من وجهة نظر ترامب فإن عودة أميركا عظيمة ليس من خلال اقتصاد محمي من الدولة فقط، ولا من خلال إلغاء العولمة واتفاقات التجارة المفتوحة، بل الأهم العودة إلى حكومة أميركية بحجم صغير. وهذا معناه انسحاب أميركا من العالم. العربأسعد البصري [نُشرفي2017/01/29، العدد: 10527، ص(5)] دونالد ترامب يتخبّط فهو يجري تعديلات على قراره بمنع المهاجرين من سوريا. الآن يقول نقبل المسيحيين السوريين حصرا، وهذا أيضا خطأ لأن الإرهابيين ستسرّهم هجرة نصف مليون مسيحي من الشرق، ثم أيّ دولة عظيمة هذه التي تتعامل بحسب الأديان؟ لا يعتقد مايكل مور الكاتب الأميركي الشهير بالتنبؤات الصحيحة بأن ترامب سيكمل دورته الرئاسية في البيت الأبيض. يقول إن ترامب من النوع النرجسي، الذي سيكسر القانون، ولا يهمّه مصير الأمة الأميركية بل كل ما يهمّه فائدته الشخصية من أهم وظيفة في الكوكب. المرأة الأميركية مثلا ضده، على الأقل النصف مليون متظاهر بواشنطن في اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض. والإعلام ضده إلى درجة أن المتحدث باسم البيت الأبيض قال إن الإعلام هو الحزب المعارض وعليهم أن “يخرسوا”. تصرفات ترامب ليست تصرفات رئيس أميركي بالمعنى الذي اعتدنا عليه. فهو يبني جدارا مع أهمّ جار وشريك تجاري لبلاده مثل المكسيك ويريد أن يدفعوا كلفة الجدار التي قدّروها في البداية بعشرة مليارات دولار واليوم يقولون إنها 15 مليار دولار. المكسيك تستلم مساعدات اقتصادية أميركية هذا صحيح لكن بالمقابل 80 بالمئة من السلع المكسيكية هي سلع أميركية، وكذلك الصناعة والمواد المكسيكية أغلبها تصدّر لأميركا. الآن يريد أن يلغي “نافتا” اتفاق التجارة الحرة بين أميركا وكندا والمكسيك، ويفرض على السلع المكسيكية ضريبة 20 بالمئة. خبراء القانون الأميركي قالوا إن هذا غير قانوني طالما اتفاق “نافتا” ساري المفعول. المكسيك متعاونة بالحد من الجريمة وتجارة المخدرات، وفوق ذلك فككت برنامجها النووي وقدمت أسلحتها النووية للولايات المتحدة في اتفاق دولي مقابل تعاون اقتصادي. كيف يتهم ترامب أمّة عظيمة جارة لبلاده بأنهم مجرمون؟ وما هو الشعور النفسي لدولة جارة حين تبني جدارا بينك وبينها. رئيس المكسيك رفض اللقاء بترامب هذا الأسبوع لأنه يتصرف معه كزعيم مافيا ويقول لرئيس المكسيك اجلب تكلفة الجدار معك. ملياردير ورجل أعمال متخصص بالفنادق وكازينوهات القمار وشريك لبعض العوائل الثرية التي تطاردها علامات الاستفهام ما هي علاقته بهكذا منصب عظيم، أهم وظيفة بالكوكب يشغلها اليوم دونالد ترامب. مراسلة أميركية من المكسيك تتساءلت إذا كان هدف الرئيس خلق فرص عمل جديدة للأميركيين ألا يرى بأن علاقة أميركا التجارية مع المكسيك توفر ملايين الوظائف للأميركيين؟ هل من مصلحة البلاد إثارة حرب تجارية مع المكسيك؟ خصوصا وقد أثار قرار إلغاء التجارة الحرة عبر الباسيفيك نوعا من الهلع ونوعا من الحرب التجارية مع الصين؟ الخبراء الأميركان أنفسهم يقولون لا يمكن التعامل مع الأمم بمنطق رجل الأعمال العنيف الذي يهدد ويجعل منافسيه يخضعون له. مارك زوكيربيرغ العبقري المبرمج الذي اخترع الفيسبوك وهدم الجدران بين الأمم والعقول، وجه رسالة مؤثرة إلى دونالد ترامب يقول فيها إن أجداده جاؤوا إلى أميركا من ألمانيا والنمسا وبولونيا، وأجداد زوجته بيرسلا جاؤوا من الصين وفيتنام. الولايات المتحدة أمّة من المهاجرين، وعلينا أن نكون فخورين بذلك. يقول إنه كالكثيرين من الأميركيين شعر بالقلق من قرار الرئيس ترامب بإيقاف الهجرة من بلدان بعينها. مارك منذ سنوات درس في مدرسة محلية متوسطة للمهاجرين غير الشرعيين، وهو فخور بالقانون الذي أصدرته إدارة أوباما عام 2012 الذي يتيح لليافعين الذين لم يبلغوا السن القانوني من المهاجرين غير الشرعيين حق العمل رسميا لسنتين حتى تقرر المحكمة منحهم الإقامة أو إعادتهم إلى بلادهم. ويضيف بأن هناك 750 ألف يافع وصاحب طموح من هؤلاء يستفيدون اليوم من هذا القانون وأن هؤلاء مستقبل أميركا أيضا. من المفهوم أن يكون هناك تدقيق على المجرمين وأصحاب السوابق لكن مارك يقول إن على أميركا ألا تغلق أبوابها بوجه اللاجئين والمهاجرين. هناك توقع بانهيار الدولار فالولايات المتحدة مدينة بمبالغ ضخمة، أميركا تستدين اليوم بمعدل مليون دولار في الدقيقة. لا يمكن تسديد هذا الدين إلا بإلغاء الدين بإعلان الإفلاس أو تقليل قيمة الدولار. كذلك من وجهة نظر ترامب فإن عودة أميركا عظيمة ليس من خلال اقتصاد محميّ من الدولة فقط، ولا من خلال إلغاء العولمة واتفاقات التجارة المفتوحة، بل الأهم العودة إلى حكومة أميركية بحجم صغير. وهذا معناه انسحاب أميركا من العالم. ترامب يلملم البلد اقتصاديا وأمنيا. فرق الشرطة صارت تنظف أميركا من المهاجرين المكسيكيين غير الشرعيين وغيرهم. كلّ مهاجر لا يقتنع به الشرطي أو يشعر بأنه خطر يمكنه طرده من البلاد، لا يحتاج الأمر إلى قرار محكمة كالسابق. هو محق بأنه “لحظة تاريخية” رجل من خارج المؤسسة السياسية، جسم غريب حقا، ترامب عاصفة عالمية سياسية. لقد وعد بجلب المصانع من المكسيك والهند والصين إلى البلاد وتوفير 40 مليون فرصة عمل جديدة لشعبه. إنه عدوّ العولمة الأول فقد وقّع مؤخرا على مطالبة مواطني دول مثل بريطانيا وأستراليا والدنمارك والسويد وغيرها بالتأشيرة لدخول الولايات المتحدة. لم يبق حقا سوى الجواز الكندي. وهذه الدول ربما ستطالب بالتأشيرة أيضاً من الولايات المتحدة ومن بعضها البعض، ولك أن تتخيل نتائج ذلك على العولمة والسياحة وشركات الطيران. دونالد ترامب يبطئ العالم كله لأجل أن تلحق به أميركا. كاتب عراقي علّق على تفكير ترامب بإعادة التعذيب للحصول على معلومات من الإرهابيين قائلا إنه لا يعرف تأثير كلام كهذا من رئيس الولايات المتحدة في العالم كله، ستعني الكثير في غياهب السجون الأفريقية والشرق أوسطية، أيّ لو أن أميركا سمحت بممارسة الإغراق الوهمي ضد الإرهابيين أو المتهمين بالإرهاب؟ فإن دولا أخرى ستسمح بممارسة الصعق الكهربائي ضد المتهمين بالتعبير عن أرائهم وهكذا. الحمد لله أنه ترك القرار النهائي بهذا الشأن لوزير الدفاع الجنرال ماتيس الذي لا يعتقد بأن التعذيب يؤدي إلى نتائج أفضل في التحقيقات. صحيفة الإندبندنت بمكرها المعروف تقول إن ترامب استثنى الدول العربية التي يقيم علاقات تجارية خاصة معها. وهذا غير صحيح فالقانون يتحدث عن الهجرة في بلدان تعاني من حروب. ولكن واشنطن بوست كتبت بأن منع الهجرة من العراق وأفغانستان يعرّض العمليات العسكرية الأميركية للخطر. فمنذ عامي 2008 و2009 هناك قانون للتأشيرة الخاصة للمترجمين المنخرطين مع القوات الأميركية في العراق وأفغانستان. وهؤلاء ليسوا من أصحاب السوابق بل من الذين جازفوا بحياتهم وسمعتهم لمساعدة الولايات المتحدة. وكل مَن ينهي خدمة أقلّها عام واحد يحق له التقديم على هذه التأشيرة الخاصة والهجرة إلى أميركا. لا يمكن للولايات المتحدة أن تتوقع الإخلاص لها في تلك البلدان وفي نفس الوقت تتخلى عن إخلاصها ووعودها. يبدو الرئيس الأميركي متعجلا وغير مسؤول وربما يتراجع في النهاية، ففي سؤال عن مصر مؤخرا يبدي محبته للرئيس عبدالفتاح السيسي، وفي سؤال عن المملكة العربية السعودية يقول إنه لا يحب التعبير عن مشاعره، رغم أنه قبل دقيقة قد عبّر عن مشاعره بحماسة نحو الرئيس المصري، بل لا يتردد بالقول إنه لا يحب إنفاق المال في دعم المتطرفين في إشارة إلى حليف مهمّ لواشنطن. هذا ليس كلام رئيس أميركي ولا أعتقد بأنه يشعر بأيّ مسؤولية. الدليل على ذلك بأنه وبعد لقائه برئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي خفف من حماسته تجاه فلاديمير بوتين وقال “كان هناك وقت اعتقدت بأنني سأتفق مع بعض الناس ولكنّني اكتشفت العكس، وهناك وقت آخر اعتقدت فيه بأنني لن أنسجم مع بعض الأشخاص ثم اكتشف العكس” أي أنه لا يمتلك استراتيجية ولا حتى فهما واضحا لمعظم الأشياء التي يفعلها ويقولها. رئيس يقول إنه معجب بجمال ابنته، وأنه يتمنى لو أنها لم تكن ابنته ليقيم علاقة غرامية معها، وحين سألته مقدمة برامج؛ ما هو الشيء المشترك بينك وبين ابنتك؟ قال كنت أتمنى لو أستطيع القول إنه الجنس ولكن هذا غير ممكن والنَّاس يضحكون. لو أن رئيسا عربيا فعلها لقامت الدنيا في الإعلام الغربي على هذا الشاذ المسلم. بعض المثقفين العرب مهزومون حقا ولا يعرفون هذه الدنيا التي نعيش فيها. فهم يقدّسون الغرب ويعبدونه بالمطلق ولا يعرفون كيف يقبل أشياء ويرفض أشياء أخرى. عليك مثلا أن ترفض النظرة الدونية للعربي على الأقل، ترفض كلام ترامب عن مصادرة ثروات العراق النفطية بالقوة، وتقبل القيم الغربية العظيمة التي جعلتهم أعظم الأمم وأكثرها إنسانية. ولا تضع نفسك في مقارنة بين الغرب والشرق، فقط كن مستقلا بتفكيرك. كاتب عراقي مقيم في كندا أسعد البصري :: مقالات أخرى لـ أسعد البصري دونالد ترامب يتخبط, 2017/01/29 هل يتوقع الإخوان تحرير الشيعة للموصل وتسليمها لهم, 2017/01/22 عقابيل داعش , 2017/01/19 تراجع السنة السياسي هزيمة أم فخ لاستنزاف الإسلام الشيعي, 2017/01/15 هل ينجح السيستاني في كسب شباب الموصل, 2017/01/11 أرشيف الكاتب
مشاركة :