المتوقع بين هذه الذهنية المتورطة في الخرافة، وما يوجد في الرؤية الإسلامية، من رؤى مستوحاة من الأسطورة، التي لا تكترث بالمنطق التاريخي الذي يعشق العلم ومنجزاته. من بين محاسن الحوار مع “سيد القمني”، أنّه انشغل بممارسة النقد على مستوياته المتعدّدة، فهو لم يستثن الأحداث التاريخية، خاصة ما تعلق بالفضاء المصري، فوضع على طاولة النقد، الفتح الإسلامي لمصر، معتبرا إياه حركة مناقضة للرؤية الإسلامية، وتمّ وفق منطق الغلبة للأقوى، وتوجّه صوب مؤسّسة الأزهر التي هي متورطة في تكريس رؤية خرافية، وفي ذات الوقت تحظى بتموين مالي كبير، كان من المفروض أن يوضع في مكانه السليم والمثمر، وهنا نلحظ حضور الرؤية الإصلاحية التي تبنّاها المصلح الألماني “مارتن لوثر”، فهو بالتالي، انتقاد ديني بصبغة مسيحية مُبطنة، ولم يحد إطلاقاً عن نزعة النقد الذي امتشقه من أجل زعزعة الوعي الكسول المستمرئ لمقولاته المترهلة، وهي فضيلة ثورية نود أن تستقرّ في ربوعنا الثقافية. كاتب وأكاديمي من الجزائر ربوح البشير :: مقالات أخرى لـ ربوح البشير المثقف العربي وقلق السؤال , 2017/01/29 الهزال التاريخي بيت العنف الأعمى, 2016/11/20 أرشيف الكاتب
مشاركة :